قضايا وآراء

لا بديل من تجرع السم ثانية

| عبد المنعم علي عيسى

أخيراً ألقت واشنطن بمطالبها الإثني عشر بوجه طهران على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو يوم الحادي والعشرين من الشهر الجاري، وعلى الرغم من تعدد بنودها إلا أنه يمكن جمعها في رزم ثلاث:
الأولى، وضع البرنامج النووي الإيراني تحت رقابه دولية دائمة حتى ما بعد العام 2025.
الثانية، إلغاء البرنامج الصاروخي البالستي.
الثالثة والأهم، وقف دعم الحركات المناهضة للمشروع الأميركي في المنطقة وبمعنى آخر انكفاء السياسة الإيرانية إلى ما وراء هضابها الجغرافية.
من الناحية العملية تعتبر تلك المطالب تعجيزية وهو ما ذهبت إليه واشنطن قصداً، والأخطر هي أنها تحمل بين ثناياها سعياً غير معلن لإسقاط النظام الإيراني وبدرجة أهم من الرزمتين السابقتين، لكن السؤال هنا هو: هل تبدو تلك المطالب واقعية أو هي قابلة للتطبيق؟ أو على الأقل هل يمكن اعتبارها أرضية يمكن الاستناد إليها في أي مفاوضات مستقبلية؟
في الإجابة عن ذينك السؤالين يمكن القول: إن ما يقف حجر عثرة أمام علاقات إيرانية أميركية طبيعية أو على الأقل كسابق عهدها، هو الاختلاف على رسم الحدود والتخوم التي يبدأ عندها الدور الإقليمي الإيراني وينتهي، خصوصاً في ظل التناقض الصارخ الذي يمثله الموقف الإيراني من تل أبيب ومن المصالح الأميركية في المنطقة بشكل عام، وما ذهبت إليه واشنطن مؤخراً هو محاولة للتأسيس لمرحلة جديدة تختلف بدرجة كبيرة عن المراحل السابقة، وعمادها هو الفصل الذي يحدد علاقة إيران بالمكون العربي القريب والأبعد، والراجح هو أن هذا الفصل الأخير هو الذي تعتبره واشنطن غير قابل للمساومة بعكس باقي البنود السابقة التي ليس من الصعب إيجاد تفاهمات حولها مع الأوربيين.
الأمر هنا أيضاً يطرح تساؤلاً مهماً هو: ما هي آفاق الاتفاق النووي الإيراني بعد إعلان الرئيس الأميركي عن انسحاب بلاده منه؟
في الإجابة أيضاً يمكن القول: إن إنقاذ الاتفاق هو أمر ممكن لكنه صعب جداً، ويتطلب من الأوربيين بذل جهود إضافية مضاعفة تتجاوز بكثير حالة «حسن النوايا» التي جاءت مسؤولة العلاقات الخارجية الأوربية فريدريكا موغيريني على ذكرها في أول تعليق يصدر عن الاتحاد بعد إعلان ترامب في الثامن من الشهر الجاري عن انسحابه من الاتفاق، وربما كانت رزمة المطالب التي أعلنها مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي يوم الخميس الماضي هي في الحدود الدنيا إذا ما كان الأوربيون يريدون فعلاً إنقاذ الاتفاق، والجدير بالذكر هنا هو أن المفاوضات الأوروبية الإيرانية التي تلت الانسحاب الأميركي أظهرت أن استمرار الاتفاق بصيغته السابقة أمر لم يعد ممكناً، وبمعنى آخر ليس مقبولاً أميركياً، وأوروبا الآن تجد نفسها قريبة إلى وجوب إجراء تعديلات توصل إلى اتفاق جديد أو تكون بمنزلة ملاحق للاتفاق السابق.
في الخيارات المتاحة أمام طهران يمكن القول: إنه لا بد من أخذ علاقة الداخل الإيراني بكل احتياجاته ومطالبه مع خارج إقليمي ودولي يبدو أنه عازم على تسعير العداء لطهران، وهو يتحين الفرصة للانقضاض عليها، ولابد أن يؤخذ بالحسبان أن الغرب الآن يراهن على تفاقم الوضع الداخلي الإيراني قريباً، بل على موجة ثانية من الاحتجاجات التي شهدت طهران ومدن أخرى، النسخة الأولى منها في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، أما الوقوف أمام تقارير تقول إن انسحاب واشنطن من الاتفاق قد شهد ترحاباً واسعاً في الداخل الإيراني وتحديداً في أوساط لم تكن مؤيدة يوماً لذاك الاتفاق، والتعريج على أن إيران باتت اليوم القوة الأكبر في غرب آسيا كما أعلن مسؤولون قبل أيام، فذاك سيكون نقط استناد خطرة في صناعة القرار السياسي إذا ما اعتمدت أو كان لها الأهمية الأولى في اتخاذه، وفي ظل التكالب الغربي الإسرائيلي على إيران لإسقاطها لا بديل من التقارب مع الأوروبيين وصولاً إلى الأميركيين.
في صيف العام 1988 اكتشف مرشد الثورة السابق آية اللـه الخميني أن أميركا باتت طرفاً مباشراً في دعم نظام صدام حسين الذي كان قد شن حرباً على طهران منذ حوالي ثماني سنوات من ذلك التاريخ، وعندها أيقن المرشد أن واشنطن لن تسمح بهزيمة العراق تحت أي ظرف كان، ولذا فإن الاستمرار في الحرب يعرض البلاد والجيش لمخاطر غير محمودة عواقبها، فوافق على قرار وقف إطلاق النار وقبيل أن يوقع قال: «أهون علي أن أتجرع السم ألف مرة من أن أقوم بما سأقوم به الآن».
هل في إيران من يرى وجوب تجرع السم ثانية كخلاص أكيد؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن