ألف وجه للكذب
| زياد حيدر
في العام 1998، كنا في إستديو للمونتاج في بريطانيا، نجرب جهازا جديدا اشترته الشركة، للتوليف البصري والصوتي، وكان مشرفنا أدريان يلقي بمقاطع فيديو مختلفة، ويخوض عليها تجارب التقطيع. ناداني وطلب مني أن أشاهد مقطعا انتهى منه، وكان مشهدا تمثيليا تدخلت يده فيه بخبرة. بعد أن شاهدت المقطع الأول، أعاد تشغيل الأصل، الذي جاء مختلف المضمون كليا تقريبا. كان الجهاز الجديد جيلا من أجيال التقطيع البصري والصوتي، ولم يكن قد دخل التقطيع عبر برامج الحاسب، أو لم تكن الشركة اعتمدته بعد. بعض الخبرة والحرفة والحس الدرامي، كانت كافية لتغيير مضمون واقعة كاملة مسجلة، حتى إن أدريان علق أن «سنوات قليلة وسنصبح قادرين على تغيير نص صوتي بلسان صاحبه».
مرت السنوات، وتخطى التفوق التقني البصري كل خيال، وبتنا نشاهد أفلاما كاملة مصنوعة بتقنيات الحاسب، وبمؤثرات واقعية تحاكي حياتنا، وصادمة في مستوى دقتها.
تطور جديد حصل في الأشهر الأخيرة، بابتكار برنامج حاسبي يستطيع التلاعب بصورة وصوت أي شخص، وتقويله ما يشاؤه المؤلف المزور، وتجسيده بالطريقة التي يشاء إظهاره بها.
البرنامج بدأ حديثا بتجربة الأفلام الإباحية، واشتهر منها، لأن اختصاصه كان فعليا، نقل وجوه ممثلات شهيرات وتجسيدها على ممثلات إباحيات، بحيث تظهر الممثلة كما أنها هي التي تقوم بهذا الدور، ومن دون فوارق كبيرة عن الأصل.
أثار الموضوع ضجة، بسبب بعده الأخلاقي، حين رأت ممثلات كإيما تومسون، وسكارليت جوهانسون أنفسهن في فيديوهات شديدة الإباحية، يقمن بأشياء لم يقمن بها، ويظهرن كما لو أنهن يعملن بإرادتهن ويستمتعن بهذا العمل.
الأخطر في القصة، أن هذا البرنامج لا يحتاج لخبرة كبيرة، إذ يكفي تنزيله من مواقع معينة، واختيار الفنان أو الفنانة أو غيرهم والعمل على مطابقته مع أحد المقاطع، مع شخص يحمل مواصفات قريبة منه، حتى تظهر النتيجة سريعا. هذا في إطار، التسلية، وعالم الإنتاج الإباحي، ومهووسيه الكثر، لكن الجدية تتعدى ذلك طبعا. جرب موقع بزفيد الأميركي، التجربة بمواصفات دقة بدائية ذلك على الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ووضعه في موقع المتحدث لـ«الأمة»، مقولا إياه أشياء لم يقلها، بما فيها شتم الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب. وعلى الرغم من أن الفيديو يبدو غريبا، وتنقصه الطبيعية، لكن الموقع يشير إلى أن هذه التقنية ما زالت في بدايتها، والاحتراف فيها يشغل بال مشغلي الأفلام الإباحية، أكثر منهم خبراء التأثير الإعلامي والاجتماعي. أو ربما بدأ ينشغل هؤلاء في دراسة المستوى الذي يمكن أن تصل إليه هذه التقنية، وكيفية استخدامها لأغراض مصلحية.
ففي ظل الانتشار الكاسح لوسائل التواصل الاجتماعي وامتلاك الجميع منصات النشر، من دون أي رقابة أو تقييم أو خبرة، يمكن لفيديو أن ينتشر بسرعة تفوق ألف مرة سرعة نفي دقته. وبالطبع الناس أميل لرؤية ما هو مثير، أو ساحر، أو محدث للضجة، أكثر منهم في متابعة ما هو رتيب، وتقليدي ومتوقع. هذا كله يضع وسائل الإعلام، أو ما يسمى قادة الرأي العام أمام تحد جديد كليا، لا يمتلكون بعد طرق مواجهته.
ثمة مثل انكليزي يقول «seing is believing» لم يعد يصلح لأيامنا هذه. إذ صار بإمكاننا أن نرى، ونسمع ونحن من دون دراية أننا ربما نعيش كذبة كبيرة.