من دفتر الوطن

المقاومة الفعلية

| زياد حيدر

عشنا حياتنا وقضية فلسطين في خاصرة كل منا، كانت جزءا من تضحية يومية طوال سنوات العمر، حتى لو كانت هزيلة. أشياء كثيرة تخلينا عنها قسرا أو رغبة من أجل فلسطين، مات آباؤنا، على حلم زوال الاحتلال، وها نحن نكبر وبعدنا أولادنا، ولا يصبح هذا الهدف سوى أبعد. هل هي الأقدار؟ لا.
تبرير ذلك بالأقدار من أهم عوامل هزيمتنا، بالنسبة لإسرائيل القضية الفلسطينية قضية قدرية دينية. ولكن ذلك المعطف لا يمنع كل أشكال الابتكار والتطور وسباق التفوق، لديهم في السبيل الهدف الأسمى. الهدف واضح، وهو ربما وجودي وربما اقتصادي وربما ديني. لكنه واضح.
بالنسبة لنا، العامل الديني هو جدار الصد والحماية الوحيد، القدس والأقصى هما حصن الدفاع والحماية. لا نمتلك وسائل هجوم، كما لم نستعد أبدا لهذا الصراع، كل استفاقاتنا متأخرة، وكل استعداداتنا تأتي بعد فوات الأوان، وكل محاولات لحاقنا بعدونا تنتهي بنا دوما خلفه.
لماذا؟ ليس هنالك من يرغب في هذا السؤال. خيانة العرب؟ العرب لم يكونوا مطلقاً طوال تاريخ الصراع على اتفاق في هذه القضية. ولا داعي لاستعادة الحوادث التاريخية والخيانات المضمرة والعلنية بين القادة أنفسهم وعلى أعلى المستويات. إذاً القيادات العربية المتواطئة مع العدو! هذا عامل، ولكن لم تتواطأ القيادات العميلة مع العدو وإن كانت عميلة أباً عن جد لم نعود للحديث معا عن فلسطين؟ لماذا نتحدث عن مصير واحد، ونتبنى مصطلح «الصراع العربي الإسرائيلي» ونحن نعلم يقينا أن بعض العرب بالنسبة لإسرائيل، يحمل الرمح الأميركي ذاته؟
فلسطين ليست قضية الجميع، هذا واضح. ومن العرب من يجد نفسه بعيدا عنها جغرافيا، فينأى أكثر، وبينهم من يجد أن دوره في تصفيتها عن قرب، فيقدم كل ما يمكن تقديمه، وغالبا من دون مقابل.
أيضا فإن فلسطين ليست للعدل لينصرها آجلا أم عاجلا، فليس ثمة عدل في الدنيا، وثمة أمم اندثرت، ودول تلاشت، وأبرياء كثر ماتوا بانتظار العدل الذي لا يأتي، إن لم تتسلح لنصرته، وتعد العدة لمقاومة عدوك، كما أن العدل يختلف باختلاف الظروف، وباختلاف زوايا الرؤية ولا جدوى من التنبؤ بإحلاله، إن لم تسع لترويجه والإقناع به.
لكن فكرة العدل لا تولد لو لم يكن الشعور بأن الظالم أقوى منا بكثير. فالخصمان المتناظران لا يحتاجان العدل بينهما إلا من طرف محايد، أما اختلال ميزان القوة بين ظالم ومظلوم، فيستدعي الابتهال لكل نصير بحثا عن العدالة.
لكن العدالة غير موجودة إن لم توجد ظروفها، وفي هذا السياق فإن تعمير مسجد للدعوات وتوليد الشهداء مجانا، ليس أفضل من بناء مدرسة ومركز علمي ينشئان جيلا يواجه الظالم بطرقه وبأقل خسائر ممكنة.
واحدة من مآسي هذه القضية وهذا الشعب المكلوم، هو أن كل الدول تستثمر آلامه في وجه عدو ليس به إحساس ولا روح إنسانية.
يوم 14 أيار الدامي هو مثال صارخ مكرر وسيتكرر، لكن تأثيره في ضمير العالم، ومن ثم في سياسات الدول، لن يحدث إلا بتأثير قوة مالية وسياسية وإعلامية ملتزمة ومنظمة تفرض كعقدة إنسانية لا يمكن تجاوزها أو المرور فوقها.
عدا ذلك فإن دمنا رخيص أينما كنا، دليل على هذا أن نسأل أنفسنا: من منا لم يبدأ بنسيان ما جرى منذ أسبوع؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن