قضايا وآراء

عراق الشراكة أم حكم الأغلبية؟

| عبد المنعم علي عيسى

احتاج الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات العراقية الجارية يوم الثاني عشر من الشهر الجاري إلى ستة أيام على الرغم من أن المفوضية العليا سبق لها أن قالت إن إعلان النتائج سيكون في ظرف 48 ساعة، وعلى الرغم من أن عمليات الفرز، أو أغلبيتها الساحقة، كانت آلية بوساطة حواسيب، ولذا فإن من شأن طول المدة لوحده أن يطرح العديد من إشارات الاستفهام، وما يمكن أن يزيد من هذه الأخيرة هو أن أسباب التأخير لم تعلن أو يأت أحد على ذكر موجباتها، وربما كانت أصداؤها الأولى هي التي ظهرت في تظاهرات احتجاج كركوك المندلعة منذ أيام والتي لم تنقض بعد.
قبيل أن يتم إعلان النتائج النهائية يوم الثامن عشر من الشهر الجاري أخذ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على عاتقه مهمة التأسيس لنواة تحالف يكون في مواجهة تحالف آخر كان يدرك أنه قائم تلقائياً، فالتقى بعمار الحكيم زعيم قائمة «الحكمة» الفائز بـ19 مقعداً التي يراها التحالفان المتنافسان أنها ستكون بيضة القبان للوصول إلى السلطة، ثم جهد في إجراء العديد من اللقاءات مع مختلف التيارات والأحزاب، إلا أنه لم ينجح في تحويل «الحنانة» مقر إقامته في مدينة النجف إلى ملتقى لكل القيادات على الرغم من الخطاب التوافقي الذي استخدمه حتى أنه دعا إلى تشكيل «حكومة أبوية» وربما أراد القول عبر هذا التوصيف بأنه تخلى تماماً عن خطابه الإلغائي الذي سبق أن استخدمه يوم الخامس عشر من الشهر الجاري عندما نشر تغريدة وصفت حينها بأنها ترسم ملامح العراق الجديد وفيها استبعد قائمتي «الفتح» و«ائتلاف دولة القانون»، وعلى الرغم من ضبابية المشهد العراقي إلا أن ما يلوح في الأفق تبلور تحالفين اثنين الأول بزعامة الصدر الذي فازت قائمته «سائرون» بـ54 مقعداً وهي تضم قائمة «النصر» بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي الفائز بـ51 مقعداً، وكذا قائمة «الحكمة» سابقة الذكر، وهناك مسعى للتحالف مع قائمة «القرار» بزعامة أسامة النجيفي الفائز بـ15 مقعداً وقائمة تحالف الحزب الوطني الكردستاني بزعامة مسعود برازاني الفائز بـ24 مقعداً للقول إن التحالف عابر للمذاهب والقوميات، ومرشح هذا التحالف هو رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي المرضي عليه أميركياً وغير المغضوب عليه إيرانياً، والثاني بزعامة هادي العامري زعيم قائمة «الفتح» الفائز بـ47 مقعداً ويضم تحت رايته قائمة «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي الفائز بـ25 مقعداً، إضافة إلى الآمال بانضمام العديد من الكتل الصغيرة ليس حباً به وإنما كرهاً بالتحالف الآخر، ومرشح هذا التحالف هو هادي العامري المدعوم إيرانيا والمغضوب عليه أميركياً.
هذه التراصفات تراجمها السياسية تقول إن العراق منقسم الآن بين مشروعين الأول يقول بوجوب عودة العراق إلى «حضنه العربي» لتقتصر العلاقة مع إيران على حسن الجوار، والثاني يقول إن البعد عن إيران أو محاولة تهميشها أمر ليس منطقياً وهو من الناحية السياسية يشكل محاولة للقفز فوق الوقائع والحقائق، وعدا عن أنه لن يجدي بسبب الحضور الإيراني القوي في الداخل العراقي فإن الخوض فيه سيدخل البلاد في دوامة اللاستقرار من جديد، وفي التحليل قد يكون السيد الصدر نجح في إظهار نفسه زعيماً شعبوياً قادراً على إطلاق الشعارات بغض النظر عن حسابات تحقيقها، والجدير ذكره هنا هو أن تجاوب شريحة عراقية مع هذه الشعبوية هي دليل على أن الشارع العراقي يريد من «يناغي» أحلامه وآلامه حتى ولو كانت تلك المناغاة خديعة، إلا أن في السياسة حسابات أخرى لا علاقة لها بالتمثيل أو الأوزان الشعبية، وهي تختصر بتداخل الداخلي مع الخارجي بصورة يصعب وضع ضوابط دائمة لها، وهي الحالة التي أدت إلى استبعاد إياد علاوي الفائز بانتخابات 2010 ليحل محله نوري المالكي الفائز بالمرتبة الثانية.
منذ أن بدأ العراق بانتخاباته بعد سقوط نظام صدام حسين سعت القوى السياسية فيه إلى تجريب فكرة المواطنة لكنها فشلت، ثم سعت إلى تجريب فكرة المحاصصة الطائفية والعرقية وهي الأخرى فشلت، واليوم هناك مسعى لتجريب فكرة الشراكة أو حكم الأغلبية التي من المرجح أن تلقى مصير شقيقاتها السابقات ما دام الدواء لم يلامس الجرح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن