ما بين شروط كولن باول وشروط بومبيو!
| بسام أبو عبد الله
في 3 أيار 2003 أعلنت مستشارة الأمن القومي الأميركي آنذاك كوندليزا رايس، أن جولة وزير الخارجية الأميركي كولن باول في الشرق الأوسط التي بدأها في سورية الجمعة 2 أيار 2003، هي بداية تدخل أميركي عميق لبناء شرق أوسط جديد محوره إسرائيل، التي اعتبرت أمنها المفتاح المطلق ليس لأمن المنطقة فقط، بل لأمن العالم!
كولن باول نفسه قال لدى وصوله إلى دمشق آنذاك إنه سيوضح للرئيس بشار الأسد جلياً كيف تنظر الولايات المتحدة لتبدل الوضع في المنطقة بعد رحيل نظام صدام حسين، مع خريطة الطريق، وهي خطة جورج بوش الابن لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
باول حذر سورية من أنها «ستجد نفسها على الجانب الخاطئ من التاريخ»! إذا لم تتوافق مع الرؤية الأميركية للشرق الأوسط بعد سقوط صدام حسين! وقال باول في حديث للتلفزيون الإسرائيلي: ما قلته له، أي للرئيس الأسد، بوضوح إن هناك أشياء نعتقد أنه يجب عليه عملها إذا كان يريد علاقة أفضل مع الولايات المتحدة الأميركية، وإذا كان يريد أن يلعب دوراً مفيداً في حل الأزمة في المنطقة.
واشنطن قالت آنذاك إنها ستراقب، وتقيس الأداء السوري لترى ما إذا كانت سورية مستعدة الآن للتحرك في اتجاه جديد في ضوء الظروف المتغيرة، وتقول المصادر الإعلامية إن باول قدم 33 مطلباً لسورية بما فيها ما هو داخلي، لكن ما ظهر على السطح ثلاثة مطالب أساسية تتعلق في العراق وهي: عدم دعم المقاومة، وتسليم مسؤولين عراقيين سابقين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية العراقية، وفي لبنان: وقف دعم حزب الله، وفي فلسطين: إغلاق مكاتب الفصائل الفلسطينية.
وللتذكير فقط لمن ذاكرته قصيرة، فإن من يسمون أنفسهم المعارضين بدؤوا يتمايلون مع حركة الريح الأميركية إذ اعتبر برهان غليون في 2 تشرين الأول 2003 أن «النظام السوري مثله مثل جميع الأنظمة الشمولية التي عرفتها الكرة الأرضية خلال القرن العشرين، قد فقد جميع شروط بقائه التاريخية، وفي مقدمها ظروف الاستقطاب الدولي، وهو اليوم في طريق مسدود دائماً»، والجميع يعرف أن غليون هذا هو من ترأس لاحقاً أول «مجلس وطني سوري» معارض مع بدء العدوان على سورية بعد بدء أحداث عام 2011.
أما رياض الترك المعروف عنه تطرفه اليساري وتحالفاته المشبوهة مع الإخوان وغيرهم، فقد ابتدع «نظرية الصفر» في حديثه الشهير لصحيفة النهار اللبنانية في 28 أيلول 2003 بعد إطلاق سراحه في دمشق وقيامه بجولة أوروبية أميركية، إذ اعتبر أن الاحتلال الأميركي نقل المجتمع العراقي من الناقص إلى الصفر، ورأى أن هناك رياحاً غربية ستهب على دمشق، وعلينا أن نلاقيها ببرنامج سياسي مناسب!
بعد عدة أشهر صدر «قانون محاسبة سورية، واستعادة السيادة اللبنانية في 15 تشرين الأول 2003» لتدفيع سورية ثمن معارضتها لاحتلال العراق، ثم انسحب الجيش العربي السوري من لبنان في 26 نيسان 2005، وللتذكير أيضاً فإن ما عرف بـ«إعلان دمشق» المعارض صدر في 16 تشرين الأول 2005 فهل كل هذا التناغم، والتماهي هو عبث، أم إنه مخطط؟
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005، وما تبعه من انسحاب الجيش السوري، ولجنة التحقيق الدولية، وتقارير ديتلف ميليس الشهيرة، صدر ما عرف بإعلان بيروت دمشق في 12 أيار 2006، وهو إعلان حضر في بيروت، وأرسل لدمشق لتوقيعه من المعارضين السوريين، وبالمناسبة فإن مضمون إعلان بيروت دمشق، فرغ في قرار لمجلس الأمن رقم 1680 تضمن مطالبات بشأن العلاقات السورية اللبنانية عمل عليه مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الذي كان مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة آنذاك.
عدوان تموز 2006 كان هدفه كسر الحلقة الأولى في محور المقاومة، لكنه فشل، وجرت محاولات فرنسية تركية قطرية لاحقاً لاستيعاب الرئيس الأسد لخدمة المشروع الأميركي لترتيب المنطقة وفق تعبير كولن باول عام 2003، وعندما فشلت هذه المحاولات، جرى الانتقال لمشروع إسقاط الدولة السورية الذي بدأ عام 2011، بهدف الاستفراد لاحقاً بحزب الله، ثم إيران، ولاحقاً محاصرة روسيا والصين بشكل عام.
مناسبة هذا الاستحضار التاريخي هو المقارنة بين شروط كولن باول لسورية عام 2003، وشروط مايك بومبيو لإيران عام 2018، والحقيقة أن ثلاثة ثوابت لم تتغير بعد 15 عاماً، وهي:
أ- وقف دعم حركات المقاومة أي حزب الله والمنظمات الفلسطينية وزاد الآن عليهم المقاومة اليمنية والحشد الشعبي العراقي.
ب- أمن إسرائيل الذي اعتبرته رايس آنذاك مهماً ليس لأمن المنطقة فقط، وإنما أمن العالم.
ج- العراق، واحترام سيادته، حسب بومبيو، وكأن أميركا تحترم سيادة الدول! والأهم هو تصفية قضية فلسطين ما بين خريطة طريق جورج بوش 2003 وصفقة قرن دونالد ترامب 2018، وأضيف لما سبق ملفات أخرى منها:
– أفغانستان ووقف الدعم لمن يحارب الأميركيين!
– ما تسميه أميركا السلوك المهدد لجيران إيران أي السعودية والأمارات والبحرين.
– سحب القوات الإيرانية من سورية.
– البرنامج الصاروخي البالستي الإيراني.
– وطبعاً ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وتفكيكه كما ترغب إسرائيل، وتطالب!
ما الذي تغير خلال عقد، ونصف العقد ما بين احتلال العراق، وحرب تموز 2006، والحرب على سورية المستمرة ما بين عامي 2011-2018، والآن الدور على إيران كما هو واضح وانطلاقاً من اعتقاد واشنطن، وحلفائها أن بالإمكان تطبيق نظرية «حجر الدومينو» الذي حصل مع انهيار جدار برلين عام 1989، وانتهى بسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991.
الحقيقة أن استهداف إيران الآن بهذا الشكل هدفه النهائي ضرب المشروعين الروسي والصيني ومن ثم فإن خيارات المواجهة بالنسبة لإيران، وحلفائها سوف تجمع بين المرونة الدبلوماسية، وأوراق القوة، والتحالفات الإقليمية والدولية، والمصالح، وإن كانت الخطة الأميركية المعلنة قد تضغط على طهران من الناحية الاقتصادية، لكنها لن تجعل إيران تخضع، ذلك أن مطالب إدارة ترامب كما يقول أحد المحللين الإسرائيليين: هي تعبير عن آمال، أكثر منها إستراتيجية متبلورة، محذراً من أن إيران هي بلد خبر الصعوبات، ويتمتع بكرامة وطنية، وصمد في الماضي في وجه حرب لثماني سنوات، وست سنوات في ظل نظام عقوبات دولي بسبب برنامجها النووي، ومن ثم من غير المتوقع أن تسارع إيران للإذعان لإنذار ترامب.
سورية رفضت شروط باول، وإيران سترفض شروط بومبيو، ومحور المقاومة ازداد قوة ومتانة واتساعاً، بشهدائه وتضحياته الكبيرة من أجل عالم أفضل، ومنطقة أكثر أمناً واستقراراً، والعالم تغير، ويتغير بالتدريج، باستثناء واشنطن التي لم تتعلم من دروس الماضي والحاضر، وما تزال تتعامل بمنطق شرطي العالم السياسي والاقتصادي، وتعيد إنتاج متطرفيها بأسمائهم المختلفة، وألوان بشرتهم المتعددة، من دون أن تدرك أن عالما جديدا يولد بهدوء، ولن يفيد معه منطق التهديد والوعيد، ولهذا تابعوا معي واشنطن المصابة بحالة هستيريا حقيقية، في سورية، وإيران، وفنزويلا، وكوريا الديمقراطية، وفي روسيا، والصين والقائمة تطول، لأن تغيرات العلاقات الدولية تحتاج لزمن حتى تظهر وتتجلى، فلننتظر ونر.