قضايا وآراء

قمة سوتشي: تدشين مرحلة الحل السياسي في سورية

| رفعت البدوي

مع بداية شهر رمضان المبارك شهدت مدينة سوتشي اجتماع القمة بين الرئيسين بشار الأسد والروسي فلاديمير بوتين وهو الثاني في غضون أربعة أشهر، وحفاوة استقبال الرئيس الأسد من القيادة الروسية إن دل على شيء يدل على عمق العلاقات الإستراتيجية التي تجمع بين روسيا والجمهورية العربية السورية.
تأتي القمة في لحظة مصيرية تُرسم فيها سياسات وخرائط جديدة بالغة الحساسية في المنطقة من كل من أميركا وإسرائيل ودول الخليج النفطي من جهة، وفلسطين وسورية وإيران وروسيا من جهة أخرى.
الملاحظ أن اجتماعاً بين الرئيس بوتين وبين رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو سبق اجتماع القمة الروسية السورية بأيام قليلة طالب خلاله نتنياهو من روسيا ضمانات وخاصة على جبهة الجولان المحتل، بيد أن سورية كان لها كلام آخر تزامن مع وجود نتنياهو في روسيا ترجم عبر مفاجأة الرد السوري الصاعق على مراكز رادار وثكنات العدو الإسرائيلي الموجودة في منطقة الجولان المحتل، الأمر الذي أجبر نتنياهو على إلغاء المتبقي من برنامج الزيارة إلى روسيا وعودته إلى تل أبيب على وجه السرعة.
عودة نتنياهو إلى تل أبيب لم تكن بهدف مواكبة التطورات العسكرية الطارئة على جبهة الجولان، بيد أن المعلومات تؤكد أن نتنياهو أسرع بعودته إلى تل أبيب بهدف لجم التصعيد العسكري الإسرائيلي على سورية والانكفاء خصوصاً بعدما تبلغت القيادة الروسية رسالة من القيادة السورية نقلتها روسيا بدورها إلى نتنياهو الموجود في روسيا، أما الرسالة السورية الحازمة مفادها أن لا ضمانات أمنية للعدو الإسرائيلي وأن القيادة السورية مصممة على رد الاعتداء الإسرائيلي بقوة ليس في الجولان المحتل فحسب بل إن الرد السوري سيكون أعنف وأشد إيلاماً وسيطول عمق الكيان الصهيوني إذا استمرت إسرائيل باعتدائها على الجمهورية العربية السورية.
حمل نتنياهو معه مضمون الرسالة السورية ليجد نفسه أمام مرحلة جديدة قوامها أن سورية لم تعد مسرحاً مستباحاً وأن الجرح يقابله الجرح والاعتداء سيواجه برد صاعق ومفاجئ، ما يفرض على العدو الإسرائيلي واقعاً جديداً لا بد أنه فهمه جيداً.
مما لا شك فيه أن الرسالة السورية فرضت واقعاً جديداً أكسبت سورية مكسباً عسكرياً وسياسياً يضاف إلى الإنجازات والانتصارات المتراكمة لمصلحة الجمهورية العربية السورية، الأمر الذي تمت ترجمته الفورية على وقع نتائج محادثات الحل السياسي في أستانا الذي وصفه خصم أستانا اللدود، المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بـ«المسار الجيد والمفيد».
لم يأت تصريح دي ميستورا من فراغ أو بصفة شخصية، بل هو تعبير عن إدراك مراكز القرار التي تقف خلف دي ميستورا بأن المرحلة الجديدة التي فرضتها سورية لم تعد قابلة للمساومة، وأن أفق المتغيرات التي راهنت عليها إسرائيل وأميركا وبعض دول الخليج النفطي لم تعد صالحة، وأن المرحلة الجديدة تتطلب من كل تلك الدول البحث الجدي في الحد من رهاناتهم الخاسرة وضرورة البدء في الولولج بالحل السياسي.
إن صمود سورية الأسطوري ورسالتها القوية، أفقدا إسرائيل الورقة الرابحة التي امتلكتها لعقود من الزمن من خلال القدرة على تحقيق ضربة عسكرية خاطفة لتعلن معها تفوقها العسكري ومن ثم لتفرض أجندتها السياسية على منطقتنا العربية، فبعدما فرضت سورية المعادلة الجديدة من خلال الرد العسكري، أضحى العدو الإسرائيلي يعيش مرحلة صراع مع الوجود كما أن العدو الإسرائيلي تحول إلى مجتمع يميني متشدد ذلك لأن العدو الإسرائيلي لم يعد يملك زمام المبادرة وحده ولان المبادرة ومحورها صارت بيد سورية ومحور المقاومة.
صمود دمشق قلب المفاهيم وأعاد الحسابات الإقليمية والدولية أقله سورياً ولم يعد بجعبة أولئك إلا الضغط من خلال إعلان رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني ونقل السفارة الأميركية إلى القدس والترويج إلى ما يسمى صفقة القرن وذلك بهدف إرباك محور المقاومة وإيران ومعها سورية لتغطية الفشل الذريع الذي مني به مشروع تقسيم سورية والنيل من عزيمتها عِلماً أن سورية لم تتخل يوماً عن فلسطين ولن تتخلى عن دعم الفلسطينيين في استرداد حقوقهم المشروعة رغم المؤامرة الكونية عليها.
أوروبا أعلنت عن ابتعادها عن الإملاءات الأميركية وعن عقوباتها المفروضة على إيران، ولعل المستشارة الألمانية أول من التقط متغيرات المرحلة وبادرت إلى زيارة بوتين الذي بادر باستقبالها بباقة ورد تعبر عن ترحيب روسيا في فهم المستشارة الألمانية للمتغيرات الحاصلة لمصلحة سورية.
المتوقع أيضاً أن يتبع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطا المستشارة الألمانية بزيارة الرئيس الروسي معترفاً بالمتغيرات الدولية لمصلحة الحل السياسي في سورية.
أن يبادر الرئيس الروسي بالتبريك للرئيس الأسد بحلول شهر رمضان المبارك معطوفاً بالتهنئة الروسية بانتصار سورية على الإرهاب أمر ينم عن الثقة المتبادلة والاعتراف الروسي الواضح بنصر سورية، وهو تعبير عن البدء بمرحلة إقليمية دولية جديدة مؤاتية يضاف إليها أن الإنجازات الميدانية الأخيرة التي حققتها سورية تسمح بالبدء والولوج بالحل السياسي.
الرئيس الأسد بادر بتقديم التهنئة للرئيس الروسي بانتخابه لولاية جديدة والذي جاء تعبيراً عن رغبة شعب وجد في أسلوب الرئيس بوتين القائد الذي أعاد لروسيا دورها إلى المسرح الدولي ما أكسبها موقعاً فاعلاً ومؤثراً ومقرراً يزداد فعالية في كل يوم، وأعلن الرئيس الأسد عن استعداد سورية للبدء بالحل السياسي.
إنها القمة التي أعلنت عن تدشين مرحلة الحل السياسي في سورية وقص شريط إعادة الإعمار فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن