اقتصاد

بانتظار شهادات الإيداع!

| علي محمود محمد

إن لجوء الحكومة في هذه الفترة لإصدار شهادات إيداع بالليرة السورية وبالدولار سيعلن بداية الانتقال من الإصدار النقدي في تمويل العجز (التوسع في الإصدار النقدي بما لا يتناسب مع حجم الناتج المحلي الإجمالي) إلى مرحلة جديدة كفيلة بتغطية العجز بالطريقة التي لا تسبب تضخماً كما يفعل الإصدار النقدي، وتؤمن في الوقت نفسه مصدراً رئيسياً للاحتياجات التمويلية.
ونحن في خضم الفترة التي قرر فيها «اجتماع العمل الذي عُقد أوائل شهر نيسان برئاسة المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء» إصدار شهادات إيداع بالليرة السورية ولاحقاً بالدولار خلال النصف الثاني من شهر أيار الحالي بأسعار فائدة مشجعة لجذب الإيداعات، من الأهمية بمكان القول إن تمويل العجز الحكومي من خلال الاقتراض من الأفراد أو المصارف التجارية أو المصرف المركزي عن طريق القيام بإصدار السندات الحكومية أو شهادات الإيداع قد يرافقها تغير في عرض النقود (وتأثير ذلك لاحقاً على معدل التضخم، الأسعار، إلخ..) وذلك يتوقف على الجهة المشترية، فإذا مولت الحكومة عجزها عن طريق بيع السندات والشهادات إلى الأفراد أو المصارف التجارية فلن يكون هناك تغيير في صافي عرض النقود وذلك لأن عملية بيع السندات والشهادات ستؤدي إلى انخفاض في عرض النقود وتخفيض حجم السيولة المتداولة نقداً، وعندما يتم توفير القنوات السليمة لتوظيف هذه السيولة وتنفقها الحكومة في مرحلة إعادة الإعمار المقبلة مثلاً فإن عرض النقود سوف يزداد إلى أن يصل إلى مستواه الأول، وبالتالي لن يكون هناك تغير في صافي عرض النقود.
لكن الأمر يختلف إذا مولت الحكومة هذا العجز عن طريق بيع سنداتها للمصرف المركزي، إذ ستكون هناك زيادة في عرض النقود حيث يشتري المصرف المركزي تلك السندات وفي الوقت نفسه تنفق الحكومة عائداتها، فيزداد عرض النقود بمقدار يعادل تغير القاعدة النقدية أي يساوي حجم مبيعات السندات نفسه مضروباً في مضاعف النقود.
وبالتالي، فطرح هذه الشهادات للأفراد والمصارف التجارية من شأنه تحسين إدارة السياسة النقدية وتحقيق إدارة أفضل للسيولة، وجذب شريحة واسعة من المدخرين بالليرة السورية ومن ثم بالدولار إلى القطاع المصرفي.
ويتزامن هذا الطرح (فيما لو تم خلال الأسبوع المقبل) مع استكمال نظام التسويات الإجمالية السوري (SyGS) والذي يسهم في إبقاء السيولة داخل الأقنية المصرفية، فمثلاً أضحت الحوالة بين أي مصرف وآخر تتم خلال ساعة تقريباً ولا تستدعي الانتظار أياماً أو الاضطرار لسحبها وإيداعها لاحقاً، فهذه الخطوات (نظام التسويات الإجمالي وطرح شهادات الإيداع) من شأنها التمهيد لفترة الاستقرار النقدي الملموس.
إن قيام المصرف المركزي بإصدار شهادات إيداع بالدولار، لاحقاً، سيمكنه من استقطاب جزء من الأموال السورية في الخارج (والتي قد تصل إلى 30 مليار دولار في المصارف اللبنانية والأردنية والمصرية بحسب تقديرات مستقلة) وعند منحها فوائد مشجعة يمكن أن يبلغ المبلغ المستقطب كحد أدنى 15 بالمئة من إجمالي ودائع السوريين في الخارج أي نحو 4.5 مليارات دولار أميركي، إضافة إلى ما قد يكتتب به (أو يشتريه) المستثمرون من الدول الأخرى أو السوريون المقيمون.
ومع الاستقرار النسبي الذي نشهده في سعر الصرف، وتوقع المصرف المركزي (عبر بوستات حاكمه) بتزايد أعداد المغتربين الراغبين بالتعامل وتصريف حوالاتهم عبر المصارف والشركات المرخصة، ومع الانفراجات الأمنية التي شهدها البلد في شهري نيسان وأيار الحالي وعودة شريان الطرق الرئيسية بين المحافظات السورية وإعلان العاصمة «دمشق» وأكبر المحافظات السورية «حمص» محافظتين خاليتين من الإرهاب فإن سعر الصرف إلى مزيد من الاستقرار وعودة الروح للنشاط الاقتصادي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن