ثقافة وفن

الدراما السورية لم تنهر وإنما تراجعت … السياسات التسويقية غائبة.. والحل بخلق أسواق بديلة وإنشاء اتحاد للمنتجين والموزعين

| وائل العدس

لاقت الدراما السورية رواجاً عربياً وخصوصاً مطلع هذا القرن، وتسابقت القنوات العربية على طلب المنتج الدرامي السوري، بيد أن هذا الرواج لم يدم طويلاً لتعاني بعده الدراما من عزلة تدريجية أفضت إلى أزمة تسويق وإنتاج.
في كل عام، يشهد السباق الرمضاني صراعاً شرساً بين شركات الإنتاج، فتنجح بعضها في تسويق محتواها وتفشل الأخرى رغم تعاقدها مع نجوم كبار من الصف الأول.
هناك سوق الإنترنت وسوق «البان أراب» وسوق «الدبلجة» وغيرها من الأسواق التي تجعلنا في مخاض عسير.
من بين 26 عملاً هذا العام، خرجت تسعة أعمال خارج السباق الرمضاني لأسباب مختلفة مع تباين مستواها الفني والفكري وهي «سايكو» و«هوا أصفر» و«غضبان» و«هواجس عابرة» و«فارس وخمس عوانس» و«زهر الكباد» و«أحلام شفيق وخليل» و«أولاد الشر» و«فرصة أخيرة».
رغم دخول القنوات المحلية «الفضائية السورية، سورية دراما، سما، لنا» جو المنافسة من الباب العريض واستيعابها لعدد كبير من المسلسلات، إلا أن كثيراً منها بقيت من دون عروض لتكون خارج السباق الرمضاني.

بين الانهيار والتراجع

معضلة الدراما الرئيسية تكمن في غياب السياسات التسويقية، إلى جانب إنتاج بعض الأعمال وفق ميزانيات متواضعة تؤثر سلباً في جودتها، والأهم هو عدم وجود نصوص لها علاقة بالمرحلة والمناسبة لحالة التسويق.
فالانتشار البطيء يكون عادةً بسبب المستوى السطحي الذي تعتمده بعض شركات الإنتاج التي تغلب المصالح والمحسوبيات في اختيار الممثلين غير الأكفاء، اعتقاداً منها أن الجمال وحده يسوّق للعمل.
لكن الدراما السورية لم تنهر، ووصفها بالمنهارة ظلم لها، وخاصة مع وجود أعمال جديرة بالاحترام، بل وصفها بالمتراجعة أكثر عدالة لتوصيف حالها.
أما الحصار الاقتصادي الذي تعانيه سورية منذ بدء الحرب الإرهابية عليها فأغلق السوق الخليجية لاعتبارات سياسية باستثناء بعض المسلسلات الشامية والتاريخية.
صحيح أنه لا يمكننا الادّعاء بأن أعمالنا تسوّق كما يجب، لكن لا شك في أن هناك أعمالاً كثيرة تعرض عبر بعض المحطات الفضائية العربية.

إلى وزارة الإعلام
تعد وزارة الإعلام المسؤولة الأولى والأخيرة عن مسار الدراما السورية، وخاصة أنها تعتبر واجهة البلد وتتابع من الملايين في أرجاء الوطن العربي.
اليوم، باتت هذه الوزارة مطالبة بإيجاد حالة من التشاركية الفعالة بين الجهات المعنية وشركات الإنتاج لدعم قطاع الدراما بهدف الخروج من أزمة التسويق، من خلال خلق سوق بديل للدراما السورية إن كان عبر القنوات المحلية الجديدة، أم عبر اتفاقيات موقعة مع الدول العربية الصديقة، مع التركيز على رفع سعر الحلقة إن كان عبر الشاشات الوطنية أم العربية.
الحلول ليست فردية، بل يجب أن تكون جماعية من خلال إيجاد معادلة أساسية في تسويق الأعمال وهي «المحطة والمنتج والمعلن»، مع الإصرار على إنشاء اتحاد للمنتجين والموزعين يضع آليات إنتاج وضوابط توزيع ضمن معايير الربح وعدم المضاربة، والتشجيع على إنشاء مركز استطلاعات الرأي حول الدراما لرسم ملامح وتوجهات الرأي العام السوري والعربي إن أمكن.
وهناك دعوة ملحة إلى افتتاح فضائيات خاصة تستقطب المسلسلات الدرامية على أن يكون منتجها وبرنامجها دراميين صرفين وليس مجرد مسلسلات ودبلجة، بهدف فرض التنافس واستقطاب المنتجات الدرامية.

الهوية السورية
درامانا كان لها هوية واقعية سورية من خلال تجسيد حياة العائلات السورية ببساطتها وقربها من الناس، وكلما أغرقنا بمحليتنا رغم مشاكل التسويق سنكون أكثر حضوراً.
ولا يخفى على أحد أن أخطر ما تعرضت له الدراما السورية هو مسألة الهوية، علماً أن الأعمال التي اتكلت على الهوية السورية ومنها مسلسلات الأبيض والأسود حاضرة بقوة إلى الآن، والتركيز على الهوية يجعل العمل أكثر خلوداً.

مواسم أخرى
من المعروف أن موسم الدراما محصور في شهر رمضان فقط، فماذا لو فكرنا بخلق موسم درامي آخر يمكن للمشاهد أن يتابع المسلسلات من خلاله، الأمر الذي سيخلق طفرة في الكم والنوع سواء في الموضوعات أو الإنتاج؟
خلق مواسم أخرى يسهم في إعطاء بعض المسلسلات حقها في العرض، وهذا الأمر سيحقق نسب مشاهدة وواردات إعلانية ضخمة إذا ما أحسن استثمارها وتسويقها.

عبر اليوتيوب
غرد مسلسل «الشك» خارج السرب الدرامي، إذ ضمن عرضه قبل إنتاجه، بحيث يعرض يومياً طوال شهر رمضان عبر شبكة وطن على موقع اليوتيوب.
هذا العمل جذب نجوماً كباراً وعلى رأسهم بسام وصفاء سلطان.
وربما اللجوء إلى الشبكة العنكبوتية أنجع الحلول لضمان تسويق أعمالنا ولخلق روح المنافسة بين المنتجين، مع الحفاظ على هامش ربحي يتوازى مع عدد المشاهدات.
بعض الدول الأجنبية سجلت علامات فارقة في تاريخ صناعة المسلسلات التلفزيونية، بعد أن مهدت الطريق أمام تحول شركات خدمات الإنترنت إلى منصات بديلة لعرض الجديد من الأعمال الأصلية، جنباً إلى جنب مع القنوات التلفزيونية، بل أيضاً أصبحت تتفوق على وسائل العرض التقليدية من خلال تمتعها بوتيرة نمو أسرع، ومجال انتشار أوسع إلى الجمهور، علماً أن بعضاً من هذه الأعمال أفضل بكثير من معظم المسلسلات المعروضة على التلفزيون.
هذه المسلسلات اجتذبت الكثير من الشعبية عالمياً، لكن افتقار الدراما السورية إلى الترجمة باللغات الأخرى سيحد من اكتسابها عدداً أكبر من المتابعين في الخارج، وخاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن المصدر الوحيد لإيرادات هذه المسلسلات هو الإعلانات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن