رياضة

المجموعة الثالثة.. بطل بين ثلاثة متأهلين عبر الملحق

| خالد عرنوس

لعل أهم ما يلفت الانتباه في المجموعة الثالثة وجود المنتخب الفرنسي المرشح للمنافسة على دخول نصف النهائي بفضل مجموعة النجوم التي يضمها إضافة إلى ثلاثة منافسين تأهلوا إلى النهائيات عبر الملحق ومنهم بطل آسيا الأسترالي الذي خاض الطريق الأطول نحو روسيا أما الآخران فهما الدانماركي العائد إلى النهائيات بعدما غاب عن النسخة الفائتة والبيروفي المشارك للمرة الخامسة وقد عاد بعد 36 عاماً إلى المونديال… هي مجموعة متوازنة بالعرف الكروي مع ترجيح كفة الديوك والمنافسة ستكون على أشدها بين البقية على البطاقة الثانية.

فرنسا
أحفاد جيل زيزو وشركاه
تدين كرة القدم بالكثير للإنكليز مخترعي اللعبة، ومسني قوانينها، لكن لجيرانهم الفرنسيين فضلاً كبيراً في إطلاق العديد من البطولات الكبرى ومنها كأس العالم وكأس أوروبا للأمم وللأندية، إضافة إلى إحيائهم الألعاب الأولمبية، وتصدر مبادري المشاركة فيها، إلا أنهم انتظروا كثيراً حتى شاهدوا منتخبهم (الأزرق) على منصات التتويج، ففي 1984 دانت لهم كأس أوروبا، وتوّجوا بالذهب الأولمبي، وفي 1998 استطاع (الإيكيب) الظفر باللقب العالمي بقيادة جيل ذهبي بقيت آثاره حتى مونديال 2006 عندما حل وصيفاً، وكان الإنجاز الأفضل قبل التتويج الحلول ثالثاً في مناسبتين؛ أولاهما بقيادة الهداف فونتين الذي مثل نبراساً للأجيال التالية التي برز منها بلاتيني وزيدان وسواهما، وهاهم الفرنسيون يسترجعون ذكريات تلك الأجيال الخالدة بوجود جيل حالي قادر على إعادة الديوك للصياح من جديد.

بداية مبكرة
لم يتأخر الفرنسيون بالتعرف إلى كرة القدم وخاصة أنهم لا يفصلهم عن موطنها الحديث إلا بحر المانش، ولأن ميناء لوهافر أول بقعة فرنسية تطل على المياه الإقليمية فقد كان أولاده أول من تعلق بقطعة الجلد المنفوخ، وبدأت الأندية بالانتشار سريعاً على طول البلاد، ولم يتأخر المنتخب الفرنسي كثيراً حتى ظهر مع بداية القرن العشرين، وفي عام الانضمام إلى الفيفا 1904 كان اللقاء الأول للزرق أمام الجار البلجيكي وانتهت بالتعادل 4/4، وفي الظهور الرسمي الأول تلقى الديوك أقسى هزيمة في تاريخهم، وكانت من الدانمارك بنتيجة 1/17 ضمن منافسات مسابقة الكرة في أولمبياد 1908.

وصول متأخر
أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً هو ما ينطبق على المنتخب الفرنسي الذي كان أول من تحمس للمشاركة في كأس العالم بتشجيع كبير من رئيس الفيفا آنذاك (الفرنسي) جول ريميه صاحب فكرة البطولة برمتها، واكتفى الديوك بشرف تسجيل الهدف الأول مونديالياً، ولم يسجلوا أي نتيجة تذكر خلال أول أربع مشاركات، وفي السويد 1958 حل الزرق ثالثاً عقب فوزهم على الألمان 6/3 بفضل جيل قاده جوانكيه وفنسنت وبيانتوني وكوبا وفونتين، والأخير سجل رقماً قياسياً من الأهداف (13 هدفاً في 6 مباريات) مازال قائماً حتى الآن، وحلّ الفرنسيون رابعاً عام 1982 وبعد أربع سنوات تكرر إنجاز 1958 عبر جيل أكثر توهجاً، على اعتبار أنه نجح عام 1984 بالفوز بكأس أوروبا، وقاده مدرباً هيدالغو، أما عرابه فلم يكن سوى ميشيل بلاتيني ومعه روشتو وفيرنانديز وجيريس وباتس وتيغانا وأموروس، وبين إنجاز السويد وإسبانيا فشل الديوك بالتأهل إلى النهائيات العالمية 1962 و1970 و1974.

ألقاب بالجملة
عقد الثمانينيات الرائع دفعت فرنسا ثمنه كبيراً بالغياب عن مونديالي 1990 و1994، على الرغم من وجود بابان وكانتونا وجينولا وسواهم، ولم يعرف الديوك العودة للعرس إلا عندما استضافت بلادهم النسخة الـ15، وهناك نجح أولاد إيميه جاكيه (زيدان وبوتي وتورام ودوسايي وكاريمبو وتريزيغيه وهنري) بالصعود إلى قمة المجد بعد مشوار صعب في أدوار الإقصاء على حساب البارغواي وإيطاليا وكرواتيا بعكس النهائي الذي جمعهم بالسيليساو البرازيلي حامل اللقب يومها وانتهى فرنسياً بالتثبيت.
ورغم رحيل جاكيه برغبته واصل الديوك تحت قيادة خلفه روجيه لومير حصد الألقاب فتوجوا باللقب الأوروبي 2000، ثم جاءت كأس القارات ولقبين متتاليين 2001 و2003، وبين اللقبين سقط بطل العالم في مستهل طريقه للدفاع عن لقبه في كوريا واليابان.

آخر النجوم المحترمين
بعد السقوط مجدداً في رحلة الدفاع عن اللقب الأوروبي 2004 آثر رمز ذلك الجيل زيدان الاعتزال، لكنه عاد نزولاً عند رغبة الجماهير ليقود الديكة في مونديال 2006، وهناك قدم بطولة للذكرى فبلغ وبواقي ذلك الجيل الرائع نهائي البطولة بعدما تخطى في أدوار الإقصاء إسبانيا والبرازيل والبرتغال، وفي مباراة التتويج اصطدم بالجار الإيطالي، وبعدما سجل زيزو التقدم من جزاء بطريقة أخاذة، انقاد الفريقان إلى التمديد الذي أكمله من غرف تبديل الملابس عقب خروجه بالحمراء إثر اعتدائه الشهير على ماتيرازي، ورغم ذلك فلم يخسر رفاقه اللقب إلا بركلات الترجيح.
عشر سنوات عجاف قضاها الديوك منذ خسارة نهائي برلين، حتى عادوا إلى الموقف ذاته في يورو 2016، فخرجوا من الدور الأول ليورو 2008 وربع نهائي 2012، ومن الدور الأول لمونديال 2010 بعدما بلغوه بشق النفس، ثم من ربع نهائي المونديال البرازيلي، وفي نهائيات يورو 2016 استعادوا ذكريات 1984 و1998 إلا أن الحظ تخلى عنهم هذه المرة، فخسروا بعد وقتين إضافيين أمام البرتغاليين بهدف.

ذكريات الأساطير
اليوم يتذكر الفرنسيون أجيالهم الخالدة فتشكيلة المدرب ديديه ديشان الذي يحلم بتكرار ما فعله زاغالو وبيكنباور تضم في صفوفها توليفة من النجوم القادرين على فعل الكثير بداية من الهداف غريزمان، وانتهاءً بالظاهرة الجديدة كيليان مبابي، ومروراً بالمدافعين رافاييل فاران وصامويل أومتيتي وعادل رامي وجبريل سيديبي ولوكاس ديني وكريستوف جاليه، وفي خط الوسط يبرز موسى سيسوكو وادريان رابيو وبليس ماتويدي وتوماس ليمار والثنائي بول بوغبا ونغولو كانتي، أما في الهجوم فهناك أوليفير جيرو وكيفن غاميرو وعثمان ديمبلي وأنتوني مارسيال.

الدانمارك
مرتزقة الفايكنغ بذكريات الظهور الأول

منذ تأهله إلى مونديال المكسيك 1986 شكل المنتخب الدانماركي ماركة مسجلة على مستوى الصغار، بفضل ما قدمه في تلك البطولة من أداء جميل رغم سقوطه الغريب بالدور الثاني، وفي التسعينيات فجر «الديناميت الأحمر» وهو أحد ألقابه إحدى أكبر مفاجآت كرة القدم عندما توج بطلاً للقارة العجوز، قبل أن يتوج بلقب كأس القارات ليصبح مثالاً يحتذي به الصغار.
منتخب الدانمارك أو «مرتزقة الفايكنغ» بدأ كقوة قادمة إلى عالم اللعبة مبكراً، لكنه تأخر كثيراً، وخاصة أن بلاده لم تعترف بالاحتراف إلا مطلع السبعينيات، وقد جاءت نتائجه سريعة، فتأهل للمونديال للمرة الأولى منتصف الثمانينيات، وتألق قبلها في البطولة الأوروبية، ليبدأ رحلة ولو متقطعة مع البطولات الكبيرة، وهاهو يعود إلى الواجهة من جديد ببلوغه المونديال للمرة الخامسة من باب الملحق الأوروبي من أرض إيرلندا.

إنجازات الهواية
عرفت الدانمارك إحدى الدول الإسكندنافية كرة القدم في وقت مبكر جداً، فقد تأسس اتحادها المحلي 1889، ثم انضم للفيفا سنة التأسيس 1904، وشارك منتخبها في بطولة أثينا الأولمبية (غير الرسمية) 1906 ثم نالت الفضية الأولمبية مرتين متتاليتين 1908 و1912 مع قلة المشاركة، ثم غاب المنتخب الأحمر عن المنافسات بسبب الحرب، وعندما عاد لم يكن بوضع يؤهله للمنافسة مع رفض مسؤوليه الاحتراف، وبعد الحرب نال برونزية أولمبياد لندن، لكنه عندما قرر المشاركة بتصفيات مونديال 1958 خرج بأربع هزائم كاملة، إلا أنه تألق مجدداً في أولمبياد روما 1960 فحاز الفضية بعد خسارته النهائي أمام يوغسلافيا 1/3.
النتائج المخيبة في تصفيات 1958 لم تشجع على المشاركة في تصفيات 1962، ثم كانت العودة في المونديال التالي، واكتفى خلالها بفوز يتيم، وتتالت المشاركات بالتصفيات القارية والعالمية.

الخروج من القمقم
مثَّل الاحتراف منفذاً مهماً للكرة في البلد الشمالي الذي أصبح له نجومه المتألقون في بعض أندية أوروبا الصغيرة، ما انعكس إيجاباً على المنتخب الذي بدأت نتائجه بالتحسن، فمن تعادل يتيم في تصفيات 1974، إلى فوزين في 1978، ثم تضاعف العدد في 1982، وأحدها جاء تاريخياً على الطليان.
وأوروبياً كان التطور أسرع، فمن فوز يتيم ومركز أخير في تصفيات يورو 1980 إلى تأهل تاريخي إلى يورو 1984 بعد التفوق على الإنكليز في ويمبلي، وفي النهائيات رغم الخسارة افتتاحاً أمام المضيف الفرنسي فإنه استطاع الفوز على بلجيكا ويوغسلافيا والتأهل إلى نصف النهائي الذي خسره بالترجيح أمام اللاروخا مكتفياً بهذا الإنجاز، وقد مثل الفريق في فرنسا تشكيلة ضمت 14 لاعباً محترفاً خارج الدانمارك حتى إن الفريق عُرف يومها بالمرتزقة قبل أن يلقبه عشاقه بالديناميت الأحمر.

نهاية الرقم الصعب
لم يخيب ذاك الجيل آمال محبيه، فواصل التألق، وسجل حضوره المونديالي الأول 1986، وتصدر مجموعته بثلاثة انتصارات، فأصبح مرشحاً ليكون الحصان الأسود، إلا أن صعوده الكبير تبعه سقوط أكبر أمام الإسبان مجدداً، وهذه المرة بشكل قاس ليغادر البطولة بغصة فكانت نهاية ذلك الجيل وتوابعه في يورو 1988 حيث خرج من دورها الأول بثلاث هزائم لتكون نهاية مفجعة لحقبة رائعة، ففشل بالتأهل إلى مونديال 1990، ثم فشل آخر بتصفيات يورو 1992.

الانفجار الأروع
«مصائب قوم عند قوم فوائد» هذا ما حدث مع الديناميت الأحمر الذي استدعي على عجل ليشارك في يورو 1992 على أرض الجارة السويد تعويضاً ليوغسلافيا بقرار اليويفا بسبب الحرب الدائرة في الأخيرة، وعلى غير موعد فجر بريان لاودروب وشمايكل ورفاقهما المفاجأة الأكبر في تاريخ البطولة عندما توج بكأسها عقب الفوز على المانشافت في النهائي بثنائية، وكان قبلها أبعد هولندا من نصف النهائي بالترجيح، وفي الدور الأول فاز على فرنسا وتعادل مع إنكلترا وخسر من السويد.
التتويج أنعش المنتخب الأحمر رغم سقوطه في تصفيات مونديال 1994، فقد حقق مفاجأة جديدة عندما فاز بكأس القارات 1995، بتغلبه في النهائي على الأرجنتين، وبلغ النهائيات العالمية 1998، وفيها سجل الإنجاز الأفضل بوصوله لربع النهائي تحت قيادة الأخوين لاودروب، حيث انتهت رحلته أمام البرازيل بعد مباراة رائعة، واستمر الظهور في مونديال 2002، لكنه انتهى عند الدور الثاني، وواصل خوض نهائيات اليورو لثلاث نسخ أخرى متتالية من دون بصمة.

تأرجح
منذ التتويج القاري تأرجحت النتائج بين العادية والمخيبة، فكان الحضور في مونديال 2010 الأخير عالمياً، ومثله ثلاث بطولات أوروبية غاب عنها اختتمت السنوات العجاف بالغياب عن المونديال الأخير، وكل ذلك تحت قيادة المدرب الشهير مارتن أولسن الذي بقي برئاسة الجهاز الفني بين 2000 و2015، وجاءت استقالته إثر الفشل ببلوغ يورو 2016، ليتسلم النرويجي إيج هاريدي المهمة.
بداية المشوار نحو روسيا لم تكن بالمستوى المطلوب، فبعد الفوز على أرمينيا بهدف خسر مرتين على أرض بولندا وأمام مونتينيغرو في كوبنهاغن، وكانت الثانية بمنزلة جرس إنذار، وجاء التعويض بعدم تكرارها فحقق 5 انتصارات أهمها على بولندا بالأربعة وتعادلان كانا مع رومانيا والأخير كان لزاماً من أجل التأهل للملحق.
القرعة أوقعت رفاق شمايكل (الابن) في الملحق مع جمهورية إيرلندا، وحمل الذهاب تعادلاً سلبياً، فكانت رحلة دبلن محفوفة بالمخاطر، وبدا أصحاب الأرض أقرب بعد تقدمهم، لكن لاعبي الديناميت انفجروا بقوة وردوا بخماسية أعادتهم إلى العرس.

أصابع قيد التجهيز
المدرب هاريدي (63 عاماً) لاعب دولي سابق، وكان من أوائل محترفي النرويج في إنكلترا، إلا أن تجاربه التدريبية اقتصرت على عدد من الأندية في البلدان الاسكندنافية، وهي المرة الأولى التي يقود فيها منتخباً وطنياً، وسيكون امتحان روسيا الأهم في مسيرته، وبوسعه الاعتماد على عدد من المحترفين الذين مازالوا يشكلون أغلبية عظمى، وعلى رأسهم كريستيان إيركسن نجم توتنهام، والحارس كاسبر شمايكل (ليستر سيتي) والهداف المخضرم كلاس بيندتنر (روزنبرغ) ويوسف بولسن (لايبزيغ) وأندرييس كورنلويس (أتلانتا) ولاس شون (أياكس) والموهبة الصاعدة بيون سيستو (سلتا فيغو) والقائد سيمون كاير (إشبيلية) ويانيك فيسترغارد (مونشن غلادباخ) والمهاجم الشاب كاسبر ليدبرغ (أياكس) والمدافع الخبير ويليام كيفست (كوبنهاغن).

البيرو
بعد 36 عاماً الأحلام أكبر من العودة
عاشت كرة القدم في البيرو بالصفوف الخلفية في القسم اللاتيني من أميركا، ولم يكن غريباً ذلك الجفاء بين منتخب «الإنكا» والمونديال الذي طال إلى ثلاثة عقود ونصف العقد، بعد حقبة ذهبية كان فيها بين النخبة العالمية، حتى سجل عودته المظفرة إلى روسيا 2018 بعد مشوار حافل اضطر في محطته الأخيرة إلى خوض الملحق الأميركي– الأوقيانوسي، حيث اقتلع تذكرة النهائيات في مباراته العشرين.
شاركت البيرو في أول نسخة للمونديال، ثم عادت بعد أربعة عقود، وكانت فاتحة خير لثلاث مشاركات أخرى بفضل جيل استثنائي قاده كوبيلاس أحد هدافي المونديال تاريخياً، ارتفع فيها مستوى الفريق ليصبح أحد فرق القمة عالمياً، وهاهو يعود للمرة الخامسة بأحلام قد تصل إلى وضع اسم البيرو عالياً من جديد.

غزو مبكر واعتراف متأخر
قد يكون الشعب البيرو في المنحدر بأغلبيته من حضارة الإنكا القديمة أول من عرف لعبة كرة القدم، ففي منتصف خمسينيات القرن الـ19 انتشرت اللعبة في أرجاء البلاد بشكل بدائي عبر المهاجرين البريطانيين والبحارة العائدين أو الآتين من بلد الكرة.
وبدأت نشاطات هذه اللعبة إلى جانب ألعاب أخرى مثل الكريكيت والرجبي، إلا أن تأسيس أندية مختصة تأجل بسبب الحرب مع تشيلي، وعادت اللعبة إلى الانتشار بعناية أكثر عقبها، ومع بداية القرن العشرين ظهر أول ناد مازال قائماً «أينزا دي ليما»، وبدأت الأندية بالتكاثر، وأقيمت أول بطولة وطنية رسمية عام 1912، ومع تأسيس الاتحاد البيروفي عام 1922 أعيدت البطولة إلى الحياة، وعام 1925 انضم لاتحاد (الكونميبول)، وبعد عامين جاء الظهور الرسمي الأول لمنتخب البلاد من خلال كوبا أميركا التي استضافتها العاصمة ليما.

ديدي «أب روحي»
عام 1930 لبت البيرو الدعوة وودعت باكراً عقب خسارتين أمام الأورغواي ورومانيا، وغابت عن المشاركة في التصفيات حتى بطولة 1958 لأسباب مختلفة، وحسب قول بعض المؤرخين فقد عانت كرة البيرو في عقدي الأربعينيات والخمسينيات قمع السلطات العليا في البلاد عقب تتويجها بطلة لأميركا الجنوبية عندما استضافت البطولة عام 1939، فالتف حول المنتخب الكثير من الأنصار والمحبين، فجرى التضييق على أنديتها وممارسيها.
في تصفيات 1958 كانت العودة، لكن البيروفي اصطدم بالبرازيل، وبعدما فرض عليها التعادل خسر في ماراكانا بهدف (ديدي) الشهير، وهذا اللاعب المتوج بكأسي عالم كان أحد أسباب عودة البيرو إلى المونديال، ففي تصفيات مونديال المكسيك 1970 تسلم ديدي المدرب دفة البيرو، وبفضل نجوم أمثال كوبيلاس وشومبيتاز وسوتيل استطاع بمعاونة بوليفية إقصاء أبناء التانغو والتأهل مكانهم، وهناك استطاع التأهل للدور الثاني حيث خسر أمام البرازيل، ليخرج بذكرى هي الأغلى لرفاق كوبيلاس الذي سجل يومها 5 أهداف.

نقطة سوداء
مقابل ذكرى المكسيك الطيبة لطخت بقعة سوداء تاريخ أبناء الإنكا بعدها بثماني سنوات، ففي مونديال 1978 جدد كوبيلاس ورفاقه العهد في مجموعة ضمتهم إلى جانب هولندا واسكتلندا وإيران وتصدروا، قبل أن يقعوا مع عملاقي أميركا الجنوبية في دور الثمانية، وفيه تجرعوا ثلاث هزائم من دون أن يسجلوا أي هدف، والأهم تلك الهزيمة القاسية أمام أصحاب الأرض بالستة والتي قيل فيها الكثير، تراخي زملاء كيروغا لأسباب غير رياضية، وإهداء للأرجنتين بطاقة النهائي.
لم يكن ذلك الحدث ليخفي أن عقد السبعينيات هو الأفضل في تاريخ البيرو فقد توج بكوبا أميركا عام 1975 ثانية بالفوز حساب كولومبيا بعد مباراة فاصلة أقيمت في فنزويلا بعد تبادلهما الفوز.

غياب طويل
جاءت المشاركة الأخيرة للبيرو في مونديال 1982، وفيها لم يحقق أكثر من تعادلين مع الكاميرون وإيطاليا، قبل أن يخسر بقسوة أمام بولندا، ليكون الخروج من البطولة إلى غير رجعة نهاية لحقبة كوبيلاس وجيله، حيث لم تنفع محاولات الأجيال اللاحقة حتى التصفيات المنصرمة.
فقد وقعت الكرة في بلاد جبال الأنديز ضحية لخلافات كثيرة داخل بيتها الداخلي، ورغم تحقيق المنتخب بعض الإنجازات الصغيرة هنا وهناك، إلا أنه فشل بتجديد العهد مع العرس العالمي رغم اقترابه من تحقيق هذا الحلم أكثر من مرة وأشهرها في تصفيات 1998 عندما تخلف عن الركب بفارق الأهداف عن تشيلي، وتراجع بعدها أكثر فحجز مكاناً بين ثلاثي القاع في تصفيات النسخ الأربع الأخيرة.

الرباعي وغاريكا
مطلع العقد الحالي استعاد البيروفيون بعضاً من البريق بحلولهم ثالث كوبا أميركا مرتين متتاليتين، فكان الإنجاز الأخير في تشيلي 2015 حافزاً مهماً للفريق الذي تسلمه الأرجنتيني ريكاردو غاريكا في تجربته الأولى في قيادة المنتخبات بعد رحلة طويلة من قيادة أندية في بلاده وفي كولومبيا والبرازيل، فدخلت كتيبة «لوس إنكوس» التصفيات المونديالية بمعنويات مرتفعة معتمدة على الرباعي الذهبي (غيريرو وبيتزارو وفارغاس وفارفان)، غير أن البداية لم تكن مشجعة فبعد 6 جولات كانت الحصيلة 4 نقاط، فاستغنى المدرب عن بيتزارو (المخضرم) وفارغاس (المتراجع) وفارفان (العاطل)، وقام ببعض التعديلات، فحصد 7 نقاط أخرى أنعشت حظوظه، ومنذ الجولة 15 بدأ رحلة الصعود التي انتهت بالملحق وبطاقة روسيا.

غيريرو وفارفان
قبل خوض الملحق أوقف الفيفا باولو غيريرو هداف المنتخب بالتصفيات لفشله بتجاوز فحص المنشطات، وعليه سيغيب عن النهائيات، وتسلم فارفان الراية ومعه جيل شاب معدل أعماره لا يتجاوز الـ25 سنة وأبرز أفراده: ريناتو تابيا (فينيورد) وأندريه كارليو (واتفورد) وميغيل تورواكو (فلامنغو) وكريستيان كويفا (سان باولو) وإيفان بيلوس (بوافيستا) وبعض النجوم المحليين أمثال: ألبرتو رودريغيز ونيلسون ليولا وفيلدير كارتايينا وأليكس غوميز.

أستراليا
طمع بإنجاز عالمي بعد زعامة آسيا
هي إحدى دول الكومنولث البريطاني، وشعبها تطبَّع بطبائع الإنكليز في كل مناحي الحياة إلا كرة القدم التي عرفت شعبيتها الكبيرة هناك بوقت متأخر كثيراً وسط انشغال أناسها بألعاب رياضية أخرى، حتى إن الذين يمارسونها هناك يعرفون بالسوكيروس.
بسط الأستراليون هيمنتهم على بطولات أوقيانوسيا، حتى جاءت الخطوة الأهم وهي الانتقال إلى القارة الآسيوية، وهناك عرفوا للمنافسة طعماً آخر، لكنهم بقوا على العهد للظهور في أهم بطولات الأرض، بل على العكس أصبح لهم مكان دائم من خلال القارة الصفراء، وها هم يتأهلون للمونديال للمرة الثالثة توالياً، والاختلاف الوحيد أنه يأتي بعد زعامتها آسيا 2015.

أرض جنوب الكرة
تقع أستراليا في أقصى جنوب شرق الكرة الأرضية، ولذلك عُرفت بهذا الاسم الذي يترجم في عدة لغات (الجنوبية)، وعرف شعبها كرة القدم باكراً، لكنها لم تلقَ اهتماماً من شرائح كثيرة، فبقيت (منبوذة) لعقود طويلة، قبل أن يعرف أهل البلاد قيمتها، وتأخذ الكرة مكانها في المقدمة، بعد انتصارات المنتخب الملقب بالكنغارو، وخاصة خلال الألفية الثالثة.
ظهر المنتخب للمرة الأولى 1922، وبقي ضمن الدائرة الضيقة، فخاض عدداً من المباريات الودية مع نيوزيلندا وجنوب إفريقيا وبعض الجزر المجاورة، وتأسس الاتحاد الأسترالي عام 1961، وانضم للفيفا 1963، وأسس مع بعض دول القارة اتحاد أوقيانوسيا 1966.

واقع جغرافي
انطلق السوكيروس إلى المشاركة بتصفيات المونديال بدءاً من 1966، واكتفى بمباراتين مع كوريا الشمالية وخسرهما، وفي تصفيات 1970 خاض 9 مباريات، فتجاوز كوريا واليابان وروديسيا (زيمبابوي)، قبل أن يخسر المرحلة الأخيرة أمام الكيان الصهيوني، وفي 1974 استطاع بلوغ النهائيات للمرة الأولى بتفوقه على عملاقي آسيا يومها إيران وكوريا الجنوبية، وفي ألمانيا وقع في مجموعة الألمانيتين، فخسر أمامهما، وتعادل مع تشيلي، ليكون خروجه طبيعياً.
الوصول إلى كأس العالم جعل اللعبة مشهورة في القارة التي بدأت تتحسس مكانتها، فأصبح فتيان أستراليا أكثر إقبالاً عليها، وتنافس الكنغارو مع جاره النيوزيلندي على زعامة أوقيانوسيا، وتناوبا على الظفر ببطولتها التي انطلقت أوائل السبعينيات، وبلغ الكنغارو المباراة الفاصلة لمونديال 1986 وخسرها أمام اسكتلندا، ثم خسر ملحق 1994 أمام الأرجنتين، ووقف الكيان الصهيوني حائلاً دون وصوله لملحق 1990، وعاد وبلغه عام 1998، إلا أنه سقط بالتعادل وفارق الأهداف أمام إيران، وعادت عقدة الملحق ليقف السيلستي الأورغوياني حائلاً دون نهائيات 2002، ويومها حقق هاري كيويل ورفاقه النتيجة التاريخية الأعلى بتاريخ التصفيات عندما فازوا على ساموا 31/صفر، وسجل منها أرشي تومبسون 13 هدفاً.

أمجاد آسيوية
بعد التتويج الأخير ببطولة أوقيانوسيا 2004، ومع إرهاصات الانضمام للاتحاد الآسيوي، استطاع بلوغ الملحق مرة جديدة بتصفيات 2006، وتجدد الصدام مع السيلستي، وتبادلا الفوز بهدف ليحتكما لركلات الجزاء التي ضحكت لهم مسجلين تأهلهم الثاني إلى العرس العالمي، وهناك في ألمانيا تحسنت نتائجه، فتأهل إلى الدور الثاني بعد التعادل مع كرواتيا، والفوز على اليابان، وفي ثمن النهائي التقى الطليان فخسر بهدف من جزاء متأخرة مشكوك فيها.
مونديال ألمانيا كان المناسبة الأخيرة للكنغارو الأوقيانوسي، ليبدأ رحلة جديدة في القارة الصفراء التي انتسب إليها بحثاً عن منافسة أفضل ومستويات أعلى وأصبح الفريق منافساً كبيراً على البطولات الآسيوية، فاتخذ موقعه الدائم في المونديال.
ففي البطولة القارية بلغ ربع نهائي 2007، قبل أن يخسر نهائي 2011، ثم تربع على العرش 2015، أما على صعيد كأس العالم، فشارك في نهائيات 2010 و2014 وغادر من الدور الأول.

الطريق الأطول
المكانة التي بلغها المنتخب جعلت الأستراليين لا يقبلون بالتراجع، ولذلك طاله الكثير من الانتقادات خلال مشواره إلى نهائيات روسيا، فبعد دور أول خسروا فيه مباراة مقابل 7 انتصارات تجاوزوه بسهولة، بدأت المصاعب في الدور النهائي عندما وقع في المجموعة الثانية، فتعادل أربع مرات وخسر مرة واحدة ، مقابل 5 انتصارات ففشل بالتأهل المباشر، ليقنع بخوض الملحق على البطاقة الخامسة بمواجهة المنتخب السوري الذي لم يكن خصماً سهلاً، ففرض التعادل على لقاءي ماليزيا وسيدني بهدف لكل منها، ليمتد الحسم إلى وقتين إضافيين ابتسمت فيه الظروف للكنغارو فقادته إلى الملحق الأخير.
الخصم كان الهندوراس الذي لم يقوَ على مجابهة لاعبي بوستيكوغلو، فقنع بتعادل سلبي في ملعبه قبل أن يخسر إياباً بثلاثية، فجدد الأسترالي عهده مع المونديال بعد مشوار هو الأطول، خاض خلاله 22 مباراة، وقطع أكثر من 150 ألف كيلومتر.

مدرب جديد
التأهل لم يمنع الإعلام من توجيه النقد اللاذع للمدرب بوستيكوغلو، فتقدم باستقالته تاركاً المهمة للهولندي فان مارفيك، وفي روسيا سيكون الاعتماد على القائد ميل جيديناك، وإلى جانبه خبيرا الوسط مارك ميلغان وجيم تريوسي والشاب توم روييتش والمتألق آرون موي، وفي الدفاع: ترانت سانسبوري وبايلي رايت وعزي بيهيتش وماتيو جيرمان، أما أبرز عناصر الهجوم فهم: تومي يوريتش ونيكيتا روكافايتسايا وروبي كروس وماتيو ليكي وربما يبقى العجوز تيم كاهيل إحدى الأوراق المهمة والحراسة بعهدة ريان (برايتون).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن