من دفتر الوطن

الضمير المرحوم!

| عصام داري 

«إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين»، حديث نبوي شريف.
لست متبحراً في الدين وعلومه، ولا أنوي أن أتحول إلى مفتٍ أو واعظ في هذا الشهر الكريم، لكنني أرى في هذا الحديث حكمة صالحة لكل زمان ومكان، إلا في سورية، والله أعلم!
فإذا كانت الشياطين تسلسل (أو تصفد في رواية أخرى) فإن شياطين الأرض من نسل آدم وحواء تنفلت من كل عقال ومن كل القوانين الأرضية والسماوية، وتفعل ما لا تفعله الشياطين المكبلة طوال شهر رمضان.
أقصد هنا بصفة خاصة شياطين الأرض من بعض التجار الفجار الذين يجلدون الفقير في آناء الليل والنهار ويرفعون بلا مناسبة الأسعار، ويذهبون إلى بيوتهم مرتاحي الضمير، ويفطرون على اسم اللـه والولائم المهولة المسروقة من جيوب العباد!
الصوم – أيها السادة – ليس أن تجوع طوال ساعات النهار، وتصلي الفروض في أوقاتها، ولا بالدعاء وبصلاة التراويح، الصوم هو فعل هدفه الأساسي أن يشعر الأغنياء بحالة الفقراء، وأن يساعد المقتدر الفقير والأيتام، وغير ذلك، لكن هؤلاء يرون في رمضان مناسبة لكنز الذهب والفضة والبنكنوت!
الصوم محبة، والواضح أن المحبة هجرت القلوب والعقول، بل نحن الذين أعدمنا المحبة لقاء حفنة من الدولارات من دون أي شعور بالإنسان المعدم الذي يعيش على الكفاف، وصار يشعر بالخوف والرعب والعجز مع قدوم شهر الصوم، لأنه يعرف أن المصائب تتزايد والضربات تصبح أقوى وأشد إيلاماً من بقية أشهر السنة.
وبالمناسبة أريد أن أروي أسطورة سمعتها منذ سنوات طويلة خلت:
تقول الأسطورة إن ملكاً حاصر بجيشه إحدى المدن ردحاً من الزمن، وعجز عن فتح تلك المدينة على مدى أشهر طوال، فاستغرب صمود المدينة وتساءل عن السر وراء ذلك، وأراد استجلاء الحقيقة، فطلب من عيونه(جواسيسه) الدخول خلسة والاطلاع على أوضاع أهالي المدينة وسر هذا الصمود الأسطوري.
عاد الجواسيس إلى ملكهم مندهشين مما رأوا، وقالوا له: يا ملك الزمان لن تستطيع كل جيوش العالم أن تفتح هذه المدينة ولو استمر الحصار سنوات.
ازداد الملك استغراباً وسألهم: ما سر هذه المدينة. فأجابوا المحبة! جميعهم على قلب واحد والمحبة فيما بينهم لا يمكن أن يعكر صفوها معكر.
قال كبير الجواسيس: يا مولاي ذهبنا إلى السوق، طلبنا من البائع خبزاً وزيتوناً وجبناً، فباعنا الخبز وقال: أنا اليوم بعت وأخذت رزقي، اذهبوا إلى جاري واشتروا الباقي فهو لم يبع شيئاً، وعندما ذهبنا إلى جاره فعل الشيء نفسه فباعنا الزيتون وطلب منا أن نشتري الجبن من جاره الثالث، وهكذا.
تعجب الملك، وتعجبت أن شخصياً، من هذه المدينة الأسطورية، التي استطاعت الصمود على الرغم من الحصار والتجويع، فقط لأن أهلها متحابون متراصون متكافلون ومتعاونون في كل الأمور.
الفرق بين الأسطورة والواقع في بلدنا أن هناك جشعاً ولصوصية وفساداً وسرقة لقمة الفقير من فمه، وأن المحبة غائبة بقرار، وهناك من يفتي للصوص والفاسدين والمرتشين، من دون أن يشعر أحد بتعذيب الضمير، رحم اللـه الضمير فقد كان صالحاً قبل أن يطلقوا عليه رصاصة الرحمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن