الأولى

فنزويلا

| تييري ميسان

بينما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يجبر وزارة الدفاع الأميركية على إيقاف الدعم الهائل للجهاديين، كان الجيش الأميركي يستعد للقيام بعمليات، في «الحوض الكاريبي»، مماثلة لما يحصل في «الشرق الأوسط الموسع» منذ عام 2001.
نشرنا قبل حين وثيقة مذيلة بإمضاء قائد القيادة الجنوبية لأميركا اللاتينية، ساوثكوم، أي ما يعادل القيادة المركزية سنتكوم، يتضح منها أن البنتاغون يُعد بالتعاون مع بنما، وكولومبيا، والبرازيل، وغويانا، برنامجا شاملا لتدمير دول ومجتمعات تلك المنطقة، بدءا من فنزويلا.
لم يعلق على هذه الوثيقة في الوقت الراهن، سوى الرئيس البوليفي إيفو موراليس، الذي دعا أيضا إلى مقاومة «الأميركان».
وكما هو الحال لمنطقة الشرق الأوسط الموسع، لا يسعى الجيش الأميركي في المقام الأول إلى وضع عملائه في السلطة، أو الاستئثار فورا بالموارد الطبيعية. لكن، وعلى الرغم من المظاهر الزائفة، فإن هدفهم الرئيسي هو تدمير مؤسسات الدولة، بما يؤدي إلى تعذر تنظيم أي مقاومة لهم.
هناك العديد من أوجه التشابه، من الآن فصاعدا، بين الوضع في فنزويلا، وما جرى في سورية، بدءا من ظهور المعارضة الموالية للولايات المتحدة، ووجود جماعات مسلحة عنيفة تقتل الناس في الشوارع، بينما تدعو إلى الإطاحة بـ«النظام»، فضلا عن انشقاق بعض الضباط، الذين حاولوا خلق نوع من «الجيش الفنزويلي الحر».
لكن الأهم من كل ذلك، هو في مكان آخر: لقد أطلقت الولايات المتحدة حربا اقتصادية واسعة النطاق، إثر تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15 بالمئة في العام الماضي، ووصول التضخم إلى أعلى مستوى له حيث بلغ 18000 بالمئة خلال الأشهر الأربعة الماضية. وصار واضحا أن جميع الشروط أمست مواتية للشعب الفنزويلي كي يُقصي الرئيس مادورو من السلطة.
وتأسيسا على ذلك، نظمت القيادة الجنوبية، ساوثكوم، عملية تخريب الانتخابات الرئاسية التي جرت في 20 أيار، عبر دعوة المعارضة الموالية للولايات المتحدة إلى مقاطعة الانتخابات، والقيام بإضرابات أصابت قطاع النقل بالشلل التام، بهدف منع الناخبين من الوصول إلى مراكز الاقتراع. وقد أعلن المرشح الرئيسي في المعارضة الوطنية صباح يوم الاقتراع، أي قبل أن تبدأ الانتخابات، أنها مزورة، وأنه لا جدوى من التصويت… إلخ.
وقد سبق أن أعلنت الدول الأربع عشرة في مجموعة ليما، قبل البدء بالتصويت، أنها لن تعترف بنتائج الانتخابات.
وكما فعلت كل من فرنسا وألمانيا مع المواطنين السوريين المقيمين على أراضيهما، منعت كندا المواطنين الفنزويليين المقيمين على أرضها، من المشاركة في الانتخابات.
بيد أنه، وعلى الرغم من كل ما حصل، فإن 46 بالمئة من الناخبين قد أدلوا بأصواتهم، وأعادوا انتخاب الرئيس نيكولا مادورو بنسبة 67 بالمئة.
وقد تبين من خلال تحليل مفصل لعملية التصويت، أن الناخبين الذين تجشموا عناء الذهاب إلى مراكز الاقتراع هم في المقام الأول، الشرائح الأكثر فقرا، الذين تتجاوز أعمارهم الأربعين عاما، أي الناس الذين يعرفون كيف كانت فنزويلا قبل ثورة هوغو شافيز، وما قدمه لبلدهم.
لقد أربكت نتائج الانتخابات القيادة الجنوبية، ساوثكوم، فما خطتها اللاحقة إذاً؟
أليس من الخطر بمكان الانخراط فورا بمهاجمة فنزويلا، على غرار ما فعلوا مع سورية، والتعرض لخطر مواجهة مقاومة مماثلة لسورية؟
ويبقى السؤال المحير لساوثكوم: هل ينبغي الهجوم على فنزويلا الآن، أو التريث قليلا لتحقيق المزيد من إفقار الشعب، والمزيد من تقسيم الفنزويليين قبل مهاجمتهم ؟
فضلا عن ذلك، فإن حقيقة أن روسيا قد اعتبرت تصريحات مجموعة ليما تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لفنزويلا، يثبت أن موسكو لم تنخدع بما حصل.
لكن السؤال الأهم هو، في حال تدخل حلف الناتو مباشرة في فنزويلا، هل ستتدخل روسيا بدورها أو لا ؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن