حرب اقتصادية أميركية لتغيير التحالفات العالمية
| تحسين الحلبي
يبدو أن القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثامن من أيار الجاري لمعاقبة أي شركات أوروبية تستمر في عقودها أو تقيم عقوداً جديدة مع إيران، ستفتح بوابة حرب تجارة واقتصاد تعلنها إدارة البيت الأبيض على الشركات الأوروبية وخصوصاً الفرنسية والألمانية.
لقد انشغلت قمة زعماء الاتحاد الأوروبي التي انعقدت قبل أيام في صوفيا، بهذه «الورطة» التي يعمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على حلها وتجاوزها من دون خسارة اقتصادية للشركات الأوروبية، ففي صوفيا قال ماكرون: إنه «يستبعد احتمال حرب تجارية عالمية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإن قيادة الاتحاد ستضع إجراءات أوروبية للبنوك والشركات الأوروبية للحيلولة دون وقوع أي عقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع طهران بمشاريع كبيرة في الغاز والنفط والصناعات المتوسطة.
في واقع الأمر يريد ترامب تصعيد ضغوطه السياسية على الاتحاد الأوروبي وكذلك الاقتصادية، لإجبار فرنسا وألمانيا على الانضمام إلى الموقف الأميركي تجاه اتفاقية الدول «5+1» الموقعة مع طهران عام 2015 في موضوعها النووي.
الاتحاد الأوروبي أعلن في صوفيا قبل يومين أنه «موحد تجاه التمسك بهذه الاتفاقية مع طهران ولا يرغب بسحب موافقته» وأنه سيعد إجراءات قانونية تمنع شركاته من فرض عقوبات على طهران على غرار الشركات الأميركية، كما يرفض قادة الاتحاد الأوروبي اتخاذ مواقف تصعيد أوروبية ضد قرار ترامب الذي فرض فيه العقوبات على الشركات الأوروبية المتعاملة مع طهران.
بهذا الشكل أصبحت الخيارات صعبة أمام الشركات الأوروبية بموجب ما ذكرته وكالة «رويترز» فإما استمرار تجارتها مع طهران وإما خسارة التجارة مع الولايات المتحدة التي تعد أكبر دولة اقتصادية في العالم إضافة إلى عملتها بالدولار وسيطرتها على بنوك كثيرة.
سارع رئيس المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي جان كلود يونكر إلى تفعيل «تشريع أوروبي مضاد» يمنع شركات دول الاتحاد من الانصياع للعقوبات ضد طهران، ويؤكد عدم الاعتراف بأي أحكام أميركية تفرض العقوبات الأميركية على شركات دول الاتحاد، ويبدو أن المطلوب من الاتحاد الإسراع بطمأنة شركات دول الاتحاد بعدم الخوف من التهديدات الأميركية وأن الاتحاد قادر على حمايتها.
على جانب آخر غير الاتحاد الأوروبي، بدأت الولايات المتحدة تحذر ألمانيا من التمسك باتفاقية خط أنابيب الغاز التي عقدتها مع موسكو للحصول على أكبر كمية من الغاز الروسي عبر أنابيب ستمتد من بحر البلطيق إلى ألمانيا لنقل 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي لألمانيا سنوياً بموجب مشروع «نوردستريم رقم 2»، وقد استاءت واشنطن من هذا المشروع الروسي الألماني الأوروبي.
ومع الضغوط الأميركية والأوكرانية على ألمانيا يبدو أن اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وميركيل في سوتشي قبل يومين خفض من مصادر القلق الألمانية رغم أن مساعدة وزير الخارجية الأميركي لسياسة الطاقة ساندرا ودكيرك أعلنت أن استمرار «هذا المشروع يمكن أن يتسبب بعقوبات أميركية على المعنيين فيه»، لكن المسؤولين الألمان يدركون أهمية هذا المشروع لاقتصادهم وصناعاتهم خصوصاً أن الغاز لا يلحق الضرر بالبيئة وهم يدافعون عنه ولا يمكن إيجاد بديل من روسيا في تأمينه بشروطه وقيمته.
ومع هذه المعارك والحروب الأميركية في ميدان التجارة والاقتصاد الموجهة لدول الاتحاد الأوروبي، اتخذ الاتحاد مواقف تحدى فيها هذه العقوبات وأعلن أن واشنطن لا يمكنها إملاء سياساتها على الاتحاد وتعريض دوله للخسائر الاقتصادية، كما قررت ألمانيا تقديم تعويض مالي للشركات المتوسطة الأوروبية إذا لحق بها ضرر وخسارة بسبب استمرار تعاملها مع إيران.
الملاحظ أن ترامب بصدد إعلان حرب تجارية إضافية على الصين وهذا سيزيد من عدد الدول والاقتصاديات العالمية التي يشن عليها العقوبات أو الإجراءات الأحادية التجارية، وكأن حرباً تجارية اقتصادية عالمية تجري بين الولايات المتحدة وحدها أو قد تنضم إليها بريطانيا بشكل من الأشكال بعد أن أخرجت نفسها من الاتحاد، ضد أوروبا والصين وروسيا، ويقدر الخبراء الاقتصاديون في أوروبا أن حرباً كهذه قد تطول لكنها لن تنتقل إلى الميدان العسكري بل سينعكس عنها تحالفات تستفيد منها روسيا والصين ودول البريكس على المستوى العالمي.