قضايا وآراء

أردوغان، وداعش أشقاء جمعهم الإرهاب… هل ينقلب الشقيق إلى عدو؟

د.قحطان السيوفي :

(وردني بالبريد الإلكتروني سؤال. ما حقيقة إمكانية تغير موقف حكومة أردوغان من تنظيم داعش الإرهابي، وهل يمكن أن ينقلب الشقيق إلى عدو؟) وتوضيحاً للسائل نقول؛ المشهد التركي الداخلي، والإقليمي في ظل حكومة أردوغان يشير إلى دخول تركيا في حالة عدم الاستقرار، وخلخلة سياسية داخلية، ناهيك عن الإرباك، والمزيد من المشاكل والتعقيدات في العلاقات الإقليمية ؛ ومن ضمنها العلاقات مع التنظيمات الإرهابية، التي سبق أن رعاها واحتضنها، ودعمها أردوغان، وفي مقدمتها تنظيم (داعش)… من المعلوم أن (أردوغان) المتقمص شخصية السلطان العثماني… قد خسر الأغلبية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة… ما جعل مشروعه الإخواني العالمي القائم على الإرهاب… في طريق وعرة وشديدة الانحدار… وإثر الحوادث والتفجيرات في الداخل التركي… وبعد الضغوط الخارجية؛ قرر أردوغان التغلب على عواطفه وتردده في التظاهر باتخاذ قرارات ضد داعش… وأرسل طائرات حربية لقصف مواقع داعش شكلاً، ومواقع المكونات الكردية عملياً.
منذ بداية الأزمة السورية دعم أردوغان المسلحين المرتزقة القادمين إلى سورية. قالت الفاينانشال تايمز في عددها 27/7/2015 (فتح أردوغان حدود تركيا الجنوبية أمام المرتزقة من كل أنحاء العالم لمحاربة النظام السوري… وكان جهاز الاستخبارات التركي (M.I.T) يزود المتمردين بالأسلحة، ومساعدة التنظيمات المتشددة السلفية…) وأضافت الصحيفة إن هناك أدلة على أن (تنظيمي داعش وجبهة النصرة… قد استفادا من الدعم التركي …). الواقع أن هناك دلائل عديدة تؤكد تورط ودعم حكومة أردوغان لتنظيم داعش… لقد سمحت حكومة أردوغان أن تصبح تركيا أهم الممرات لدخول عناصر خارجية مرتزقة للانضمام لداعش في سورية، ودعمت أجهزة حكومة أردوغان هؤلاء بكل المقومات اللوجستية وبقيت علاقات أردوغان مع داعش علاقات (احتضان وتعاون)، وشكل تنظيم داعش ولا يزال الاستثمار التركي الإرهابي الأهم.
وسمح للاستخبارات الغربية والإقليمية أن تصول، وتجول، حسب مصالحها، في الداخل التركي، وفي المناطق السورية التي توجد فيها التنظيمات الإرهابية… وتركيا أردوغان كانت ترى في (داعش) (الدجاجة التي تبيض ذهباً) كما وصفتها الفاينانشال تايمز… وخاصة لجهة الدور الذي لعبته لمحاربة المكونات الكردية. بعد العمليات الإرهابية الوحشية التي نفذتها داعش في سورية والعراق، بقيت تركيا أردوغان مرتاحة (لا تشعر بالقلق) حسب تعبير الفاينانشال تايمز… وقد وجهت تهمة التجسس لرئيس صحيفة جمهوريات (كان داندار) الصحيفة التي كشفت عن أدلة نقل الاستخبارات التركية للأسلحة… ورجال الشرطة، والنيابة العامة الذين اعترضوا شحنات الأسلحة هم اليوم في السجن…
بعد مجزرة صحيفة (تشارلي أبدو) في كانون الثاني 2015 بباريس أقام المتعاطفون مع داعش احتفالاً دينياً على أرواح القتلة خارج مسجد (الفاتح) في اسطنبول بموافقة ومباركة من حكومة أردوغان…
العلاقات التركية الأميركية تشهد مداً وجزراً بسبب تباين المصالح الإقليمية، والمحلية لكلا البلدين؛ وقد وافقت حكومة أردوغان مؤخراً على فتح قاعدة (انجرليك) أمام الطائرات الحربية الأميركية لتشن هذه الأخيرة غارات على داعش. ليس من السهل أن يصدق المراقبون والمحللون تغير موقف حكومة أردوغان فعلياً من داعش، بسبب طبيعة العلاقات المشتركة بين تركيا وهذا التنظيم… مع ذلك أظهرت حكومة أردوغان تغيراً شكلياً تجاه داعش… من المرجح أن تكون من أهداف أردوغان الهروب من معضلات الداخل لزج تركيا في معارك إقليمية، ووضع المجتمع التركي أمام مشاكل قومية كيانية معقدة… على أمل الحصول على تأييد شعبي لحزب أردوغان… ولا يستبعد أن يكون ذلك تمهيداً لانتخابات مبكرة… لقلب موازين القوى الداخلية على أمل الوهم باستعادة حزب أردوغان المهزوم أغلبيته البرلمانية التي افتقدها…
السؤال: لماذا تغيرت العلاقة الحميمية بين تركيا أردوغان وداعش؟ بالنسبة لداعش ربما تكون قيادة هذا التنظيم الإرهابي التكفيري قد شعرت بأن تفاهمات، أو حلولاً قادمة في سورية، تتم على حساب داعش، كما أن العلاقات الأميركية التركية قد يكون لها دور في جعل تركيا تتظاهر بالرغبة في محاربة هذا التنظيم. وخاصة بعد وضوح العلاقات الوثيقة بينه وبين حكومة أردوغان وهو ما أدى إلى إحراج تركيا الغارقة في مشاكل داخلية وخارجية. وليس غريباً على داعش أو على أردوغان أن ينقلب أحدهم على الآخر… فداعش أحد منتجات تنظيم القاعدة… الذي سبق للولايات المتحدة الأميركية أن أحدثته، ورعته، ودعمته، وأطلقته في أفغانستان لقتال الجيش السوفييتي، وعندما انتهت حرب أميركا على السوفييت تحول تنظيم القاعدة ضد ربيبته الأصلية ونفذ أحداث أيلول 2001 في نيويورك، كأضخم عملية إرهابية في التاريخ… لذلك لا يبدو سيناريو العلاقات الأردوغانية الداعشية خارج المألوف…
حكومة أردوغان تحاول أن توحي بوجود (داعش سيئ، وداعش جيد أو مفيد) وهذه تبريرات مرفوضة تكشف حقيقة الاتجاهات الفكرية لأردوغان وجماعته ذات الأصول التكفيرية المتطرفة… التي تدعم عملياً كلاً من داعش وأخواتها كجبهة النصرة وغيرها… إن سلطنة أردوغان التركية أصيبت بإحباط شديد لفشلها في إسقاط الدولة الوطنية السورية، والثأر من السوريين… وقد أدخل أردوغان تركيا في نفق لا ضوء حالياً في نهايته… حيث تشهد أعمالاً إرهابية متزايدة… ويتظاهر أردوغان بأنه سيحارب داعش، وقد اتضح أن الضربات العسكرية التركية ضد داعش خلبية وذات طابع استعراضي… وسط هذه الخيوط المتشابكة نرى مع العديد من المحللين أن طلاقاً، أو فراقاً سيتم بين أردوغان متزعم المشروع الإخواني العالمي، وبين التنظيمات الإرهابية التي شجعها، ورعاها هذا المشروع وفي مقدمتهم تنظيم داعش؛ الذي أجمع العالم على خطورته، وضرورة استئصاله… وبالتالي ينقلب الشقيق إلى عدو…!! وبغض النظر عن التفاهمات الدولية حول قضايا الشرق الأوسط… والتغيرات المتوقعة في مواقف حلفاء أميركا الإقليميين الداعمين للإرهاب… ومدى الثقة في الاتفاقات الأميركية- التركية… فإنه من المتوقع أن تستمر تركيا أردوغان في التظاهر بالانقلاب على داعش، مع استمرار المزيد من الإرباك والتخبط التركي في مستنقع عدم الاستقرار الداخلي، وفي علاقاتها الإقليمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن