الصيام في التاريخ أقوى عبادات الأمم
| منير كيال
إذا كان الصيام هو امتناع المرء عما تنزع إليه النفس من مأكل وشراب وكف عن الأذى، فقد كان هذا الصيام معروفاً من الأزل، كما أن هذا الصيام بكل دين، فهو أقوى العبادات التي تتقيد بها الأمم، فقد طلب الله تعالى إلى آدم وحواء أن يصوما (يمتنعان) عن أكل ثمار إحدى أشجار الجنة. كما أن السيدة العذراء نذرت للرحمن صوماً، كما كان الصيام معروفاً لدى قدماء المصريين من الفراعنة، وأخذه عنهم الرومان واليونان.
وكان العرب قبل فرض الصيام على المسلمين يصومون ثلاثة أيام من كل شهر: اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر والخامس عشر، كما كانوا يصومون يوم عاشوراء،وهو اليوم العاشر من شهر محرم الحرام، وكان النبي (ص) يصومه قبل فرض الصيام على المسلمين، فمنهم من ترك صيام هذا اليوم ومنه من بقي على صيامه وقد كانت فريضة على المسلمين يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة. وهذا الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب ومخالطة النساء.
ولم يكن الصيام مشابهاً لصيام المسلمين، فمن الصيام ما كان صياماً بعد ساعات النهار والصيام عن بعض الطعام، والصيام أيام متتاليات. ومن الصيام ما كان بالأزمات وتحرّج الأمور، فقد صام غاندي عندما تحرجت الأمور مع المستعمرين في بلاده.
وقد ميز العلماء المسلمون بين أربعة أنماط من الصيام، وهي: الصوم المفروض، والصوم المحرم، الذي يقضي بعدم جواز الصيام في أيام عيد الفطر وأيام عيد الأضحى وصيام أيام التشريق والنوع الثالث وهو المعروف باسم الصوم المنذور، وهو صيام أيام شهر المحرم. وخاصة صيام اليوم التاسع واليوم العاشر من أيام هذا الشهر. أما النوع الرابع فهو الصيام المكروه، ويشمل صيام يوم الشك وإفراد يوم الجمعة بالصيام، وصيام المرأة من دون علم زوجها.
وقد شملت فريضة الصيام على المسلمين شريطة أن يكون المسلم بالغاً راشداً، وغير مريض وأن يكون مقيماً غير مسافر، وأن ينوي الصائم الصيام، لما يتسم به الصيام من حيث ذكر فرضه بالقرآن الكريم بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض الذين من قبلكم» ثم صيام رسول الله «ص» لهذا الشهر ومن ثم إجماع المسلمين على صيام هذا الشهر. أما تحرّي حلول الشهر، فكان يعتمد على رؤية مولد هلال الشهر، تأسياً بقول رسول الله (ص) صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإذا غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً.
والصيام يذكر الصائم بأنه من المجتمع يمسك مع الجميع ويفطر مع الجميع بآن واحد، وهذا يجعله يشعر بما عليه الآخر من الأهل والجوار والصحب ومن يخالطهم من سعة أو جوع، فتراه يتعايش معهم لأن الصيام إذا كان جوعاً للبطن فإنه شبع للروح، لما بذلك من تنشيط للجسم، لذلك كانت نفس الصائم أسمى النفوس وأجودها بالعطاء وأقربها إلى الطاعة.
وقد اجتمعت لشهر رمضان خصائص ومزايا لم تجتمع لأشهر السنة بكاملها.
فلم يوصف شهر من أشهر السنة بالكريم والمبارك غير شهر رمضان، بذلك كان لشهر رمضان طابع أسمى وهو أجل وأبهى أشهر السنة كلها.
وجاء بالقاموس المحيط للفيروزبادي أن تسمية الشهر برمضان، لأنهم عندما نقلوا أسماء الشهور سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق شهر زمن الحرّ من السنة، أو لأن هذا الشهر يرمض أي يحرق الذنوب ويطهر النفوس من عضّاتها وقد ورد باللغة الآرامية اسم رمَعَ أي رمض، لأن حرف الضاد العربي هو حرف العين باللغة الآرامية، وما زالت بالعامية كلمة رمعاص على وزن رمضان وهو الرماد الممزوج بالجمر الصغير الذي يستدفئون به وهو المعروف باسم الدقّ لدى العامة.
ومن الباحثين من يذهب إلى أن باللغة العربية معنيين للفعل رمض الأول بمعنى حرّ الحجارة، والرمضاء هي الأرض الشديدة الحرارة من وهج الشمس، ويؤيد ذلك قول النبي (ص) «صلاة الأوابين، إذا رمضت النصال»، أي إذا حرفت الرمضاء (الحرارة) إخفاقها، والمعنى الثاني لرمض من قول رمضت النصل إذا دفعته بين حجرين ليرق. كما سمي رمضان كذلك، لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم استعداداً للقتال بشهر شوال الذي يسبق الأشهر الحُرم، وعن الفراهيدي أن اسم رمضان مشتق من الرمضاء وهو مطر يكون بفصل الخريف.