قضايا وآراء

التحول بعيداً عن جنيف

| أنس وهيب الكردي

تريد روسيا تهدئة مرحلية في سورية، فالدبلوماسية الروسية تعمل بكل ما أوتيت من جهد على نسج خيوط مبادرة تحقق الهدوء اللازم من أجل إحداث تحول جديد في العملية السياسية للأزمة السورية عبر إطلاق مسار سوتشي كمكمل لعملية أستانا، وربما بديل لعملية جنيف التي تحتضر.
لقد اعتمدت روسيا في مبادرتها السورية على تكتيك تتابع النقلات السياسية والعسكرية، فخطوة عسكرية صغيرة تليها نقلة سياسية، وهكذا، مثلاً، تلا إطلاق العملية العسكرية الروسية في سورية تزخيم مسار فيينا وصولاً لإصدار مجلس الأمن الدولي القرار ذي الرقم 2254 الذي جاء تصحيحاً لبيان جنيف ودفن أحلام المعارضة في إنشاء «هيئة حكم انتقالية»، وبعد إتمام عملية حلب أطلقت موسكو عملية أستانا بالشراكة مع إيران وتركيا، وبعد دحر تنظيم داعش في دير الزور انعقد مؤتمر الحوار السوري السوري في مدينة سوتشي الروسية بمبادرة من القيادة الروسية.
التحول الذي تحضر له روسيا تلا العمليات العسكرية في أرياف دمشق، حمص، حماة، التي انتهت بطرد المسلحين منها، وإنهاء التهديد المصوب على العاصمة والساحل، مهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهذا التحول عبر الاتفاق مع نظيريه الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان على تصعيد أستانا مضماراً للتسوية السياسية للأزمة السورية، ثم أخذ موافقة الرئيس بشار الأسد على إنعاش المسار السياسي من بوابة اللجنة الدستورية التي اتفق المشاركون السوريون في مؤتمر سوتشي مطلع العام 2018 الجاري على تشكيلتهان ومثل مجيء المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى منتجع سوتشي للقاء الرئيس الروسي، نجاحاً لهذا الأخير في زحزحة الموقف الغربي من عملية أستانا، ودق إسفين ما بين الدول الغربية، إذ بينما كانت ميركل تقترح على بوتين دمج جهود الدول الضامنة لعملية أستانا ومجموعة واشنطن (الولايات المتحدة، الأردن، السعودية، بريطانيا، فرنسا)، كانت الدبلوماسية الأميركية تنفض يدها بالكامل من عملية أستانا.
اتخذ الكرملين خطواته الجديدة وعينه على استكمال التحول في تسوية الأزمة السورية بعيداً عن مسار جنيف ذي المحور الغربي، والتمهيد لإطلاق الشق السياسي في عملية أستانا التي ترعاها موسكو وإيران وتركيا، من مدينة سوتشين وهو لا يمانع في الذهاب لاحقاً إلى جنيف كمنصة لشرعنة مخرجات مسار سوتشي، التطبيع النهائي للوضع في سورية، وإطلاق عملية إعادة الإعمار وتدفق الأموال الأوروبية والخليجية لتعمير ما هدمته الحرب.
الخطوة السياسية التي يعتزم الكرملين تنفيذها، تجري على أرضية جيوسياسية زلقة لأبعد مدى، والروس يدركون ذلك، فهامش خلق بديل عن مسار جنيف متاح طالما استمر الخلاف التركي الأميركي حول شرق سورية والدعم الأميركي والأوروبي لميليشيا «وحدات حماية الشعب» التي تصنفها أنقرة على لائحة التنظيمات الإرهابية، وإن هدأت حدة التهديدات الإسرائيلية لدمشق وطهران بعد ليلة الصواريخ، فلا تزال مخاطر تحول سورية إلى ساحة صراع مباشر ما بين القوى العظمى قائمة ومرتفعة، ولا شك أن الكثيرين يعتقدون أنها ستكون إحدى ساحات التوتر الأميركي الإيراني المنفلت من عقاله بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي.
خطوة الرئيس بوتين السياسية الجديدة جاءت في أعقاب عمليات الغوطة وريف حمص الشمالي، وعلى الأرجح أن يلي هذه الخطوة عملية عسكرية في الجنوب، خصوصاً وأن إدلب لا تزال في عهدة التفاهمات الروسية التركية وأن النجاح في التحول بعيداً عن مسار جنيف يقتضي تعاون أردوغان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن