ثقافة وفن

لقيامة سورية

| إسماعيل مروة

إنها من روح الإله، وجنته بلا منازع.. ولن ينال منها شرق ولا غرب، ولن يتمكن من نهشها أحد مهما بلغت مرحلة تخلفه، ومهما ارتفع مستوى أطماعه فيها أو أحقاده عليها وعلى إنسانها..!
من دمشق إلى حلب أسطورة الخلق الباقية من آدم إلى إبراهيم..
من لاذقيتها إلى أقصى شرقها ميادين تدل على الحرير وطريقه وحضارته…
من أذرعاتها إلى سويدائها وحمص تجول جوليا دومنا لتعانق رسالة باقية..
ومن تدمرها خرجت زنوبيا لتتحدى الرومان الذين عجزوا عن روحها..
كما كادوا لزنوبيا.. كادوا ليسوع.. فكانت محمية الذاكرة، وكان مرفوعاً إلى مجد لا يطال..
وفي سورية كانت زنوبيا، وكان إباؤها..
وفي سورية منح يسوع عشاءه وصعد إلى سماء..
وحدها سورية طريق السماء.. منها كان معراج فكر وروح وسمو..
واليوم سورية تستعد لقيامتها.. يتهيأ لهم أنها معلقة على صليب آلامها..! في كل جبل، في كل سهل صنعوا صليباً لسورية الأم والوطن والقداسة..! وكما اجتمع خونة يسوع، وأرادوا حمل دمه، اجتمع خونة سورية، واستعصت سورية على الصلب، ففيها من الأبناء ما يكفي.. وفيها من حملة الرسالة ما يكفي رسالات أكوان، وفيها من نور حارق للخونة ما يلهب الكون وإن كانت الرسالات تعد بعقاب مؤجل، فعقاب سورية غير مؤجل!
وإن كانت الرسالات تعد بمكافأة بعد حين، فسورية تقدم مكافأتها باليد ولا تؤجلها!
وحدها سورية بوهجها أحرقت الخائنين بأموال خياناتهم..
وحدها سورية تزيح من المشهد كل خائن وهو يصرخ للبحث عن دور خائن..
اليوم تستعد سورية لقيامتها
قيامة نشهدها ولا تتحول إلى غيب
قيامة نعيشها ونأخذ شهدها وعسلها
قيامة من عسل أصابع قدميها بعد صبر طويل طويل
ينهمر عسلها وماؤها لتغمر عابدها وتنطلق في قيامتها ساحبة معها عابدها المتمسك بأهداب كبريائها..
كم ظنوا أن النار المحدقة بها ستحرقها؟!
كم تمنوا أن يتمكن المغتصب من ربط جسد قداستها
كم أشاروا للغاصب إلى مواطن حسنها ليفتك بها؟!
لبسوا ربطات عنق وتزينوا وحفظوا وتشدقوا، وغاب عنهم أن الراعي في جبله مع ناي قذر يعزف لغنماته أكثر طهراً وجمالاً وعذوبة منهم ومن أشكالهم..
عجزت كل الوسائل عن إخفاء جوعهم!
عجزت كل التعاويذ عن إخفاء عهرهم!
وسورية من قلب الدمار تظهر أجمل.. والراعي الشعث الفقير أغنى.. فهي تنتفض لذاتها، وهو يشدو لغنماته على جبله الذي يمتلكه.. أما هم فعطرهم دم وخيانة وعزفهم نشيد عهر.. ويبقى نشيد رقصة ستي على الزمن أنشودة طهر دمشق وموسيقاها وعذوبتها وطهريتها..
قام يسوع بعد وقت قصير
وها هي سورية تقوم بالبشارة من دمارها
تتحرك بالزئير من دمها وخرابها
للصلب وقت محدد، وللقيامة زمن قادم غير محدود..
ارقبوا وترقبوا هذه العنيدة على الصلب، سورية..
غداً تكون قيامتها، وهي مالكة الغد القادم وكل غد..
كل المدائن إن اجتاحها هولاكو يدمرها، وينهي حبرها.. إلا سورية.. وسورية
بأبجديتها.. بموسيقاها.. بحجرها.. بإنسانها.. بقاماتها وقيمها..
غداً قيامة سورية وبشارتها
وبالقيامة اللحظة تصبح قامة وقيمة
لن تبارك لاعينها.. لأنهم سيرحلون في أقرب نهر قذر
وستبقى سورية قيامة الزمن الحاضر والقادم..
سنوات ودمها يصنع قيامتها
فلتستعد أيها السوري لقيامة تحتاج حبك وإخلاصك وعملك
قيامة سورية.. قامات تخرج من رمادها المنطمر بأرضها.. ولا مكان لقامات غمرها
العطر الحاقد والمال القذر والخيانة الموصوفة..
ذهب صانعو الصليب وبقي يسوع رسالة طهر..
وبقيامة سورية سيذهب الجميع وتبقى سورية..
سورية قامة وقيامة..
فلتزغرد الدنيا بمركز قيامتها واعتدالها وسلامها

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن