قضايا وآراء

ابتزاز أموال النفط والسيناريوهات المقبلة

| تحسين الحلبي

لا أحد يصدق أن الإدارات الأميركية تقدم المساعدات المالية السنوية أو غير السنوية بصفة «صدقات» إنسانية مقابل «حسن الختام في الآخرة» فالأموال التي تقدمها على شكل مساعدات لهذه الدولة أو تلك هي في كل الأحوال استثمار اقتصادي وسياسي وعسكري وخدمي يجب أن يحقق أرباحاً ومكاسب لها في العالم.
وقد اعتادت واشنطن على قطع أو تخفيض قيمة هذه المساعدات بحسب «سوق أرباحها» أو عدم جدواها في تحقيق المكاسب الأميركية الخاصة، وهذا ما يقوله جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، فحين صوت اليمن في مجلس الأمن عام 1990 ضد التدخل الأميركي العسكري في العراق قال وزير الخارجية الأميركية في ذلك الوقت جيمس بيكر لليمنيين: «هذا التصويت سيكلفكم أكبر ثمن وسيكون ثمنه عليكم باهظاً جداً» وقطع كل المساعدات المالية عن اليمين.
وفي هذه الظروف بدأت تظهر دعوات أميركية بإعادة النظر وبمراجعة المساعدات المالية التي تقدمها واشنطن إذا لم يعد منها أي جدوى أو مكاسب، وفي علاقاتها مع دول العالم تجد واشنطن أن دولة مثل إسرائيل لا تزال تعدّ من مشاريع الاستثمار التي تقدم لها أفضل الأرباح والمكاسب الإستراتيجية ولذلك يستمر تدفق المساعدات المالية الأميركية على إسرائيل.
بالمقابل تقوم واشنطن بتوظيف ما يملكه عدد من دول النفط من أموال كثيرة في استثمارات سياسية وعسكرية واحتكارية لتحقيق الأرباح والمكاسب، وهي ستستمر في هذه السياسة ما بقيت هذه الدول تنتج نفطاً وتحوله إلى أموال ينتقل معظمها إلى البنوك الأميركية حيث تتحكم من خلالها بحكام الدول وتفرض طرق استخدامها ما يخدم المصالح الأميركية الإستراتيجية.
فالولايات المتحدة تصنع سياسة هيمنتها على العالم بميزانيات دول كثيرة وليس بميزانية أميركية فقط، فأموال نفط السعودية ودول أخرى موجودة في خزائنها، بينما تواجه روسيا الاتحادية والصين سياسة الهيمنة الأميركية بميزانية كل دولة وحدها وبتضافر جهود مشتركة وتعاون مالي يتطلب أشكالا من التحالف والتعاون المشترك مع دول كثيرة.
مع تصاعد الغطرسة الأميركية بدأ عدد الدول المتضررة من سياستها يزداد ويضم دولاً أوروبية وأخرى إقليمية مثل البرازيل وجنوب إفريقيا إلى حد بدأت فيه قدرة الردع الأميركية تتناقص في تأثيرها حتى على دول إقليمية، فها هي إيران وكوريا الديمقراطية وسورية تشكل طليعة الدول الإقليمية التي لم تستطع واشنطن فرض سياستها أو هيمنتها عليها.
يبدو أن منطقة الشرق الأوسط بدأت تشهد الآن تزايد القدرات العسكرية لدول مثل إيران وسورية وتركيا واتساع دائرة الفرز أو التنافس بين مختلف دول المنطقة إلى حد جعل بعض مراكز الأبحاث تعترف أنه من الصعب وضع تصور دقيق لمستقبل العلاقات بين دول المنطقة في السنوات الخمس المقبلة، ولذلك فضلت هذه المراكز عرض سيناريوهات لما يمكن أن ينتج عن علاقات دول متحالفة مع واشنطن مع دول مناهضة لسياسة واشنطن.
مركز «ستراتفور» للأبحاث الإستراتيجية يتوقع بموجب دراسة نشرها في تقريره السنوي لعام 2018، أولاً: ستتجه إيران لزيادة اعتمادها على موسكو والاتحاد الأوروبي بينما ستقوم واشنطن والرياض وتل أبيب بالعمل على تقويض هذا المشروع السياسي.
ثانياً: سيظل موضوع الخلاف الأميركي مع إيران حول اتفاقية (5+1) قائماً وقد يتصاعد من دون أن يؤدي إلى تخفيض قدرات إيران العسكرية والسياسية.
ثالثاً: ستظل المصالح المتعارضة بين إيران وروسيا من جهة مقابل تركيا من الجهة الأخرى عاملاً يفرض تباطؤاً في عملية الحل السلمي في سورية وإنجاز استقرارها لأن الدور التركي ما زال يشكل عاملاً سلبياً في هذا الإطار.
رابعاً: ستنشغل السعودية بأزماتها الداخلية ويضعف تأثيرها في المنطقة.
من الممكن الاستنتاج باختصار أن هزيمة أدوات ووكلاء الإرهاب الذي وظفته واشنطن وتل أبيب ضد سورية والعراق والمنطقة، بدأت تفرض على واشنطن سياسة تريد من خلالها منع تزايد القدرات العسكرية والاقتصادية لإيران بشكل خاص وسورية بشكل عام عن طريق العقوبات الاقتصادية والحصار وهذا ما سوف تفشل في تحقيقه بسبب متانة التحالفات الإيرانية السورية مع روسيا والصين وحلفائهما، وترى مجلة «جيمس تاون» الإلكترونية الأميركية في تحليل ليوري بارمن أن روسيا ستتحول حتى عام 2024 «إلى دولة النفوذ الدائم» وستعزز تحالفاتها مع دول كثيرة في المنطقة إضافة إلى إيران وسورية وحزب الله والعراق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن