بعد «العسكري» واشنطن تعوّل على العقوبات
| تحسين الحلبي
حين يعجز الأعداء عن تحقيق أهدافهم ضد دولة ما عن طريق الغزو الخارجي ويدركون أن خططاً كهذه لن تجدي فإنهم سيتجهون نحو خطط تتركز فيها الجهود على توظيف العوامل الداخلية مثل معارضة مسلحة أو أزمات اقتصادية واغتيالات للقادة أو شيطنتهم، تمهيداً لقلب نظام الحكم بانقلاب أو حرب إرهاب داخلية مدعومة من حدود خارجية.
هذا هو سجل ما كانت تقوم به الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية وفيتنام ودول آسيا وإفريقيا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وما زالت تعده وتنفذه لتوسيع مصالحها، فحين عجزت عن إسقاط فيدل كاسترو بمؤامرة استخباراتية، قررت فرض المقاطعة الاقتصادية على كوبا منذ عام 1961 ومنع المساعدات الأميركية عن أي دولة تتعاون مع كاسترو، وانتصرت كوبا على الحصار والمقاطعة حتى الآن، وحين عجزت واشنطن وحلفاؤها عن احتلال كوريا الديمقراطية عام 1953 فرضت الدول الغربية معها المقاطعة والحصار عليها وانتصرت كوريا الديمقراطية على كل أشكال الحصار وتحولت إلى أول دولة نووية علنية صغيرة في العالم وأصبحت قادرة على استخدام الردع النووي الإستراتيجي في حماية البلاد والمحافظة على استقلال قرارها وسيادتها.
كان أهم عاملين في تحقيق هذا الانتصار على سياسية الغزو والهيمنة الأميركية هما: الاعتماد على القدرات الذاتية في الصمود وتطويرها بشكل دائم، والعامل الثاني وهو على درجة الأهمية نفسها، بالعمل على خلق التحالفات المشتركة مع دول مجاورة وخارج المنطقة، فكوبا وجدت في دول عديدة في أميركا اللاتينية حلفاء، وفي روسيا السوفيتيية حليفاً دولياً، وكذلك فعلت كوريا الديمقراطية التي وجدت في الصين وفيتنام ودول عديدة آسيوية حلفاء متعاونين معها.
في عصرنا الراهن ها هما سورية وإيران تواجهان أكبر أشكال التهديد والغزو في حرب تجند لها واشنطن أكثر عدد من الدول المجاورة ومن خارج المنطقة.
وفي أعقاب انتصار سورية وحلفائها على هذه الحروب يبدو أن واشنطن تقوم الآن بمحاولة إضعاف دمشق من خلال إضعاف حليفها الإقليمي إيران، تمهيداً لإضعاف الحليف الدولي الروسي.
العقوبات الاقتصادية والتهديدات الإسرائيلية الأميركية بشن حرب على الأراضي السورية بحجة أنها ضد إيران، تستهدف عزل مصادر القوة والقدرة عن كل من سورية وإيران، والقرارات الأميركية بمقاطعة اقتصادية ضد إيران، لا يقتصر هدفها على زعزعة الاستقرار الداخلي في إيران فقط بل هي جزء من إستراتيجية أميركية إسرائيلية هدفها إضعاف سورية والحليف الثالث حزب اللـه من خلال إضعاف إيران، وهكذا هي المعادلة إضافة إلى إضعاف حلفاء روسيا في المنطقة، فواشنطن تريد القضاء على العامل الثاني وهو عامل الحلفاء من الجوار وخارج الجوار بعد فشلها في تفتيت قدرة الاعتماد على الذات في مجابهة واشنطن وحلفائها.
وإذا كانت العقوبات الأميركية طوال أكثر من خمسين سنة على كوريا الديمقراطية لم تمنع تطوير وصناعة أسلحة نووية وصواريخ باليستية تحقق دوراً بارزاً في ردع الأعداء، فإن سورية وإيران معاً قادرتان على تطوير أشكال متنوعة من قدرات الردع بإمكاناتهما الذاتية وبفضل التعاون مع دول أخرى، بل إن امتداد جبهة الحرب ضد إسرائيل من حدود الجولان حتى جنوب لبنان وبعمق يصل إلى طهران يشكل عامل ردع تضعه إسرائيل في حساباتها بعد هزيمتها في عدوان تموز عام 2006 وتراجع قدرة ردعها منذ ذلك الوقت.
يلاحظ الإسرائيليون قبل غيرهم، أن سورية أصبح في مقدورها صناعة وتطوير صواريخ تصل إلى كل أرجاء فلسطين المحتلة ومواقع جيش الاحتلال، وأنها قادرة أيضاً على صد أكبر نسبة من الصواريخ التي تستهدف أراضيها ومواقعها فما بالك بقدرات إيران؟!
في تصريحات له أول من أمس، كشف مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشؤون المساعدات العسكرية الروسية فلاديمير كوزين أن الجيش السوري أصبح لديه كل ما يحتاجه من ناحية عسكرية قادرة على ضمان حمايته.
وهذا ما جعل قادة الجيش الإسرائيلي يعترفون بأن «سورية بعد هزيمة داعش في أراضيها أصبحت أكثر قوة مما سبق» وهذا ينطبق على حلفائها في المنطقة من إيران إلى حزب اللـه وجبهة الحرب الممتدة في مجابهتها.