سياسة أردوغان ومآلاتها المحتومة
| تحسين الحلبي
منذ الانقلاب الفاشل على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تموز 2016 لم يتوقف أردوغان حتى الآن عن الإعلان بأنه ما زال يقوم بتطهير الجيش ومؤسسات الحكم من الانقلابيين رغم كل أشكال الغموض التي رافقت مرحلة ما بعد الانقلاب وعدم تقديم أي دلائل على هوية الانقلابيين بشكل ثابت وصريح.
قبل أسبوعين جرت حملة اعتقالات طالت عدداً من العسكريين الأتراك بتهمة التخطيط لانقلاب على أردوغان رغم أن ذلك ترافق مع حملات انتخابية للرئاسة والبرلمان في تركيا، وكأن أردوغان لن يتورع عن اعتقال بعض المنافسين في هذه الانتخابات بتهمة «التواطؤ» مع الانقلابيين إذا ما رأى أن التنافس معهم أصبح يحمل أخطاراً على مستقبل حزبه ورئاسته، وبالمقابل يجد أردوغان أنه يلعب بأوراق عديدة وأحياناً يكون بعضها متناقضاً مع ورقة أخرى من دون أن يدفع أي ثمن في هذه اللعبة التي لم تنتهِ منذ عام 2011 ضد سورية والعراق ومصر والمنطقة.
هذه السياسة التي تفتقر لعوامل الثبات والاستمرار، ستتعرض بموجب معظم التوقعات السياسية في تركيا وأوروبا إلى نهاية محتومة، قد يدفع ثمنها في الانتخابات المقبلة أو بعد فوزه فيها فكلتا النتيجتين لن تحول بموجب تسلسل التطورات الأخيرة في تركيا واتهامه بين فترة وأخرى منذ تموز 2016 لعدد من العسكريين بالتخطيط للانقلاب من دون دفع ثمن سياسته الإقصائية والدكتاتورية نفسها.
إذا ما جرى انتخابه رئيساً بكل الصلاحيات التي تنهي قوة ودور البرلمان، وهو ما يمكن أن يحصل بموجب ما رسمه أردوغان، فسوف يتحول إلى «ملك» مطلق الصلاحيات التشريعية والتنفيذية أي إلى سلطان عثماني بثوب رئيس، وهذا ما سوف يؤدي إلى توحيد جميع المتضررين من نظامه الجديد بما في ذلك بعض الفئات داخل حزب العدالة والتنمية وسيضيق بموجب صلاحياته المطلقة هامش التعويل على معارضة سياسته أو تعديل جزء منها ويصبح كل مشروع اقتراح للأحزاب أمام طريق مسدود.
ما يمكن أن يفعله أردوغان في سياسته الداخلية لن يكون قادراً على القيام به في السياسة الخارجية فلها قواعدها وموازين قواها المختلفة تماماً عن ميزانه الداخلي، فأردوغان يحيط به أعداء بشكل مباشر وعلني، وآخرون بشكل غير مباشر وغير علني بعد أن ألحق الأضرار بأكبر عدد من دول الجوار والمنطقة، وهو يفقد جزءاً من قدرات تركيا العسكرية سنة تلو أخرى، على حين أن من يستهدفهم بعدوانه تتزايد قدراتهم العسكرية الذاتية واستقرار جبهاتهم الداخلية أمام تدهور الوضع في جبهته الداخلية، فانتصار سورية وحلفائها سيشكل أول جبهة تناهض كل نتائج سياسة أردوغان في سورية وهي قابلة تدريجياً بأن تفرض عليه دائرة قوة لا يستطيع تجاهلها من العراق إلى إيران إلى سورية وحتى لو بقي الدور محصوراً بهذه القوى الإقليمية التي لن يكون بمقدورها السكوت على سياسته وأهدافها العدوانية.
وبالمقابل سيصطدم أردوغان على المستوى الدولي بواقع يختلف عما كان يراه في عام 2007 يوم كانت روسيا الاتحادية منشغلة ببناء قدراتها وترميم ِأضرار الحصار الغربي عليها، فروسيا اليوم أصبح من الممكن لأوروبا أن ترى فيها شريكاً مقبلاً محتملاً، وإن لم يحدث ذلك فسوف ترى فيها أوروبا قوة عسكرية إستراتيجية تصعب المراهنة على فرض شروطها عليها وفي هذه الحال سيفقد أردوغان ورقة حلفه الأطلسي لأن الواقع قد تغير.
على صعيد الورقة الأميركية التي يحملها أردوغان، فقد تآكل دورها وقيمتها، لأن خروج الوحدات العسكرية من شمال شرق سورية سيكون في مقدمة أولويات جدول عمل إقليمي ودولي تحمله موسكو بشكل جاد ومؤثر أكثر من أي وقت مضى، فأن يصبح أردوغان «سلطاناً» عثمانياً في هذه الظروف فهذا لن يكون في مقدوره فرضه إلا على نسبة من الجمهور التركي، ولكن ليس على المنطقة ولا على أغلبية الشعب التركي.