مفتاحا السلام والحرب في المنطقة
| أنس وهيب الكردي
عادت أجواء التهدئة إلى الشرق الأوسط بعد «ليلة الصواريخ» التي هددت بإشعال نزاع إقليمي، في تلك الساعات الأولى من يوم الخميس الماضي تسارعت وتيرة الأحداث في ظل غموض حول بدايتها، ومع تصاعد المواجهات في السماء السورية حبس العالم أنفاسه.
في الوقت الحالي تقود روسيا وراء الكواليس جهود التهدئة، والبيانات الروسية دقيقة الصياغة التي علقت على التصعيد الأخير، لم تترك أدنى شك في رغبة موسكو الاستفادة من وضعها الشرق أوسطي القوي المستجد، والمميز، حيث إنها العاصمة الوحيدة التي تستطيع استقبال مختلف الأطراف المتنازعة في المنطقة، والانطلاق بدبلوماسية مناسبة مع الجميع، باسم التحالف مع طهران ودمشق، والاستقرار مع تل أبيب.
ربما كان السبب وراء احتلال روسيا هذه المكانة ليس حنكة قادتها فحسب، بل أيضاً، استثمار موسكو الذكي لمؤهلات الموقع الجيوسياسي السوري، الذي سبق أن أكد وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر أهمية دوره في إرساء السلام في منطقة الشرق الأوسط.
ما روج الإسرائيليون له على أنه رسالة ردع إلى دمشق وطهران مؤكدين نجاحها في تحقيق أهدافها، دحضته تأكيدات دمشق وموسكو بتصدي وسائط الدفاع الجوي السورية لأغلبية الصورايخ الإسرائيلية، مع ذلك، التجأت جميع الأطراف إلى موسكو من أجل إرساء تهدئة، وهكذا، تجمعت الخيوط لدى الكرملين، وباتت الأرضية ممهدة لمبادرة.
محور أي تهدئة مقبلة هو منطقة خفض التصعيد في جنوبي غربي سورية، التي تم تأسيسها بناء على اتفاق روسي أميركي أردني في عمان خريف عام 2017 الماضي، وفي الآونة الأخيرة، ضغطت موسكو من أجل تنفيذ متطلبات اتفاق خفض التصعيد في الجنوب، وخصوصاً القضاء على مسلحي «جبهة تحرير الشام» أي «جبهة النصرة» سابقاً وتنظيم داعش، وألمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمام نظيره الأردني إلى استعداد روسيا للتصرف في تلك المنطقة من جانبها.
وبينما قد تطرح موسكو معادلة جديدة في جنوبي غربي سورية تقوم على استعادة الحكومة السورية سيطرتها الكاملة على المنطقة، وفتح المعابر الحدودية، وإعادة انتشار قوات الأمم المتحدة لمراقبة فك الاشتباك في الجولان العربي السوري «أندوف» في مناطق وجودها السابقة، فإن من غير المرجح أن توافق بقية الأطراف على ذلك فوراً، ولأسباب متنوعة، فالولايات المتحدة ليست في وارد التراجع عن اتفاق الجنوب في الوقت الحالي وخصوصاً أنها بصدد الضغط على إيران، كما أنها قد ترغب في تعديل اتفاق فك الاشتباك الذي توصل إليه كيسنجر في عام 1974.
أما إسرائيل فهي في موقف دقيق لأنها تعلم أن مفتاح التهدئة في موسكو، في وقت تحتل علاقاتها مع واشنطن أولوية وخصوصاً تجاه مفتاح التصعيد والحرب على إيران، وهي على الأغلب ستربط إنهاء منطقة خفض التصعيد في الجنوب بالتعامل مع الوجود العسكري الإيراني في مناطق أخرى من سورية، أما إيران، فقد لا تكون مهتمة بالخضوع للشروط الإسرائيلية في جنوبي غربي سورية أو أي منطقة من البلاد.
هكذا سترتد الجهود الروسية إلى مجرد تهدئة التوترات في جنوبي سورية من دون التوصل إلى تسوية جدية، لأن مفتاح السلام وإن كان في موسكو، فإن مفتاح الحرب يحمله الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض.