مئة عام وناجي عبيد يرسم لوحاته… وزير الثقافة لـ«الوطن»: عبيد من أبرز المؤسسين وأكثرهم مواصلة للفن التشكيلي
| سوسن صيداوي
«المعلومات لا تُغني عن الدراسة وكل شخص إذا أراد أن يفيدك يتكلم معك من زاوية معينة حتى يظهر أن عمله هو الصحيح» جملة قالها فنان تشكيلي سوري، استغل كل ما وقع على سمعه أو أبصرته عينه أو وقع في يده من كتب تمنح أفكاراً تشكل معلومات تفيده في طريق طويل سلكه، إنه الفنان ناجي عبيد الذي قدم إبداعاته التي لا تشابه غيره من أقرانه، بل أبحر في فضاءات المعرفة ناهلا من كل تجربة غربية وعربية، ليكون اسما من الصعب أن يتكرر، مكتنزا لنفسه الفكر ومقتنيا كل ما أمكن من لوحات ومنحوتات وجدها ثمينة بقيمتها، وكان سديدا وصائبا فيما نوى. واليوم وتأكيدا على أنّ رموز الثقافة وسفراءها هم الجسر الذي تعبر منه الأجيال إلى مستقبل أفضل، برعاية وزارة الثقافة وبحضور وزيرها السيد محمد الأحمد، تم افتتاح معرض «تحية للفنان ناجي عبيد» في مكتبة الأسد- صالة المعارض، وعرض فيلم وثائقي عن حياة الفنان، وللمزيد إليكم بالتفاصيل.
الهوية راسخة
أشار وزير الثقافة محمد اﻷحمد إلى أنّ الفرصة لم تسنح بأن تكون المعرفة قريبة من الفنان ناجي عبيد، إلا حين قام بزيارته مؤخرا في منزله العامر بمئات اللوحات، متابعا «فكيفما تحركت في منزل عبيد ترتطم بلوحة له، أو بلوحة مقتناة لكبار الفنانين السوريين، ومما لاشك فيه أن ناجي عبيد هو واحد من أبرز المؤسسين للفن التشكيلي السوري ومن أكثرهم مواصلة لهذا العشق الذي ابتدأه منذ اﻷربعينيات من القرن المنصرم».
وحول تجربة الفنان التشكيلية الغنية والمستمرة منذ العشرات المديدة من السنين- وخاصة في البورتريه- أضاف الأحمد «عندما نجول بين اللوحات نكتشف عدة قواسم مشتركة. فأولا وبالمقارنة بين اللوحات التي نشاهدها وتعود للستينيات، واللوحات التي رسمها الفنان قبل عدة أشهر، نحسّ دائما أن العمل يمثله صاحبه وهذه أهمية المبدع الكبير سواء كان رساما أم موسيقيا أو مخرجا سينمائيا أو شاعرا، فبمجرد أن تطلع على عمل له تكتشف أن الهوية ما تزال هوية الفنان نفسه. ثانيا عندما نشاهد بورتريه للفنان عبيد ويعود إلى عام 1960، نكتشف أننا نرى بورتريه قام برسمه في عام 2018، لكن مع إضاءة هذه التجربة الثرية التي عبرت كل هذه السنوات وتراكمت ومرت وأسست. وأحب هنا أن أضيف أن أغلب لوحات الفنان عبيد هي بورتريه وفيها المرأة مطموسة العينين، وربما هذا ما يميز تجربته في البورتريه عن أي فنان آخر، إضافة إلى أن هذا البورتريه مشغول بعناية عبر رموز خطية ورموز تلوينية وعبر أشكال هندسية لها علاقة بثقافتنا العربية».
وفي ختام حديث وزير الثقافة تمنّى للفنان عبيد الصحة وطول العمر لأنه قد شارف على مئة عام، متابعا «بلغني أنه عندما يكون فناننا بأعلى درجات المرض، فإنه يمسك الريشة وكأنه في سباق مع الزمن لتدوين العمل الذي سيخلّد اسمه والذي سيوسم بهذه التجربة الغنية».
الفنان إنسان
من جانبه تحدث نجل الفنان محمد ناجي عبيد بفخر كبير عن والده في غمرة من السعادة لافتتاح المعرض، قائلاً: «أشكر كل القائمين على هذا المعرض الذي هو شرف لي وسعادة لوالدي الذي شارف على مئة سنة من العمر والعطاء، فوالدي يأبى أن يرتاح حيث يقول دائما «إذا أنا لم أقدم لهذا الوطن وغيري توقف ليرتاح، فمن بقي ليقدم ويعطي لسورية الوطن الشبيهة بقطعة الفسيفساء بتنوعها وغناها الحضاري والإنساني؟» فوالدي مؤمن بأن سورية ستبقى قوية بأبنائها اﻷوفياء».
وحول العلاقة التي تربط الوالد بابنه تابع محمد ناجي عبيد «إن علاقتي بوالدي هي علاقة صداقة، ورغم سنواته المئة فإنّ لديه روح الشباب، لذا لا أجد نفسي بعيدا عنه فكريا أو روحيا. واليوم أنا أكمل مسيرة والدي ومدرسته التي تعتمد على عدم النقل عن الفن الغربي الطاغي في العالم، هذا بعكس فنانينا في الوطن العربي الذين يأخذون هذا الفن متناسين أننا في الأصل مصدر الحضارات لكل العالم، فسورية فيها أول حرف وأول نوته موسيقية». وفي سؤال حول اعتزاز الفنان التشكيلي ناجي عبيد بموهبة ابنه في الرسم واعتباره متفوقا عليه، أجاب الابن «أنا أنحنى أمام كلام والدي وأمام قامته الكبيرة، وأنا فخور لكوني تلميذه في الرسم والتلوين واستخدام الريشة، وسأبقى مستمرا بمدرسة والدي، لننقل معا صورة سورية الحقيقية إلى كل العالم».
ما زال مستمراً بالعطاء
في الافتتاح كان بين الحضور الشاعر محمد منذر زريق الذي تحدث عن العلاقة التي تربطه بالفنان التشكيلي وبأعماله قائلاً: «علاقتي التي تربطني بالفنان ناجي عبيد طويلة جدا وتعود إلى أربعين سنة لكونه صديق والدي، هذا من الناحية الشخصية أما من الناحية الفنية، فالفنان عبيد يبتكر لوحة سورية صميمة، بأدوات ابتعدت عن تقليد المدارس الغربية، ما جعل منه فنانا أقرب إلى الفطرة، بالإضافة إلى كونه خطاطا مهما، حيث تتلمذ على يد أكبر الخطاطين السوريين، واستطاع خلال مسيرة تمتد أكثر من ثمانين سنة بالخط، أن يُدخل الخط والحروف في لوحاته. إن تجربة الفنان مختلفة ولغاية اليوم يستخدم ألوانه الخاصة التي يصنعها بنفسه، فهو لا يستخدم الألوان التي يستخدمها بقية الفنانين، وبرأيي الفنان ناجي عبيد ظاهرة لم تأخذ حقها كاملة على الرغم من أنه عميد الفنانين السوريين، وربما هو أكبر فنان في العالم ما زال مستمراً بالعطاء إلى الآن».