الأولى

ترامب وإسرائيل والسلام

| تييري ميسان

الجهود التي يبذلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لوضع حد لإستراتيجية سلفيه جورج بوش وباراك أوباما، الرامية إلى تدمير الشرق الأوسط الموسع، بلغت أقصى مدى لها.
فمن ناحية، أجبر المملكة العربية السعودية على وقف التمويل الجماعي للجهاديين، ليس فقط في سورية، بل في العالم أجمع، لكن سياسته تجاه إيران، من ناحية أخرى، تفسد خطته، التي يفترض أن يعلن عنها قريباً، المتعلقة بفلسطين.
بيد أن هذه النزاعات التي تراكمت حول إسرائيل طوال سبعين عاماً خلت، لن تجد حلولاً لها، إلا في حال تم احترام المصالح الحيوية لجميع الأطراف المتنازعة، ومن دون استثناء.
لقد أظهرت التجارب أن الحلول الثنائية تتم دائماً على حساب الأطراف الأخرى، وهكذا، فإن الاتفاقات الثنائية المبرمة بين إسرائيل ومصر، وبين إسرائيل والأردن، لاشك أنها أسهمت بتهدئة تلك الجبهتين، لكنها أسهمت، في المقابل، بجعل حياة أطراف النزاع الآخرين، بالغة التعقيد.
المحاولة الجدية الوحيدة التي تم إطلاقها لإيجاد حل شامل، كانت بمبادرة مشتركة من الرئيسين جورج بوش الأب وميخائيل غورباتشوف عام 1991، حين تمكنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي معاً، من جمع إسرائيل، والفلسطينيين، ومصر، والأردن، ولبنان، وسورية، في مدريد.
ومرة أخرى، لم يجلس الفلسطينيون تحت مسمى منظمة التحرير الفلسطينية، بل كفلسطينيين. كانت فكرة القوتين العظميين تتركز آنذاك حول فرض احترام القانون الدولي، من خلال العودة إلى حدود عام 1967، وبناء عليه، قدمت واشنطن تعهدات خطية مسبقة لكل وفد مشارك باحترام مصالحه الحيوية، كالتفاوض على استعادة الجولان فيما يخص سورية، على سبيل المثال.
كان مؤتمر مدريد ناجحاً، فقد حدد عملية سياسية وجدول عمل، لكن الاجتماعات التي أعقبته كانت فاشلة، نظراً لأن حزب الليكود الإسرائيلي قاد على الفور حملة ضد وزير الخارجية جيمس بيكر، وتمكن من منع إعادة انتخاب الرئيس جورج بوش الأب لولاية ثانية.
في نهاية المطاف، أبرمت إسرائيل اتفاقات أوسلو بشكل منفصل مع ياسر عرفات، وبمفرده، ولأن اتفاقيات أوسلو لم تنص إلا على تسوية مشكلات بعض الفلسطينيين، لذلك لم توافق عليها باقي أطراف النزاع، وبالتالي لم تُطبق أبداً.
بعد ذلك، جاء الرئيس بيل كلينتون وحاول مواصلة المفاوضات الثنائية مع سورية من خلال تنظيم مفاوضات بين إيهود باراك والرئيس الراحل حافظ الأسد، لكن محاولاته باءت بالفشل بسبب انقلاب إيهود باراك المفاجئ، وفي كل الأحوال، لم يكن مقدراً لتلك المفاوضات أن تحل جميع المشكلات، في ظل غياب أطراف النزاع الآخرين.
الآن بعد 27 سنة، يبدو الوضع أكثر تعقيداً، فالفلسطينيون منقسمون إلى معسكرين، علمانيون في الضفة الغربية، وإسلاميون في غزة، يضاف إلى ذلك إيران التي برزت كطرف جديد في الصراع، بالنظر إلى رعايتها الآن لحركة حماس.
وأخيراً لابد من التذكير، على وجه الخصوص، بانتهاك الولايات المتحدة إبان إدارة بوش الابن لجميع قرارات مجلس الأمن، حين اعترفت بقرار إسرائيل ضم الأراضي التي احتلتها عام 1967، وتبقى سورية، على الرغم من كل محاولات إضعافها عبر سنوات من الحرب، القوة الوحيدة القادرة على جعل العرب والإيرانيين يصغون إلى صوت العقل، بالاستناد إلى القانون الدولي، وذلك فقط حين يعود الرئيس ترامب إلى تعهدات سلفه بوش الأب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن