ظهر المسحّر في القرن السادس للهجرة فهل يودعنا؟
| منير كيال
من المعلوم أن المسحر هو من يقوم بإيقاظ الناس إلى سحورهم بشهر رمضان، ذلك أنه لم تكن هذه الحرفة معروفة زمن رسول اللـه (ص) وإنما كان المسلمون على أذان ابن أم مكتوم ويفطرون على أذان بلال.
وقد اشتهر ابن نقطة بالتسحير، ببغداد، فكان يقوم بتسحير الخليفة الناصر ببغداد، وقد خلفه ابنه بهذه الحرفة.
كما اشتهر الزمزي بتسحير أهل مكة بالقرن السادس للهجرة، فكان يجلس بالصومعة التي بالركن الشرقي من المسجد الحرام وإلى جانبه قنديلان ويقوم بتذكير الناس ودعوتهم إلى السحور داعياً ومذكراً ومحرضاً على السحور، وقد نصب القنديلين بأعلى الصومعة، فإذا حان وقت الإمساك أنزل القنديلين وبدأ أذان الفجر، فمن لم يسمع أذان الفجر يشاهد ما حل بالقنديلين، ويمسك عن الطعام ويصبح صائماً ومما يقوله المسحر وقت الإمساك بذلك الحين:
أيها النوام قوماً للفلاح
اذكروا اللـه الذي أخرج الريح
إن جيش الليل قد ولى وراح
تسحروا غفر اللـه لكم
تسحروا فإن بالسحور بركة
وكان يسحر مدينة دمشق مسحر واحد ويصعد على مكان مرتفع، وهو يمسك طبلاً كبيراً يضرب عليه وهو يقول:
يا سامعين ذكر النبي عالمصطفى صلوا
لولا النبي ما انبنى جامع ولا صلوا
اجت الغزالة تشتكي للنبي قالت يا نبي ولادي
صار لهم ثلاثة أيام بلا ماء ولا زاد
تم تطور وضع التسحير باتساع مدينة دمشق وامتداد عمرانها افقياً وشاقولياً، الأمر الذي نجم عنه زيادة عدد المسحرين لمدينة دمشق، حتى قارب المئة مسحر، وكل منهم يقوم بتسحير الناس بالمنطقة التي توارث حق التسحير بها كابراً عن كابر، ولا يحق له تجاوز هذه المنطقة أو المطاف كونه من حق غيره بالتسحير.
وهكذا كان مسحرو مدينة دمشق يطوفون ليلاً بالأحياء والحارات للقيام بإيقاظ الناس إلى سحورهم، فينادون على أصحاب البيوت كلٍ باسمه، وهم يرددون أماديح أو أقوالاً تحض على الصيام وتحض على الكرم فضلاً عن القدح بالبخل والبخلاء ومن ذلك قولهم.
يا ما سارت لك محامل يا أشرف العربان
حنين بدرك وحنين نورك يا محمد بان
كف النبي نبع الزلال منه
أروى العطاش وجيش المسلمين منه.
ومن أقوال المسحر بالحض على الكرم ونبذ البخل والبخلاء، قوله:
قالوا البخيل مات قلنا استراح الحي منه
كم غزوة عملها وهو حي..
يستاهل الكي بالنار وهو حي
وقد أعطى المسحرون لمدينة دمشق، وقت الإفطار طابعاً طريفاً، بخاصة ما كان بعلاقتهم مع الأطفال الذين كان صيامهم صيام درجات المئذنة أي حتى الظهر، أو من صاموا النهار كله، شأنهم بذلك شأن الكبار، كنت ترى الأطفال بفترة الإفطار يتراكضون إلى المسحر، وقد طلب كل واحد منهم من أهله إكرام المسحر بأفضل الطعام، فترى من هؤلاء الأطفال من يسارع إلى سلة المسحر، ومن يحمل له الفانوس بفرح وحبور وهم يطلبون إلى المسحر أن يقدم لهم أهازيجهم المحببة عن البرغوت أو الضراير أو عن القطة أم زليخ وزوج الاثنتين.
وكان احتفاء المسحرين بليلة السابع والعشرين من شهر رمضان احتفاء مميزاً، فهي ليلة القدر لما لهذه الليلة من مكانة بنفوس المسلمين فبعد إفطار هذه الليلة، وبعد قيام كل مسحر بجولته على المطاف الخاص به، يلتقي مسحرو الشاغور والميدان والقيمرية والعمارة بمقهى السروجي بحي الشاغور، فيتصدر شيخ الكار ونقيب المسحرين والشاويس المكان، وبالوسط خوان مضاء بشموع عددها بعدد المسحرين المشاركين، فيباركهم شيخ الكار، ومن ثم يبدأ الإنشاد وتقديم الأهازيج ومديح رسول اللـه (ص) ويبقون على هذه الحال حتى تذوب الشموع فيخرجون. بعد أن يباركهم شيخ الكار ويثني على جهودهم بتسحير الناس.
ونشير إلى أن اختصاص المسحر بمطاف أو منطقة ينفرد به، فذلك لأن حرفة التسحير من الحرف المتوارثة وللأسرة التي لها حق بتسحير منطقة ما أن تؤجر هذا المطاف لمسحر آخر أو تتنازل عن تسحير هذا المطاف بمعرفة شيخ الكار.