ذهنية النساء
| د. نبيل طعمة
كم أتمنى كرجل ألا أكتب عن المرأة، وكم أطالبها بأن تتقدم لتكتب عن ذاتها وهمومها وأحلامها وآمالها من خلاصة تجربتها التي بدأت كي لا تنتهي، وهنا أقول لها: تشجَّعي أيتها المدانة، لأن ما تنادين به طلباً لحريتك عليك أن تعلمي أنه ليس سوى لحظة غير مناسبة تقضينها في الوقت الضائع، وإذا انكشف دخلت إلى أقسى أنواع عبوديتك، فإذا أردت التحرر، فعليك مواجهة ذاك الإيمان بالمسلمة المجسّدة أن النوع الإلهي صفته الذكورة، وأن النوع الإنساني يتألف من الرجل أولاً، ومن ثمَّ الباقي نساء، وأن النظرية القائلة: إما أن يكون الرجل موجوداً وإما لا يكون دونه شيء، من غير أن يتضمن تعريفاً للمذكر، وماهية المؤنث واستسلامكن له، يعني أنكن راضيات بسجنكن الممتلئ بالممنوعات الاجتماعية والموروث التاريخي الحامل لأقسى الاتهامات تلك، وهذه التي تعيق عمليات التحرر خاصتكن، وأقصد الزواج والمنزل وأقنعة التجميل.
هل أنت مكرهة على تقديم النزوات ووسمك بضروب عدم الوفاء التي لا يعترف أبداً بها الرجال، متجهين دائماً إلى عدم نسبها إلى أنفسهم، ويعترف جميعهم بالقول: لو كنت أعرف أباها أو أخاها أو زوجها لما مسستها مراراً، تلك المعرفة أو عدمها لحظة خضوعه لقوة النزوة واستجابتك لها.
أسألك أيتها الأنثى: هل أنت رقّ أو عامة حتى تطالبي بحقوقك بالعدالة والحرية والمساواة؟ أوَلم تقتنعي بعراقة وجودك، وبتفاخرك وتعلقك بالمنفى الذي تسعين إليه ألا وهو المنزل؟ هل آمنت بأنك لست متعةً وبعيدةً عن أن تكوني لحماً فاخراً يشتهى، على الرغم من أنك تتمتعين بالجنس، ونتائجه الحمل والإرضاع؟ هل تأملت العروة الوثقى المتجلية في أبيك وأخيك وزوجك وعشيقك وخليلك، وأنك بطن وأفخاذ تتنقل بين العشائر والقبائل والقرى والمدن والبلدان والدول، وأنك تمدحين حين امتلاء رحمك بالذكر، وتهانين من شعورك عند حملك بأنثى؟ كم عمرك الفني؟ من ينهكه؟ متى يبكيك أنت صاحبة القلق العاطفي الهائل والآلام الخاصة بك المرتبطة عالمياً بنزعة الشرف، لأنه وفي اعتقاد الذكورة يسكن بين ساقيك.
تضج الحياة بالحياة التي يثيرها الرجال الذين يشبهون النساء بالنساء اللائي يشبهن الرجال، هذا ليس افتراضياً، إنما إشارة لمن يقوم بالدور الفاعل والقوى في قيادة الأسرة والعمل، وهنا أسأل: إذاً من يكون الضعيف؟ هل هناك من خاطب امرأة التي جمعها يكون نساء بسيدي، والعكس ينطبق بسيدتي للرجل؟ مسألة رئيسة تأخذ بنا لمطالبة النساء بالإفصاح في التعبير عن ذواتهن، وألا يبقين مخدوعات من عملية الأنوثة التي تحصرهن عند رغبة عدم توقفها أو مغادرتها لتتحول إلى أمنيات ضمنها سؤال واحد: كم أتمنى أن تعود أنوثتي وهي الأنثى.
إذاً أمام هذا: ما معنى الذكورة التي تنظر إلى الأنوثة على أنها طُعمٌ لا قوة فيه؟ كيف بك تتجاوزين أنك مهما كبرت فأنت أنثى، تبكين دموعَ أنثى تحرق، لكنها لا تحترق، عندما تقول امرأة لرجل أو رجل لامرأة (أحبك)، فإن هذا يعني (أحب فيك ما ينقصني)، لأن ذكاء الأنوثة حالة أفقية، وذكاء الرجل يمتد عمودياً، ليتشكل فيما بينهما بعداً تكاملياً نوعياً، إلا أنهما وأبداً تنافرا، فبلغت الأنوثة قبل عهد الديانات السماوية مرتبة الآلهة، ومنعها عنها الذكر بعد وصوله إليها، ولم يذكر التاريخ الديني أن امرأة غدت نبياً محولاً إياها من رغباته إلى داعرة، لينسى أنه داعر أزلي، ورغم ذلك نجد أن المرأة رحم مغلق واسع الأرجاء والعالم ابنٌ لها هائل الحضور، يطالبها باليقظة والحنوّ والحراسة دائماً له، وقولها الدائم: إن إرادتها أن تحرره بحكم أنها مقيدة ومستعبدة، وما أن يصل إلى حضوره، حتى تعمل بكل جهدها على إبقائه تحت جناحها، من دون أن تصل إلى مفهوم أن أبناءكم أبناء الحياة، رضيتِ بذلك أم لا، وأنك تعيشين من أحاسيسك وعواطفك مرتبطة بماهية الأشياء، ولم تغرك العقلنة.
هل توقفت عند ثقافة الأخذ والنبذ؛ أي فقد حالة ذوبان قيم الأنوثة في قيم الذكورة والعكس صحيح، هذه الحالة التي تعيد للعالم رونق حضور الذكر والأنثى.
ما دور المرأة أياً كانت شعبية أم أرستقراطية، قرويةً بدويةً مدنيةً فتيةً أم مسنةً، ومن أي لون، وفي أي مكان؟ تحيا أُماً باغية أو صالحة، أنجبت أم لم تنجب، كل هذه المسميات وجدت من أجل تنافس المرأة التي لا تشبه بعضها إلا تحت مسمى المرأة، وأنها تنجب رجلاً، وإن أرادت أن تنجح فعليها أن تفكر برأسها، على العكس تماماً من إرادة الأديان لها، لا بالحالة العاطفية التي تسكن رحمها، فإذا فعلت تحول رجلها إلى رفيقها، لا إلى فارسها الذي يعتليها، وحينها مرة ثانية تقدر على توليد الرجل ذاته، أو أن ينتهي من حياتها، ليعود من جديد مخترقاً إياها بقوة ذكورته، يثقبها، يغتصبها، يحولها إلى لا شيء، أو يبقيها تابعاً تتمنى وبشكل دائم أن تثأر منه، أو حتى خصيه، لأنها لا تمتلك مثله، وربما تحول الحبّ إلى رضى وخضوع بغاية إيصال الرجل لوضعه تحت رحمتها وذله ثأراً من سيطرته وفظاظته وخيانته المبررة وتحرشاته التي مازالت حتى اللحظة قائمة، تشتكين منها وأنت التي تلهثين وراء فحولته.
هل تستطيع المرأة ألا تسهر على الرجل وليدها، لأنه جريح الحياة المحتومة، تنكبُّ عليه بشكل دائم راغبة في عودته إلى أعمق أعماقها، لتشكل معه الصفة الأبدية أم الإله وإلهها في آن، تقف خلف معاركه، وتنتظر عودته، أنها تعلم أن الرجال ينسون أنها الأساس إلى الأبد، وأنها تستحق الانحناء بوجودها والمحافظة عليها ورعايتها لتكبر بحفاوة العواطف والفكر، لأنها وحتى الآن ورغم نخبوية من وصل منها إلى مصانع القرار، إلا أني أجدها حتى في هذا مستعبدة، فهل لها أن تدرك أين هي؟ وتبتعد عن المطالبة بالمساواة التي ينبغي لها أن تجدها في جوهرها، فإن لم تصل إليها فستبقى تسعى حافية العقل، وتحمل ذهنية النساء التي تتمسك بالإصغاء والصمت والانتظار.
إليكن أقول: ماذا أنتنّ فاعلات بأنفسكن ولأنفسكن؟ وللرجل: ماذا فعلت بالمرأة وماذا نفعل بالنساء؟
إليك أيتها الأنثى.. المرأة.. النساء.. أي انبهار يحدثه لقاء الطرفين الثنائي العامل العاشق وضروب البسمات التي تكتنفها أسرار العيون وذاك الحنان المرتسم على وجهيهما، حنان يثقل كواهل العشاق بجماله وتداخل الشفاه يشكلان اتحاداً بين من تثق بنفسها ومن يثق بها.
عندها تنهال ثقتها وعطاؤها تبدعه قوياً ومتيناً، ليمضيا معاً متوحدين خارجين عن المألوف مجنونين وعاقلين بشكل لا مثيل له، إنها معجزات الحب الذي يجب أن يسود من أجل حرية الرجل واستقلالية قرار المرأة في الوصول إليه، لأنها تقع دائماً بين معضلتي التحديات والآفاق، بين الخوف من المستقبل وواقعها المعيش، بشعور أنها الأضعف، لماذا؟ لأن القوانين كافة ذكورية بامتياز، ولم تجتهد النساء حتى اللحظة للانطلاق من جوهرها لتعديلها بإرادة وصولها إلى المساواة في الحياة، لا المساواة مع الرجل.
هل تصدقين أن الرجل يسعى لمساواتك به؟ سؤال أودعه فكرك، فلتجيبي عليه الرجال الذين ينتظرون الرد، واكتبي لا كما كتبت نوال السعداوي أو غادة السمان اللتان أرعبتا الأنوثة، ولم تستطيعا أن تقدماها فكراً وحضوراً.