الحل السياسي ومستقبله في سورية على طاولة الصينيين
| بسام أبو عبد الله
كان الصينيون ما قبل بداية الألفية الجديدة متمسكين بعبارة الزعيم الصيني دينغ شياو بينغ الشهيرة: «علينا المراقبة بهدوء، المحافظة على موقفنا، الكفاح من أجل القضايا بهدوء، إخفاء إمكاناتنا، انتظار وقتنا، المحافظة على مستوى منخفض من الاندماج، وعدم ادعاء القيادة أبداً»، واستمرت الصين بهذا السلوك في السياسة الخارجية فترة طويلة، إلى أن واجهتها ثلاثة ملفات أساسية:
1- دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، مع نموها السريع، والعالي، والانفتاح المتزايد على الاقتصاد العالمي.
2- تضاعف حجم اقتصادها بشكل كبير جداً مابين 2001- 2012.
3- تربعها على كرسي ثاني أضخم اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية.
لقد فرض كل ذلك على الصين، وبغض النظر عن الرؤية الداخلية لتطورها أن تتحول بشكل دائم إلى لاعب مؤثر، وفاعل على الصعيد الدولي، ذلك أن ثروتها، ونشاطها التجاري الذي توسع في أربع جهات الأرض ألقى بظلاله على مواقفها تجاه العديد من قضايا العالم الرئيسية منها: قضايا البيئة، والتجارة الحرة، والعولمة، ومنع الانتشار النووي، وانتشار الإرهاب الدولي، والعمل على حل النزاعات بالطرق السلمية، وغيرها الكثير، إضافة إلى ذلك فإن الأمة الصينية هي الأضخم في التجارة من بين أكثر من مئة دولة، ولكل ذلك هناك انعكاسات جيو سياسية.
كانت الولايات المتحدة الأميركية من أكثر الأطراف الدولية التي طالبت الصين بشرح رؤاها الدولية، وقد عبر عن ذلك عام 2005 نائب وزير الخارجية الأميركي آنذاك روبيرت زويليك بالقول: «نحتاج لتشجيع الصين لتصبح مشاركاً مسؤولاً في النظام الدولي، وكمشارك مسؤول يجب أن تكون الصين أكثر من عضو، ويجب أن تعمل معنا من أجل الدعم والمحافظة على النظام الدولي الذي مكنها من هذا النجاح»، لكن الصينيين الذين كانوا يعملون بصمت للوصول إلى هذه المكانة التي لم يختبروها من قبل في تاريخهم الحديث، كما يقول أحد الباحثين الغربيين، كانوا بحاجة للاعتراف بذلك ضمن الصين نفسها أي تهيئة الداخل لهذا الدور الجديد، وتحديد مصالح الصين الأساسية وهي: المحافظة على النظام الأساسي السياسي وتطويره، حالة الأمن والاستقرار، الدفاع عن السيادة ووحدة الأراضي والصين الموحدة، ودعم التنمية المستقرة والمستمرة للاقتصاد والمجتمع.
ومنذ عام 2012، ومع قدوم الرئيس شي جي بينغ اتضحت المعالم الأساسية لتوجهات الصين الخارجية، والطرق والوسائل للعب الصين دوراً أكبر على الساحة الدولية يتناسب مع حجم اقتصادها، وأيضاً عراقتها الثقافية، وحضارتها القديمة، وضمن هذا الإطار طورت إستراتيجيتها التي تقوم على الشراكة والتعاون مع الآخرين وعدم التدخل في سيادة أي دولة أخرى، والتقدير العميق لحقوق الآخرين، وحقهم في الدفاع عن مصالحهم الأساسية واحترام الخصوصية الثقافية، والسياسية لكل بلد، وشعب.
الحقيقة لمن يريد البحث أكثر، هذه المبادئ مستمدة من ثقافة وحضارة وماضي الشعب الصيني الذي يرفض منطق الهيمنة والسيطرة على الآخرين لأنه عانى من ذلك في تاريخه، ويرفض أيضاً فرض النماذج، وإعادة الهندسة الاجتماعية للدول والشعوب، وهو ما ظهر بعد أحداث 11 أيلول 2001 من الولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية عبر الغزو والاحتلال والقتل والتدمير، واستمر فيما بعد أفغانستان، العراق، إلى باقي دول المنطقة، وآخرها اليمن، وقبلها سورية التي استخدمت الصين من أجلها أكثر من ستة فيتوات في مجلس الأمن لإفهام العالم الغربي أن النظام الدولي يتغير، ولا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة في إدارة العالم.
ما من شك أن لغة، وخطاب الصين تحول إلى كلام واضح جداً وعلني في أكثر من مفصل دولي، في عهد الرئيس شي جي بينغ، ومنها:
1- سياسة ترامب الحمائية، والدعوة للعقوبات ضد الصين، واعتبارها منافساً دولياً أقرب للخصم، حيث كان الرئيس الصيني واضحاً للغاية في خطابه أمام منتدى دافوس في شباط 2017 حينما خاطب العالم بكلام غير مسبوق: «إن أي محاولة لقطع تدفق الرأسمال، التكنولوجيات، البضائع، الصناعات، والناس بين الاقتصادات، وتحويل مياه المحيط إلى بحيرات معزولة هو أمر بكل بساطة غير ممكن»، إذاً هناك وضوح، ودعم صيني للعولمة، ورفض للعودة إلى الوراء من خلال الحمائية.
2- المفصل المرتبط بمنع الانتشار النووي، وخاصة ما يتعلق بالملف النووي الإيراني حيث أعادت الصين تأكيد الالتزام بالاتفاق مع إيران (5+1)، وقدمت ضمانات لضرورة الاستمرارية، وترافق ذلك مع توجه صيني، تدعمه روسيا، لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة في شبه الجزيرة الكورية، ورفض منطق التصعيد والحروب.
3- أما المسألة الثالثة والمهمة: فهي التسوية السياسية في سورية، باعتبارها إحدى المسائل التي سيترتب عليها ولادة نظام دولي جديد يقوم على أسس جديدة، تعمل كل من الصين وروسيا عبر سورية على إظهارها، وتثبيتها بما يعكس أيضاً أوزان القوى الدولية الصاعدة، ورؤاها لعالم جديد.
ومن هنا أتت دعوة معهد شنغهاي، بالتعاون مع جامعة شنغهاي للدراسات الدولية لندوة مهمة في شنغهاي مابين 13-14 أيار الحالي لبحث التسوية السياسية في سورية، وآفاقها، وكان لي شرف المشاركة فيها كباحث سوري، ومن خلال يومين من النقاشات الطويلة، والمضنية، والصعبة، أستطيع أن أشير إلى نقاط بارزة، وأساسية منها:
1- أكد الموفد الخاص للحكومة الصينية للشأن السوري، وأغلبية المشاركين الصينيين على نقاط أساسية:
– لا حل في سورية إلا الحل السياسي.
– رفض التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري.
– السوريون يقررون مستقبلهم بأنفسهم، وهم أصحاب الحق الوحيد في ذلك.
– إن دور المجتمع الدولي هو مساعدة السوريين، وليس الحلول مكانهم.
– التأكيد على مسارات أستانا، سوتشي، وتلاقيها مع جنيف للدفع باتجاه الحل من خلال الأمم المتحدة.
– استعداد صيني للمساهمة في إعادة إعمار سورية.
2- مقابل هذه الرؤية المتوازنة، والمنسجمة مع قرارات الأمم المتحدة، وميثاقها، وقواعد القانون الدولي، برزت رؤية غربية طرحها المسؤولان الفرنسي والبريطاني، ومن خلفهم أحد الباحثين الأميركيين، وتتركز على:
– الاستمرار بتقديم الرواية الغربية الكاذبة لما حدث في سورية.
– الاستمرار في توجيه الاتهامات للدولة السورية باستخدام السلاح الكيميائي، وغيره من الفبركات.
– متابعة التدخل الفج في رسم مستقبل سورية، وشكل الحل السياسي، والدستور، والانتخابات، وغيره من القضايا.
– التعاطي بتعال، وفوقية، وكأن السوريين ليسوا شعباً عريقاً، أو كأنه لا دولة، ولا حكومة فيها.
لقد تمت مواجهة كل ذلك من قبلنا بشكل صارم، وقوي، ما أسكت ثلاثي العدوان، وجعلهم يضطرون لخفض لهجتهم، والتعاطي بواقعية إذ قلنا لهم: إنكم تتعاطون بمنطق عام 1920، وليس عام 2018 وعليكم أن تدركوا أن السوريين لم يدفعوا آلاف الشهداء من أجل أن تأتوا للتنظير عليهم بمستقبل بلادهم، ونظامهم السياسي، كما أن عليكم أن تفهموا أن العالم تغير بدليل أننا نبحث مستقبل التسوية السياسية في سورية في شنغهاي، وليس في باريس، أو لندن، فالزمن الآن للشعوب، والدول التي لا تزال تحترم سيادتها، وقرارها الوطني، وتقرر مستقبلها بنفسها، وبمساعدة الأصدقاء والحلفاء الحقيقيين.
ما من شك أن الجهد الصيني كان مشكوراً جداً، والأهم أنه يضغط باتجاه إفهام الغرب، أو بعضه أن العالم تغير، وأن عليهم إعادة إنتاج مقارباتهم وفقاً لهذه التغيرات في العالم والإقليم، وسورية هي في قلب هذه المعادلات التي ما يزال بعض الغرب يكابر في قبولها، ويريد تسويات تحفظ له ماء الوجه، بعد أن سقط بشكل كبير بقلِّة أخلاقه وكذبه، وتزويره للواقع، وتضليله في المصيدة السورية التي فرزت بوضوح صورة العالم الجديد، ومن يجب عليه أن يتغير فعلاً، ويغير سلوكه، ومقاربته للعالم، والشعوب ويستفيد من تجربة الصينيين، والروس، ومقارباتهم الحكيمة، والشجاعة، والمثمرة.