رياضة

الأرجنتين: وصيف أول وآخر بطولة للمونديال

| خالد عرنوس

بالوقائع والأرقام تحتل الأرجنتين مكاناً مهماً على خريطة الكرة العالمية رغم مضي أكثر من ثلاثة عقود على لقبها العالمي الثاني، وقرابة ربع قرن على تتويجها الأخير بكوبا أميركا، فالألبيسيليستي بطل العالم مرتين وكوبا أميركا 14 مرة، أما منتخب الشباب فهو الزعيم المطلق لهذه الفئة، ولا ننسى أن الأولمبي حمل الذهب مرتين متتاليتين عامي 2004 و2008، وكل ذلك من دون التطرق لخوضه ثلاث مباريات نهائية مونديالية أخرى إضىافة لنهائيين أولمبيين، وبالطبع تعد الأرجنتين أو بلاد الفضة، منجماً لا ينضب من المواهب التي شغلت الناس، بداية من مونتي وستابيلي ودي ستيفانو، وليس انتهاءً بميسي أسطورة هذا الزمان، ومروراً بكيمبس ومارادونا أحد أيقونات اللعبة تاريخياً، ورغم كل هذا فقد كان راقصو التانغو مهددين بالغياب عن النهائيات حتى الجولة الأخيرة من التصفيات، وهم المرشحون للمنافسة على اللقب في روسيا على خلفية حلولهم بوصافة النسخة الفائتة.

أرض الفضة والنجوم
في ثمانينيات القرن الـ19 عرفت عاصمة البلاد بوينس آيرس كرة القدم عبر الإنكليز، وسرعان ما تأسست فرق من خلال مدارسها قبل أن تمتد إلى المدن الأخرى، ثم تحولت إلى أندية مازال الكثير منها ينافس في البطولات الوطنية والقارية، مثل بوكا جونيورز وريفر بلايت وايندبندينتي وراسينغ ولانوس، وكان طبيعياً أن يظهر أول منتخب وطني عندما سنحت الفرصة، ولم يكن أول منافس له إلا جاره الشرقي الأورغوياني، حيث لا يفصل بينهما سوى نهر لابلاتا الذي سيكون محور المنافسة بين البلدين في العديد من المناسبات الكبرى ومازال.
ولم يتوانَ الاتحاد الأرجنتيني عن المشاركة في أول بطولة لكوبا أميركا 1916، والتي أصبح أحد أركانها، وخاصة بعد نيل لقبها عام 1921، وتأخرت مشاركات الألبيسيليستي خارج القارة حتى أولمبياد أمستردام 1928، ويومها تجاوز بسهولة ثلاثة أدوار مسجلاً 23 هدفاً قبل أن يصطدم بالجار الشرقي ذاته، ويجبره على مباراة إعادة ابتسمت للسيليستي، فاكتفى أبناء التانغو بالفضة.

وصافة وغياب وسقوط
بعد عامين فقط أعيدت هذه المواجهة من جديد، ولكن في نهائي أول بطولة لكأس العالم، أو كما كانت تعرف بكأس جول ريميه، ويومها عبر الآلاف نهر لابلاتا لتشجيع منتخبهم على الطبيعة طامحين للثأر، إلا أن الخسارة أحبطتهم مجدداً، وانتظر الأرجنتينيون طويلاً حتى نالوا اللقب العالمي، وخلالها امتنعوا عن المشاركة غير مرة لأسباب عديدة ومنها مثلاً خوفهم من تسرب النجوم نحو أوروبا، وهو ما حدث بعد مونديال 1930، ولذلك أرسلوا فريقاً شاباً إلى مونديال 1934، فكان أن عاد أدراجه سريعاً بالخسارة أمام السويد، وهم الذين رفضوا المشاركة في 1938 رداً على عدم تنظيمهم البطولة.
العودة إلى البطولة كانت في النسخة السادسة بالسويد، ويومها خيب أولاد المدرب ستابيلي (هداف النسخة الأولى) الآمال، وسقطوا من الدور الأول بحلولهم أخيراً في المجموعة الأولى بفوز وهزيمتين إحداهما الأثقل لهم في المونديال.
وتكرر الخروج في تشيلي 1962 بفارق الأهداف عن الإنكليز، بعدما جمع المنتخبان 3 نقاط وراء المجر وأمام بلغاريا، وفي مونديال 1966 تخطى منتخب التانغو الدور الأول بالمشاركة مع الألماني ومتقدماً على بطل أوروبا الإسباني، إلا أنه اصطدم بالإنكليز مجدداً، وهناك خسر برأسية هيرست الشهيرة بعد حادثة طرد قائده راتين الأشهر، وفي تصفيات 1970 شكل سقوط أبناء التانغو أمام البيرو مفاجأة كبيرة ليكون الغياب الأخير عن العرس.

لقبان وحقبة ذهبية
في مونديال 1974 تجاوزوا الدور الأول ثم كان السقوط المدوي، وفي 1978 جاءت استضافة بلاد التانغو للحدث فأل خير فقدم الألبيسيليستي بطولة كبيرة، وساهمت معه الظروف ليتوج باللقب للمرة الأولى بعدما تأهل من الدور الأول بخسارة من الطليان، وبلغ النهائي بفضل فارق الأهداف عن البرازيل، بعدما حقق فوزه الأعلى بسداسية على البيرو، وفي النهائي احتاج إلى التمديد ليتفوق على نظيره الهولندي.
رحلة الدفاع عن لقبه في إسبانيا بوجود الأسطورة الصاعدة يومذاك (مارادونا) باءت بالفشل بعد ثلاث هزائم أولاها أمام بلجيكا، والهزيمتان الأخريان في الدور الثاني من إيطاليا والبرازيل، ويومها خرج القزم مارادونا مطروداً كحال فريقه، وثأر مارادونا بعد أربع سنوات في المكسيك عندما كانت له اليد الطولى باستعادة اللقب بعد بطولة جُيرت باسمه، ولاسيما بعدما تألق أمام الإنكليز وسجل بمرماهم هدفين مازالا حديث الناس، ثم ثنائية أخرى بمرمى بلجيكا قبل أن يقهر ورفاقه الألمان في النهائي.
تراجع ووصافتان
لقب 1986 كان الأخير في سجل التانغو، فخسر مارادونا وبقايا الأبطال نهائي 1990، ثم خرجوا من الدور الثاني لمونديال 1994، وسبقهم يومها أسطورتهم دييغو بفضيحة منشطات (مرتبة) من الفيفا حسب تأكيد الأرجنتينيين، ولم يحصل جديد لاحقاً، فكان الخروج من ربع نهائي 1998 و2006 و2010، أما الفضيحة الكبرى فكانت مونديال 2002 عندما غادر البطولة من الدور الأول.
وفي مونديال 2014 قاد ميسي راقصي التانغو إلى النهائي بعد مشوار صعب ومرتبك، إلا أن حلم استعادة الكأس ذهب أدراج الرياح بهدف ألماني متأخر من غوتزه في الوقت الإضافي، وبهذا فشلت الأجيال الأرجنتينية المتلاحقة بالعودة إلى منصة التتويج، رغم أنها حملت دائماً لقب مرشح متميز للمنافسة.
بعد وصافة 1990 جاء التأهل إلى مونديال 1994 شاقاً وهاهو وصيف مونديال 2014 تعذب كثيراً حتى ضمن مكانه في المونديال القادم، فقد بدأ مشواره الروسي بطريقة غير مثالية، حتى استعاد توازنه بين الجولتين الرابعة والسابعة، ثم سارت الأمور بطريقة سلسة حتى الجولة 14، عندما سقط أمام بوليفيا، ثم تعادل بثلاث مباريات أخرى، حتى وصل الجولة الأخيرة مطالباً بالفوز على أرض الإكوادور، وانتظار النتائج الأخرى، وبالفعل تحقق الفوز بفضل ثلاثية ميسي، وجاء سقوط تشيلي ليضع رفاق الأخير في النهائيات.

الأسطورة ورفاقه
من الغريب حقاً عدم فوز الأرجنتين باللقب مع الكم الهائل من نجوم النخبة الذين مثلوه في المونديال منذ حلوله وصيفاً 1990، واليوم على أبواب روسيا لا يختلف الأمر كثيراً، ففريق يقوده ميسي ومعه باولو ديبالا وغونزالو هيغوين وخافيير ماسكيرانو وسيرجيو أغويرو ولوكاس بيليا وفردريكو فازيو ونيكولاس أوتامندي وأنخيل كوريا وجيوفاني لو سيلسو وماركوس روخو لابد أن يكون مرشحاً للظفر باللقب.
يقود الفريق مدرباً خورخي سامباولي الذي يخوض التجربة الأولى مع منتخب بلاده بعد تجربة ناجحة مع تشيلي توجت بلقب أول للاروخا 2015 على مستوى كوبا أميركا، ولأن له فلسفة خاصة، فقد أبعد عدداً من اللاعبين مثل إيكاردي وباستوري وبالعموم فإن سامباولي الذي تسلم الدفة من باوزا (المقال) قبل عام من المونديال مطالب بإنجاز كبير، أما ميسي فيطمح إلى لقب ينقص خزينته الخاصة وبه سيصبح أيقونة التانغو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن