ثقافة وفن

«أوهام حقيقية» مجموعة قصص لأمين الساطي … لا حدود مرسومة لقدرتنا على خداع أنفسنا.. من أجل المحافظة على بريق الأنا في أعماق كل واحدٍ منا

| سارة سلامة

لعل طبيعة عمله كمهندس مدني فترة تزيد على الأربعين عاماً، قضاها متنقلاً بين مختلف بلدان العالم، أجبرته على تكوين علاقات إنسانية مع طبقات متباينة في ثقافاتها ووضعها الاجتماعي، ما دفعه بالنهاية إلى الهروب من هذا الواقع الممل، والتحليق في هذا الفضاء الشاسع المحيط بنا، وكانت القصة القصيرة التي طالما استهوته، وخدرته، وهو يقرؤها، هي النافذة التي أحب أن يطل منها على القارئ، ليتشارك فيها ملامح هذه الأوهام التي رسمتها الحياة أمامنا، هذا هو الدافع الذي حمل الكاتب أمين الساطي إلى كتابة القصة بكل ما تحمله من سرد وجمال وتشويق وحب وشغف فكانت مجموعته القصصية هذه تحت عنوان «أوهام حقيقية» تضم اثنتي عشرة قصة بعناوين مختلفة: «النوم بجانب الأعداء، الإشارة، البصارة، البهلول، الرغبة القاتلة، المخطط، النمط، شغف وأوهام، إنهم قادمون، الجزيرة، حب على الفيسبوك، قصة الانهيار».

وفي كل قصة هناك بطل له طريقته الخاصة في التعبير والتعويض عن رغباته المكبوتة، على الرغم من أنه قد يضطر في بعض الأحيان لاستبدال رغبات مماثلة بها، ولكنها أقل حدة منها، ليجعلها مقبولة من الأشخاص المحيطين به، وليتجنب تهمة الانحراف.
وخط الكاتب بقلمه إهداء في بداية الكتاب ليكون فاتحة لعبوره يقول فيها: «إلى ولديّ منير وعمر خاصة، وكل الأصدقاء الذين شجعوني، وألهموني إشباع هوايتي بكتابة القصص القصيرة، ثم ساعدوني في مختلف مراحل العمل، لتحويل هذه الأحلام والهواجس إلى كتاب مطبوع، أتقدم بخالص شكري ومحبتي».

النوم بجانب الأعداء
ونجد أن البطل في قصة «النوم بجانب الأعداء»، كان أضعف من أن يحوّل الرغبة المكبوتة التي تعتريه إلى حقيقة، يعيشها على أرض الواقع، فاكتفى بأن يعيشها في أحلامه، لينفس بها عما في داخله، ويحصل على الراحة، بشكل مؤقت:
«منذ فترة.. كنت أقلب صفحات إحدى الجرائد، لفت انتباهي مثل مكسيكي شعبي، اسمه النوم بجانب الأعداء، للوهلة الأولى وجدت نفسي مشدوداً إلى هذا العنوان الغريب، لأنه يحمل في طياته كثيراً من المتناقضات، بعدها أدركت أنه يعني، كيف يمكن للزوج أن ينام ببساطة بجانب زوجته في كل ليلة من دون تردد ولا خوف، فمن المعروف أن المشاعر والعواطف البشرية، تتبدل دائماً مع مرور الأيام، وغالباً ما تتحول هذه العواطف مع رتابة الحياة الزوجية إلى مزيج من الملل والكراهية وعدم المبالاة، ولقد جرت العادة بمجتمعنا على تحميل الزوجة مسؤولية كل الأمور السيئة التي تحصل بعد الزواج.
خلافاً للفكرة التي يروج لها كثير من المتزوجين، من أن المعاملة الطيبة بعد الزواج، قد تتحول مع مرور الوقت إلى نوع من المودة والحب، فإنه في واقع الحياة، كلما ازدادت معرفتنا بالأشخاص الذين نتعامل معهم، ازدادت كراهيتنا لهم، لأننا نجد فيهم كل الأشياء التي نكرهها في أنفسنا، يلجأ الأشخاص عادة إلى نكران هذه الفكرة، خوفاً من أن يكتشف الآخرون حقيقة مشاعرهم.
لا حدود مرسومة لقدرتنا على خداع أنفسنا، من أجل المحافظة على بريق الأنا الموجودة في أعماق كل واحدٍ منا، يهرب المتزوجون في كثيرٍ من الأحيان إلى استعمال بعض الحيل النفسية بطريقة لا شعورية لتسويغ تصرفاتهم، ولتقليل التوترات الناجمة عنها».

الإشارة
إن الرغبات التي تختلج في صدورنا، لا تلبث أن تسيطر علينا، فنصبح عبيداً لها، وبالنهاية تقودنا إلى الطريق الذي تختاره لنا، على حين يتملكنا في الوقت نفسه الشعور بالعجز عن مقاومتها، هذه هي مشاعر بطل قصة الإشارة، لما أخذت تتوضح له حقيقة رغباته المكبوتة بشكل إشارات وأرقام، يشاهدها بشكل طبيعي خلال يومه العادي، وأخذ يفسر هذه الرموز، بالشكل الذي يشبع تلك الرغبات:
«الكثير من الأشخاص في هذا العالم الذي نعيش فيه يؤمنون بالإشارات، ولكنهم يخجلون من الاعتراف بذلك، حتى إن البعض منهم يذهب للاعتقاد أن السماء تخصه مباشرة ببعض هذه الإشارات دون غيره، لتقوده إلى تحقيق تطلعاته وأحلامه، على حين قد يتصور البعض أنها إشارة من العالم الآخر، أرسلها له أحد والديه أو أقاربه المتوفين لمساعدته على شق طريقه في هذه الحياة الصعبة.
ولما كنت من الذين يؤمنون بالإشارات، حدث معي أنني استيقظت في هذا اليوم متأخراً على غير عادتي نحو الساعة الثامنة صباحاً، وبعد أن ارتديت ملابسي على عجل، خرجت مسرعاً من بيتي لأركب الباص ليقلني إلى مكان عمل.
نظرت فجأة إلى لوحة رقم الباص قبل أن أهم بركوبه، فلفت انتباهي أنها تبدأ بالرقم ثمانية، بدأت أبحث عن هذا الرقم في ذاكرتي، لكي أتمكن من إيجاد صلة تربط بين أحداث اليوم، وبين الرقم ثمانية، إذ لا بدّ من تتابع هذه الإشارات مع بعضها خلال وقت قصير، لكي تتحول إلى رؤيا، ثم تتحول الرؤيا إلى حقيقة ملموسة، نعيشها في حاضرنا، عندما وصلت إلى مكتبي بالشركة التي وظفت فيها منذ أسبوعين، كنت مازلت أفكر بطريقةٍ تقودني إلى مزيد من الإشارات التي تحتوي على الرقم ثمانية، جلست وراء مكتبي، وأشعلت سيجارتي، وحاولت أن أعود إلى الماضي وأن أتذكر تاريخ ميلاد زوجتي، أو ابنتي الوحيدة، لكي أربطهما بهذا الرقم، ولكنني لم أجد شيئاً».

البصارة
عندما يعاندنا القدر وتحدث أمور غير منطقية قد نلجأ إلى كل الوسائل لحل مشاكلنا ولو وصلنا إلى أعلى درجات العلم من الممكن الخضوع إلى الشعوذة والتبصير وحتى السحر، وقد نلجأ إلى كل ما لا يتصوره العقل والعلم والثقافة والتنوير لنكون معلقين بقشة وبصيص من الأمل والنور: «كان ذلك في أواخر عام ألفين واثني عشر، حينها وصل سعر أونصة الذهب إلى نحو ألف وسبعمئة دولار، وتوقع خبراء الذهب في ذلك الوقت، أن تبلغ أونصة الذهب بعد ستة أشهر ألفي دولار، الجميع في ذلك الوقت، كان يتكلم عن حمى الذهب، ومستقبل الذهب، سيطرت على تفكيري مقالة قرأتها في تلك الأيام، تتحدث عن أن الذهب معدن نفيس، يحمل قيمته في ذاته، ولا يمكن لأي دولة، أن تطبع منه ما تشاء، كما هو حاصل بالعملة الورقية، تصورت أن العملة الورقية قد تنهار في أي لحظة، وتفقد معظم قيمتها، نتيجة أي أزمة اقتصادية، وبدافع من الغرور، والطمع الكامن في نفسي، قررت شراء ألف وخمسمئة أونصة من الذهب، ولما كنت لا أملك كامل هذ المبلغ، لجأت إلى البنك، لأتمكن من الحصول على قرض، لشراء هذه الكمية من الذهب، قام البنك برهن الأراضي الزراعية التي ورثتها عن المرحوم أبي في جيرود، كما قام برهن بيتي الذي أعيش فيه كضمانة للبنك، وأصبحت أنا وأولادي وزوجتي رهينة لهذا القرض، ولمستقبل الذهب الذي تورطت في شرائه.
مضت الأسابيع الأولى على ما يرام، وارتفع سعر الذهب لأكثر من ألف وثمانمئة وخمسين دولاراً، وأخذت زوجتي تدفعني لأبيع أونصات الذهب، وأقتنع بهذه الأرباح الجيدة، على مبدأ اضرب واهرب، لكن الأطماع والأحلام، كانت أكبر من هذه الأرقام الموجودة بين أيدينا، أقنعت نفسي بأن مسيرة صعود الذهب ستستمر وفقاً لتوقعات الخبراء، بعدها فجأة أخذت الأسعار بالهبوط، وعوضاً عن التخلص من أونصات الذهب التي بحوزتي والهروب من السوق أقنعت نفسي، بأنه ارتداد مؤقت لأسواق، وأن الأسعار بعد قليل ستأخذ بالارتفاع من جديد، بدأت زوجتي من جديد تلح بضرورة التخلص من الذهب والخروج من السوق، ولو بأرباح بسيطة، لكنني اعتقدت في ذلك الوقت أنها جاهلة وخائفة، ولا تفهم طبيعة أسواق البورصة، واستمرت أسعار الذهب بالانهيار، أصبح واضحاً للخبراء، أن الأسعار، ستعود بنهاية العام إلى سعرها القديم بحوالى ألف وثلاثمئة دولار للأونصة، وأن هذا يعني ببساطة دماري للأبد.
تذكرت أني شاهدت مرة على محطة تلفزيونية لبنانية، مقابلة مع عالمة للغيب في مصر، اسمها جمانة كامل، وعلى ذمة التلفزيون، فإن لها قدرات عجيبة على اكتشاف المستقبل، وأن جميع توقعاتها التي نشرتها في الصحف والمجلات قد تحققت فعلاً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن