«عراضة» طاقوية في إيران
| علي محمود هاشم
لا تتوقف حرب الطاقة عن مفاجآتها.. ففي 2012، ساقت العقوبات الغربية على إيران تراجعاً كبيراً في صادراتها النفطية، خلفت نقصاً في الإمدادات العالمية، إلا أن ذلك ترافق مع انهيار «ممنهج» للأسعار هوى بالبرميل إلى حيطان الـ35 دولاراً خلال العام 2014 وبداية 2015، منخفضاً بنحو بأكثر من 68 بالمئة بعدما تجاوز 110 دولارات قبيل العام 2014.
الولايات المتحدة الأمريكية التي عبر رئيسها قبل أسبوعين عن امتعاض اقتصاد بلاده من التعافي المطرد في الأسعار خلال الأشهر الـ16 الأخيرة وصولاً إلى 77 دولاراً (مرتفعاً بنحو 40 بالمئة، من مستوى 55 دولار للبرميل) لم تألُ جهداً في توجيه صدمة جديدة للأسواق عبر تعزيز مؤشرات الأسعار بالضغط على الإمدادات العالمية من باب النكول عن الاتفاق النووي.
«السعودية وأبو ظبي» أوبك، والكويت، اللواتي ذهبن إلى تفاهمات استراتيجية مع روسيا عبر «أوبك+» لإنعاش أسعار النفط بتقليص الإمدادات والمعروض في سياق تطلعات لأسعار البرميل بنحو100 دولار، ما لبثن أن انعطفن بحدة لمعاكسة هذه التطلعات بعدما أعربن عن حماستهن التامة يوم الخميس الماضي للتقيد بتطلعات وزير الخزانة الأمريكي المعلنة في اليوم السابق، بزيادة الإمدادات وتوفير المعروض.
مصر التي ذهبت خلال السنوات الأخيرة إلى تقليص متتال في كتلة دعم المشتقات النفطية المستوردة، فجأة، ومنذ إعلان الإدارة الأمريكية نواياها بالانقلاب على الاتفاق النووي، بدأت بالاستيقاظ «الممنهج» كل صباح على مكمن نفطي هنا أو غازي هناك، بما يؤسس لثروة هائلة تتحول معها أرض الكنانة «بقدرة قادر» لإحدى الدول الواعدة في إمداد الطاقة.
إلى الشمال، وبعد سنوات من «الزخم الثوري» الأمريكي في أوكرانيا، تلوح اليوم بوادر «دفع الثمن»: أحكام أوروبية بتعويضات غير قابلة للتنفيذ على غازبروم الروسية دفعها لأوكرانيا على خلفية اتهامها بتقليص الإمدادات عبر السيل الجنوبي المار منها إلى أوروبا، يقابلها أيام باردة تنتظر هذه الدولة الصديقة مع التفكك -المفاجئ- للمصاعب السياسية التي لطالما اعترضت بدائل برّها في قناطر الطاقة عبر فروع جديدة لأنابيب السيل الشمالي الممتد أسفل بحر البلطيق شمالا نحو ألمانيا فبقية أوروبا.
وفق هذا المنحى، يبدو النكول الأمريكي عن الاتفاق النووي جزءاً من حرب الطاقة العالمية، وكان ليجدر بالراغبين في استطلاع جدية التهديدات الأمريكية بالارتداد عنه، الإصغاء جيداً إلى مجريات الحرب واستجابة أسواقها التي استكملت استعداداتها للأمر منذ أشهر.
على الجانب الإيراني، سوف تشمل العقوبات المنتجات النفطية والموانئ والشحن وبناء السفن ومن ثم استثمارات قطاع الطاقة، الطبيعة المتمرحلة للعقوبات على 6 أشهر، تشير من ناحية ما لارتباطها بتفاهمات أوسع تشمل تشكيل النفوذ في شرق المتوسط، ومع ذلك، تبدو إيران مستعدة لتجنب تأثير العقوبات في المدى المنظور على صادراتها الطاقوية وفق منحيين اثنين أعلنهما وزير نفطها: «إيران ستعتبر الاتفاق النووي سارياً ما دامت تستطيع بيع النفط.. أنا شخصيا أفضل أن يستقر سعر الخام عند 65 دولاراً للبرميل».
ثمة ما يدعم التوقعات بعدم تأثر مبيعات إيران النفطية (وهي التي ارتفع وسطي انتاجها اليومي إلى 3.8 ملايين برميل يومياً، مؤخراً، مع خطط لرفعه إلى 4.7 ملايين برميل يومياً خلال أربع سنوات قادمة)، ففي السوق الأوروبية المرتبطة بمصالح استثمارية كبيرة مع إيران (وفي مقدمها فرنسا) يرجح أن يستمر تدفق ما يزيد عن 800 ألف برميل يومياً (سجلت 40 بالمئة من صادرات النفط الايراني شهر آذار الماضي البالغة 2.16 مليون برميل) التي تصل السوق الأوربية لأسباب تتعلق بتنويع المصادر، وأيضا بالأسعار التفضيلية التي استبطنها وزير الطاقة الإيراني ضمن رأيه الشخصي الذي أطلقه قبل عدة أيام من النكول الأمريكي رسميا عن الاتفاق النووي.
أما في السوق الآسيوية، فلدى إيران الكثير من الشركاء، وكما أن الصين ستنحت من العقوبات الأمريكية فرصة لتدعيم بورصة شنغهاي النفطية باليوان ولربما تعظيم وارداتها التي تقارب راهناً 800 برميل إيراني يومياً، فكذا ستجد الهند التي تستورد منها نحو 500 ألف برميل يوميا، مزيداً من الفرص لتأمين الاحتياجات الطاقوية الأرخص بالروبية، إلى جانب روسيا التي أعلنت تمسكها بعلاقاتها الطاقوية مع إيران، بما فيها اتفاق تبادل «سلع/ نفط» الذي ترتبط الجمهورية الإسلامية بما يشابهه مع كلا الصين والهند أيضا.
مع هذا وذاك، فلربما تُعمّق أزمات الإمداد «السياسية» من دول بعض أمريكا اللاتينية وإفريقيا، أزمة شح القدرة على تعويض المعروض القائمة أصلا، وليشكلا معا مساندة وازنة لمبيعات إيران في المدى المنظور.
لا يمكن للمرء تجاهل ملاحظة تلك المروحة الواسعة من مستفيدي النكول الأمريكي عن الاتفاق النووي، بما فيهم الولايات المتحدة الطامحة للقفز إلى مستويات قياسية من الإنتاج، وللمفارقة، وطالما بقيت العقوبات ضمن مستوياتها المعقولة، فمن زاوية ما، قد تكون إيران رابحة من خسائرها أيضا بعدما يتحرر إنتاجها من لوائح التسعير ومن موازين الحصص العالمية.
للمفارقة مجدداً، ومن زاوية أخرى، فلربما صورة الرابحين هذه قد تنقلب بشكل درامي لتنبلج عن خاسرين محتملين جراء تجدد سيناريو 2014 وتهاوي أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وهذا أمر سيتوجب على روسيا -تحديداً- التنبه إليه، لئلا يكون كرة جديدة في الحرب المستمرة على إيراداتها.