عقلية عشوائية وجنون عظمة
| يوسف جاد الحق
الشغل اليومي الشاغل للسيد «دونالد ترامب» رئيس الدولة الأهم، في نظرهم، في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة الأميركية، هو أن يجلس في شرفة البيت الأبيض، أو أمام جمهور من المتفرجين، منتفخ الأوداج زهواً وغروراً ليتحف هؤلاء وسائر مشاهدي الفضائيات، في واسع أرجاء العالم بصورته ممسكاً بقلم وأمامه دفتر مستطيل الشكل، يشبه دفتر دليل الهاتف، ليرينا جميعاً كيف يضع توقيعه الطويل «سطر كامل» على صفحة كاملة، ثم يرفع ذلك الدفتر مفتوحاً على دفتيه لكي يسعد برؤيته والتبارك به، جمهور المشاهدين، لبرهة لا بأس بها بحيث لا يفوت أحد على ظهر هذا الكوكب ذلك المشهد الفريد!
أما مضامين تواقيعه اليومية هذه فهي، يوماً عقاب فنزويلا على انتخابات أجرتها من دون أخذ رأيه، بل إذنه في إجرائها، ويوماً قرار يهب فيه «بني إسرائيل» وعلى رأسهم شريكه وصديقه «أستاذه أو تلميذه لا ندري» المدعو بنيامين نتنياهو، وإلى جانبه تابعه أفيغدور ليبرمان، عامل الملهى السابق في ليتوانيا قبل مجيئه إلى بلادنا فلسطين عقب اغتصابهم وسرقتهم لها والتنكيل بشعبها، يهب لهم أرضاً يحسب أنه يملكها، عقاراً ورثه عن أجداده من قطاع الطرق، الذين أخرجوا من سجونها، ثم نزحوا من البلاد الأوروبية إلى العالم الجديد الذي اكتشفه لهم المغضوب عليه السيد كريستوفر بن كولمبوس، ويوماً ثالثاً يعرض المشهد إياه حاملاً هذه المرة توقيعه «الكريم» يأمر فيه خدمه وأتباعه بنقل السفارة الأميركية من مدينة تل أبيب المجاورة لمدينتنا يافا إلى قدس أقداسنا، معلناً، ببجاحة منقطعة النظير، أنها «عاصمة أبدية» لعصابات الصهاينة، أحفاد شترن والهاجاناه وتسفي ليؤمي، وقادتهم القتلة القدامى بيغن وشامير وبن غوريون وبيريز وموشي ديان، وبقية أفراد العصابة المرموقين، وفي يوم من أيامه يجيء الدور على إيران، بعد أن يمرّ بسورية ليعلن أنه لن يسحب «قواته» من شرقي الفرات، يعلن «إيران» دولة متمردة على الشرعية الدولية، مهدداً إياها عقب انسحابه من الاتفاقية النووية التي عقدها سلفه باراك أوباما، ومعه خمس دول ذات وزن كبير، فضلاً عن إدراجها رسمياً في مجلس الأمن الدولي، أما مضمون تهديده فهو توعدها بالويل والثبور وفظائع الأمور إذا ما هي «فكرت» مجرد تفكير، في العودة إلى عملية تنضيب اليورانيوم، بأي نسبة كانت، منذ الساعة حتى أبد الآبدين، وكأنه يعتقد في قرارة نفسه أنه سوف يظل على قيد الحياة حتى ذلك الأبد، وهي ميزة اعتقد هو أن الله اختصه بها من دون سائر خلقه.
لم تسلم الصين، ولا كوريا الديمقراطية ولا ولا.. من نصيبها في حفلات توقيعه الموصوفة، آنفة الذكر، علماً بأن سائر هذه البلاد، تبعد عن بلاده وراء أعالي البحار بعشرات الآلاف من الأميال، وبرغم ذلك فهو ينصرف إزاءها تصرف المالك بملكه، وهذه الصفة ناتجة عن كونه رجل أعمال سابق «وربما حالي» في تجارة وسمسرة العقارات.
أصل المسألة أن هذا كله، ولاسيما فيما يختص بالشأن الإيراني، عائد إلى رغبة تبلغ حد الهوس لدى رجل العصابة الأكبر، نتنياهو المشار إليه آنفاً، فهذا النتنياهو هاجسه الذي يقض مضجعه في هذه الأيام المصير الوجودي الذي ينتظر إسرائيله، والذي يبشر بنهايتها القريبة على أيدي أطراف حلف المقاومة إيران وسورية والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، والسيد ترامب يعرف أنه جيء به من زعماء المنظمات الصهيونية واليهودية العالمية في أميركا «الآيباك والماسونية وو.. إلخ» فما أكثرها هناك، ولولا تعهده أمامهم قبل دخوله حلبة السياق إلى البيت الأبيض بأن يكون طوع بنانهم في سائر ما يأمرون، بل ما يشيرون إليه بالسبابة، لولا ذلك لما كان لسمسار عقارات مثله أن يحظى بهذا المنصب الرفيع، رئاسة الدولة التي أصبحت الثانية في الأهمية في عالم اليوم، بعد عودة القوة الصاعدة لروسيا بوتين في هذه الحقبة من الزمن.
هو إذاً ينفذ تعليمات، بل رغبات نتنياهو فيبدو وكأنه ينطق بلسانه ونيابة عنه. يشترك الرجلان، على أي حال، في أمور كثيرة منها النزعة التسلطية الإجرامية ومنها الغرور وجنون العظمة والعقلية العشوائية.
إننا نتساءل: ترى من يقود من في هذه المهزلة الجارية نتنياهو يقود ترامب أم العكس؟ أغلب الظن أن الأول هو الفاعل، نتنياهو المخضرم سليل العصابات الصهيونية، خبير الإجرام الإرهابي في عالمنا المعاصر، غير أن النتائج لذلك كله المنتظرة سوف تحبط مخططاتهم وتخيب آمالهم عندما يختفي هذا الوجود الهجين عن أرضنا التي طالت غيبتنا عنها، عودة الشيء إلى أصله والحق إلى أهله هي نهاية المطاف دونما ريب.