الأحسن لنا جميعاً
| عبد الفتاح العوض
يقول المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
بيت الشعر هذا يكاد يكون إحدى الحكم الشعبية من كثرة ترداده مذ كنا صغاراً، ومازال في مرات كثيرة يبدو مناسباً للاستشهاد به كما لو كان حكمة مجربة.
في آيات الذكر الحكيم «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».
هنا نحن مع قانون إلهي وليس حكمة بشرية ولا نصيحة شاعرية، بل هو فن التعامل مع الآخر.. فإذا كان بينك وبين أحد ما «عداوة» لسبب أو لآخر فأنت أمام طريقة لتحويل هذا العدو إلى صديق وصديق حميم أيضاً. وما عليك إلاّ أن تقابله «بالتي هي أحسن» وأحسن هنا صيغة تفضيل من حسن.. أي أن تقابله بما هو أحسن من الحسن فإذا كانت هذه طريقة تعامل مع من بينك وبينه عداوة فكيف تكون إذاً طريقة تعاملك مع أصدقائك المقربين؟
هنا نتحدث عن إحدى الوسائل التي تقدمها هذه الآية الكريمة للتعامل مع أولئك الأشخاص الذين تختلف معهم سواء كان هذا الاختلاف عقائدياً أم حياتياً.. فكرياً أم واقعياً، من دون تحديد السبب فإن الوسيلة لتحويل هذا العدو إلى صديق حميم طريقة واضحة وهي أن تقدم له «الأحسن».
لا أريد أن أخوض في طرق تعامل أولئك الذين «سرقوا» الإسلام وكأنهم لم يمروا على هذه الآية الكريمة. بل فعلوا كل ما بوسعهم حتى يكره الناس الأديان بشكل عام والإسلام بشكل خاص.. وفعلوا أكثر من ذلك بأنهم أساؤوا إلى «الله» عندما فعلوا كل القبائح باسمه.
بل ما أريد أن أناقشه هنا.. كيف أننا نتفاعل أكثر مع «وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا»!
إذا أردنا أن نفسر ذلك فعلينا أن نقترب أكثر من الطبيعية البشرية التي تحتاج إلى قوة من نوع خاص حتى تستطيع أن تحسن إلى من أساء إليها. فليس من «طبائعنا» وليس من قدراتنا أن نقدم الخير لمن قدم لنا السوء.. المبادئ التي يعيش عليها البشر تقوم على الخير مقابل الخير.. والسوء مقابل السوء.
إنها العدالة الطبيعية التي ترسخت في عقولنا وسلوكنا، وعندما يطلب منك أن تقدم الخير لمن أساء إليك فإن هذا يحتاج إلى نوع آخر من التفكير، وقدرة خاصة للتغلب على النفس وأحاديثها لك. نفسك تسألك قبل أن تقدم الخير لمن أساء إليك هل سيعتبر الآخر أن ذلك ضعف منك أو خوف منه أو علامة استسلام! وغير ذلك من الأسئلة التي تمنعك من أن تحاول تقديم الخير لمن أساء إليك.
إن هذه الحكمة الإلهية تحتاج إلى بشر لديهم مقومات خاصة حتى يستطيعوا التغلب على أنفسهم أولاً ليتمكنوا من تنفيذها، بينما مقولة المتنبي إن أنت أكرمت اللئيم تمردا.. تتوافق مع طبائع البشر ولا تشكل عبئاً نفسياً عليهم.
على أي حال في مجتمعنا وبعد كل هذه السنوات الصعبة التي عشناها نحتاج فعلاً إلى قوة النفس وصفاء الروح حتى نتمكن من تقديم الخير لمن أساء إلينا.. إنه عمل صعب لكننا نحتاج إليه كثيراً.
أقوال:
• إذا أردت ألا يُنسى إحسانك فكرره.
• عذّب حسادك بالإحسان إليهم.
•مدّ يدك إلى من يسقط.
•يلتصق أريج الزهرة باليد التي تقدمها.