الانسحاب من الاتفاق الإيراني يضع ترامب في مواجهة العالم
| قحطان السيوفي
في مقال سابق بعنوان «ترامب يَعبث بنظام عالمي فرضته أميركا» قلنا إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينقلب على القواعد القانونية والاقتصادية والعسكرية الدولية وينسحب من الاتفاقات التجارية واتفاقية المناخ، وهو اليوم ينسحب من الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته إيران والسداسية الدولية (5+1) عام 2015، وأعلن إعادة العمل بالعقوبات الأميركية على طهران، في خطوة ستترك تداعيات واسعة على العالم، مضيفا إن «كل بلد يساعد إيران، يمكن أن تفرض عليه الولايات المتحدة عقوبات»، وأعلن مستشاره للأمن أن أمام الشركات الأجنبية بضعة أشهر لـ«الخروج» من إيران.
العديد من المراقبين يرى أن انسحاب ترامب مِن الاتِّفاقّ هُو محاولة يائسة لتغيير النظام الإيراني، وبادعاءات كاذبة بوجود أسلحة كيميائيّة أو نَوويِّة.
المسرحية التي عرضها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو المبنية على وثائق مفبركة حول الاتفاق النووي الإيراني كانت تمهيدا لقرار ترامب بالانسحاب، رَفض الاتِّحاد الأوروبيّ هذه الخُطوة الأميركية الابتزازيّة، وتَمسكت دُولُه الرَّئيسيّة ألمانيا وفرنسا وبِريطانيا، بالاتِّفاق، وأكدت إيران التزامها بالاتفاق، ما يُعَزِّز مَوقِف حكومة طهران، ويُدين قرار ترامب ومَخاطِره على المِنطَقة والعالَم.
الرئيس ترامب رفض الاستماع إلى شُركائِه الأوروبيين، ولم يَستَمِع إلا لنتنياهو، ورُموز التَّطرُّف والعُنصريّة من فريق إدارته، واعتبر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قرار ترامب بالانسحاب، «خطأ فادحا» ويهدد بالنيل من مصداقية الولايات المتحدة.
بالمقابل الشركاء الموقّعون على الاتفاق أعربوا عن أسفهم لقرار ترامب، وأعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أن الاتحاد «مصمم على الحفاظ» على الاتفاق النووي الإيراني، وخاطبت القادة والمواطنين الإيرانيين: «هذا الاتفاق من أكبر النجاحات التي تحققت في الدبلوماسية وقد صنعناه معا، ومعا ومع سائر المجتمع الدولي سنحافظ على هذا الاتفاق».
وأعلنت فرنسا وألمانيا وبريطانيا في بيان مشترك أنها ملتزمة باستمرار تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني، ونبّه البيان المشترك لرؤساء الدول الأوروبية الثلاث إلى أن ملامح مواجهة تلوح بين ضفتي الأطلسي وخصوصاً بعد تحذير الشركات الأوروبية العاملة في إيران من تعرضها لعقوبات أميركية، ويؤكد الأوروبيون أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد بانتظام التزام طهران ببنود الاتفاق الهادف لضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال عقب محادثات مع نظيره الإيراني جواد ظريف إن الاتفاق النووي مع إيران يجب أن يبقى المرجعية الجوهرية الوحيدة، وإن قرار ترامب بالانسحاب انتهاك لقرار مجلس الأمن، كما أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني الاستمرار في تنفيذ الاتفاق.
لاشك أن قرار ترامب بالانسحاب، هو محاولة لإرضاء اليمين الأميركي الموالي لإسرائيل إضافة إلى محاولة إرضاء دول الخليج، وسيؤدي القرار لخلل كبير في العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، وأيضا العلاقات الدولية الأخرى، وسيؤثر في العلاقات بين ضفتي الأطلسي، وربما سيحصل انشقاق داخل المعسكر الغربي لتباين المصالح بين الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية، وفي النهاية قد يحدث تقارب بين إيران والاتحاد الأوروبي، في ملف البرنامج النووي على الأقل.
يبقى مدى عمق الابتعاد بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا مرهونا في المقام الأول بشمولية العقوبات التي سيتخذها ترامب، وفي حال معاقبة بنوك مرتبطة بعلاقات تجارية مع إيران، فإنه سينظر في أوروبا إلى هذا كفعل عدواني.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حديث مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية، قال إن انسحاب ترامب من الاتفاق هو أسوأ خيار، بينما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران إلى الالتزام،
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيد بحماس قرار ترامب، لكن برز تضارب إسرائيلي بشأن تداعيات القرار، البعض اعتبر أنّ القرار بمنزلة تبنٍّ تام لمواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بالمقابل قال محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان، إنّ «إعلان إلغاء الاتفاق النووي، يعني إبقاء إسرائيل وحيدة إلى جانب الولايات المتحدة، وتفقد قدرتها على الحوار مع القوى الدولية الأخرى، أي بقاء إسرائيل وحيدة في مواجهة إيران، وترك الولايات المتحدة أيضاً وحيدة في مواجهة الدول الخمس الشركاء بالاتفاق، واعتبر رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني أن قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق يُعد انتهاكا وسيؤدي إلى عزلة الولايات المتحدة مؤكداً أن ترامب لا يفهم إلا لغة القوة وفرض العقوبات.
قرار الانسحاب لن يضر كثيرا بصادرات إيران من النفط الخام كما قال وزير النفط بيجان نامدار زانجانه، وستقوم إيران بتوظيف كل خبراتها وقدراتها لضمان شل قدرة ترمب على الإضرار بإيران، وإن هدف طهران هو زيادة الإنتاج ليصل إلى 4.8 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2021، وأكبر استثمار دولي في قطاع الهيدروكربونات في إيران حاليا هو العقد المبرم مع شركة «توتال» بقيمة 4.8 مليارات دولار لتطوير جزء من حقل بارس الجنوبي، أكبر حقل للغاز في العالم، وتطوير هذا الحقل مُستمر كما قال المحلل لدى معهد أكسفورد للدراسات في آسيا والمنطقة ديفيد جليلفاند، وهو الأكثر أهمية بالنسبة لإيران؛ لأنها تستأثر بنحو 60 في المئة من الصادرات النفطية الإيرانية، ومعظمها إلى الصين التي هي من البلدان (5+1) والهند.
القضية الحاسمة بالنسبة لإيران ستكون تحديد الشركات والحكومات التي ستواصل شراء النفط الخام الإيراني رغم العقوبات، وقرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق الإيراني أضر بمصداقية الولايات المتحدة في الساحة الدولية، وأحدث خللا بل مواجهة بين واشنطن وحلفائها الأوربيين، وسيؤدي القرار لبقاء إسرائيل وحيدة في مواجهة إيران، وترك الولايات المتحدة وحيدة في مواجهة الدول الخمس، روسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا.
لقد وَظَّفَت إسرائيل القوّة الأميركيّة الأعظم في العالم في خِدمة مُخَطَّطاتِها، وستكون الخاسر الأكبَر، بمعنى آخر إدارة ترامب أصبحت أداة لتنفيذ الأهداف الإسرائيلية ضد إيران وتصطف بعض دول الخليج خلفها، وتوظف كُل ما تَبقى في خزانَتها من البترودولار في تَغطِية نَفقات هذا العُدوان، وقرار الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني يضع أميركا في مواجهة مع العالم، ويدفع باتجاه حافة الهاوية.