الأولى

لجنة الدستور.. السوري!

| بيروت – محمد عبيد

بعد أشهر من رفض القيادة السورية استقبال أي موفد دولي للبحث في موضوع تشكيل اللجنة «الدستورية» السورية السورية، بادر الرئيس بشار الأسد إلى الإعلان عن قراره بالموافقة المبدئية على مشاركة ممثلي الحكومة الشرعية السورية في هذا اللجنة والإيعاز إلى المعنيين فيها إبلاغ المرجعية الأممية المعنية بأسماء ممثليها.
طبعاً، للقرار الذي أعلن عنه الرئيس الأسد دلالات خاصة من حيث التوقيت. بالنسبة للتوقيت المباشر، فإنه أتى خلال لقاء قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تَميَّز بحفاوةٍ تتجاوز المراسم التقليدية بين رئيسي دولتين إلى اجتماع بين شريكين تعاهدا على الإسهام الإيجابي في صياغة مستقبل المنطقة والعالم من خلال محاربة الإرهاب، وبالتعاون والتكافل مع حلفاء إستراتيجيين وفي مقدمهم إيران وحزب اللـه وقوى المقاومة الأخرى المعنية. وهو اللقاء الثاني من نوعه بعد القرار الروسي الإستراتيجي حول المشاركة في الحرب على الإرهاب على الأراضي السورية وانطلاقاً منها لملاحقته في أي موقع يمكن أن تطاله فيها أيدي دول وقوى هذا المحور. لكن الأهم أن هذا اللقاء-الاجتماع- أفضى إلى قرار المشَارَكة في عمل اللجنة الدستورية الآنفة الذكر، ما يعني أننا أمام انعطافة نحو مرحلة سياسية جديدة تُكَمِلُ الانتصارات الميدانية النوعية وتؤسس للاستثمار عليها للوصول إلى حل سياسي مُشرِف يحفظ تضحيات الشعب السوري وجيشه والقوى الحليفة.
أما التوقيت غير المباشر فيتمثل بعوامل عدة أبرزها: أولاً، الإقرار الضمني لدى معظم دول العالم وبالأخص منها الحكومات الغربية وفي مقدمها دول الاتحاد الأوروبي وأكثرية الأنظمة العربية بعدم جدوى الاستمرار في دعم الإرهابيين كوسيلة لإسقاط الدولة في سورية، وبالتالي التعاطي بواقعية مع مبدأ انتصار دمشق، كذلك الاقتناع بضرورة التعامل إيجابياً مع أي إمكانية للولوج إلى حل سياسي مقبول يشكل ذريعة لإعادة التواصل بينها وبين دمشق.
ثانياً، وكنتيجة تلقائية للعامل الأول، فإن معظم الجهات الدولية والإقليمية المشارِكة فيما يسمى «مفاوضات الحل السياسي» صارت متيقنة من عدم إمكانية العودة إلى البحث في تطبيق مندرجات بيان جنيف1 ولا البيانات المشابهة الأخرى، وخصوصاً منها تلك التي تتضمن آليات مرحلة الانتقال السياسي ونقل الصلاحيات الرئاسية وما إلى ذلك من طروحات سقطت بفعل مرور الزمن الذي تبدلت معه كافة الوقائع العسكرية الميدانية التي شكلت بين العامين 2011 و2015 ركائز أساسية تم البناء عليها سياسياً لدفع النظام إلى الاستسلام! وبالتالي فإن قرار الرئيس الأسد فيما يتعلق بلجنة الدستور يعتبر فرصة لتلك الجهات من المفروض أن تتلقفها لتحفظ ماء وجهها إذا أحسنت التعامل معها على أساس أنها أفضل الممكن في ظل اختلال موازين القوى لصالح الدولة السورية وحلفائها وأصدقائها.
ثالثاً، تولّد قناعة ثابتة لدى المرجعيات الدولية والإقليمية الداعمة للمعارضة السياسية المزعومة وللمجموعات الإرهابية في آن واحد، بخواء هذا المعارضة وتصارعها فيما بينها كذلك عدم قدرتها على صياغة مشروع وطني متكامل يوحي بقدرة وجوهها كافة على تشكيل بديل قادر وقوي ومؤهل لإدارة البلاد أو حتى للمشاركة في إدارتها إلى جانب السلطة القائمة. مما يعني أن من تبقى من هذه المعارضة، في حال قبوله بالمساكنة مع النظام، سيكون ملزماً بالعمل من داخل هذا النظام ووفق آلياته الدستورية والقانونية لتطويره وتحديثه بما يلبي طموحات الشعب السوري في الاستقرار والإنماء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
رابعاً، العرض الذي قدمته ممثلية الأمم المتحدة المعنية بالأزمة في سورية والذي تم تداوله في الكواليس السياسية حول اعتبار الورقة الأولية التي تم التوافق عليها في مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، المرجعية المناسبة والوحيدة لتشكيل «لجنة الدستور». إضافة إلى الموافقة على تمسك الدولة السورية بنقل اجتماعات هذه اللجنة إلى الأراضي السورية انطلاقاً من الثوابت السورية غير القابلة للمساومة حين يتعلق الأمر بمعطى سيادي كالبحث في «الدستور». وتثبيتاً لمبدأ احترام المؤسسات الشرعية المنتخبة والمعنية بالموضوع مباشرة وفي مقدمها مجلس الشعب.
الآن صارت الكرة في ملعب الأمم المتحدة للإسراع في إتمام تشكيل «لجنة الدستور» المعنية، علّها بذلك تتمكن من نقل الحوار السوري السوري إلى محطة سياسية فعالة تسهم في إخراج الإرهابيين والقوى الدولية والإقليمية المحتلة من الأراضي السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن