رياضة

آيسلندا: بلد البراكين الذي انفجر كروياً

| الوطن

حقق منتخب آيسلندا خلال خمس سنوات مجداً لم يكن أشد متفائلي ذلك البلد الصغير المكون من جزيرة وسط بحر الشمال ويتبع لاسكندنافيا بالوصول إليه، فقد نجح «الأولاد الذهبيون» ببلوغ نهائيات يورو 2016، وسجلوا نتائج تاريخية قبل أن يغادروا ربع النهائي برأس مرفوعة، وواصل الزرق حقبة التألق خلال التصفيات المونديالية فتصدروا المجموعة التاسعة (الحديدية)، مسجلين الحضور الأول في العرس المونديالي.
الآيسلنديون الذين لا يبعدون كثيراً جغرافياً عن بريطانيا، عرفوا كرة القدم في وقت متأخر نسبياً عبر الدانماركيين الذين احتلوا البلاد، فلم يظهر منتخبهم إلا عام 1930، وكانت وقتها بلادهم تتمتع بحكم ذاتي حتى استقلت عن بلاد الفايكنغ عقب الحرب العالمية الثانية، إلا أن المشاركة الأولى في التصفيات العالمية تأخرت حتى 1958، والطريف أنها شهدت البداية الدانماركية الأولى.

مكسر العصا
انضمت آيسلندا إلى الفيفا منتصف الخمسينيات، ولم يتأخر انضمامها لليويفا، فكانت المشاركة الأولى بتصفيات 1958، وقد أوقعتها القرعة مع فرنسا وبلجيكا، وكما كان متوقعاً لم تحصد أي نقطة، فخسرت مبارياتها الأربع، وتلقت ثمانية أهداف في كل من رحلتي باريس وبروكسل، وخمسة أهداف مرتين في ريكيافيك، ولسبب غير مقنع غاب المنتخب الآيسلندي عن المشاركات سواء التصفيات الأوروبية عدا تصفيات 1964، أو العالمية حتى تصفيات 1974، ويومها تجددت حكاية الهزائم الكاملة التي بلغت 6 أمام هولندا وبلجيكا والنرويج، وعاد الفريق إلى المشاركة بتصفيات يورو 1976، وفيها حل أخيراً لكنه سجل ثلاث نتائج لافتة، فحقق أول فوز رسمي في تاريخه على حساب ألمانيا الشرقية بعد تعادل معه وتعادل آخر مع فرنسا، وفي تصفيات 1978 أوقعته القرعة مع بلجيكا وهولندا وإيرلندا الشمالية، ومرة أخرى حل أخيراً مع تغيير طفيف تمثل بحصد أول فوز في التصفيات المونديالية جاء على حساب الممثل البريطاني.

مشوار حافل بالخيبات
عادت حليمة إلى عادتها القديمة، فخسر الزرق مبارياتهم الثماني في تصفيات يورو 1980، إلا أن تصفيات مونديال إسبانيا شهدت تقدماً نوعياً عندما تخلوا عن المركز الأخير في المجموعة الثالثة، فحلوا رابعاً وراء الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا وويلز وقبل تركيا بفوزين وتعادلين و4 هزائم.
ومرت الأيام ثقيلة عليه، ولم يطرأ أي تطور يذكر حتى العقد الثاني من الألفية الثالثة، فظل الخروج بنتائج لا تغني ولا تسمن، ومغادرة التصفيات باحتلال مراكز متأخرة، ففي التصفيات الأوروبية وحتى 2012 خرج نهائياً من عباءة (متذيل الترتيب) عدا 1996، وفي تصفيات المونديال لم يتغير الوضع كثيراً، فظل رهن الهزائم المتلاحقة، والمراكز الأخيرة التي غادرها مرة في إقصائيات 1994 عندما حل ثالثاً في المجموعة الخامسة وراء روسيا واليونان.

التجربة السويدية
عرف المنتخب الآيسلندي وظيفة المدير الفني عقب الحرب العالمية الثانية كما معظم منتخبات العالم، والغريب أن ثنائياً بريطانيا كان أول من دربه، فقاده فريدي ستاييل وموردو ماكدويل مباراة واحدة وهذه التجربة الثنائية صنعت الأمجاد الحالية للزرق، فعام 2011 أسندت المهمة للسويدي الشهير لارس لاغرباك ورقمه 38 في تاريخ المنتخب، وبقي عامين قبل أن يشاركه المهمة المحلي هيمير هيلرمسون، ومعهما تبدلت الأوضاع رأساً على عقب للأحسن بالطبع.
ففي تصفيات 2014 حل بالمجموعة الخامسة، وسجل إنجازاً غير مسبوق بإحرازه المركز الثاني وراء سويسرا بفارق الأهداف، وأمام كل من سلوفينيا والنرويج وألبانيا وقبرص برصيد 17 نقطة، جمعها من 5 انتصارات وتعادلين و3 هزائم، واقتضى الأمر أن يخوض ملحقاً من أجل حجز البطاقة المؤهلة للبرازيل، وهناك صده الحاجز الكرواتي بعدما تعادلا في ريكيافيك، وفوز الناري في بزغرب 2/صفر.

اللعب على الكبار
الحلم الذي لم يتحقق مونديالياً أصبح حقيقة قارية، فقد استطاع الزرق التأهل ليورو 2016، على حساب هولندا وتركيا وكازاخستان ولاتفيا، إلى جانب المنتخب التشيكي، ويحسب له التغلب على الطواحين ذهاباً وإياباً، والمهم أنهم أصبحوا أصغر دولة أوروبية تلج نهائيات بطولة كبرى، ولم تكتف بذلك فواصلت التألق هناك فتأهلوا إلى الدور الثاني وصيفاً لبطل المجموعة السادسة بفارق الأهداف وراء المجر ونقطتين أمام البرتغال بتعادلهم مع الأخيرة 1/1 والأولى 1/1 قبل أن يهزموا النمسا 2/1.
إلى هنا اعتبر ما حققه (الأولاد) ذهبياً، لكنهم لم يقفوا عند هذا الحد، ففي دور الـ16 فجعوا جيرانهم الجنوبيين (الإنكليز) بالفوز عليهم صانعين تاريخهم الخاص بخوض ربع النهائي، وهناك توقفت ثورة بركانهم عند حدود أصحاب الأرض الأكثر واقعية بنتيجة ثقيلة 2/5، لم تكن لتنسي العالم الفريق الصغير الذي تحول حسب تعبير أحد نجومه من سمكة سردين سهلة الهضم إلى قرش مخيف يحتل مكانة جيدة في خريطة كرة القدم الأوروبية.

بين النخبة
تلك المقولة أثبت أولاد هيلمرسون واقعيتها من خلال تصفيات مونديال 2018 عندما نافسوا أوكرانيا وكرواتيا وتركيا على بطاقة النهائيات والملحق، وفي النهاية كسبوا الرهان مستفيدين من المنافسة الرباعية ومن نتائج الآخرين، فبعد 7 نقاط من ثلاث جولات خسروا للمرة الأولى من الفريق الناري، لكنهم ردوا الدين في الجولة السادسة، أما الهزيمة الثانية فجاءت بشكل مفاجئ أمام الجار الفنلندي، إلا أن العودة المظفرة بثلاثة انتصارات متتالية في الجولات الأخيرة، وأهمها على الأتراك في أرضهم جعلهم قريبين من موسكو، الشيء الذي أكده الفوز على كوسوفو ختاماً، ليحقق أولاد بلد البراكين أكبر انفجار كروي بتاريخهم، وباتت آيسلندا أصغر دولة أوروبية تتأهل إلى المونديال.

الحمم «سون»
«لقد خسرنا من بلد عدد البراكين فيه يفوق عدد اللاعبين المحترفين».. هذا ما قاله غاري لينيكر عقب هزيمة منتخب إنكلترا أمام آيسلندا، وهذا لم يكن للسخرية بل هو أمر واقع في بلد كان يمارس كرة القدم صيفاً قبل إنشاء عدد من الملاعب ذات العشب الصناعي، ولا يمكننا ذكر كرة القدم الآيسلندية من دون المرور على إيدور غوديونسون أشهر لاعب مثَّل البلد في تشيلسي وبرشلونة، وكان أحد أعضاء الفريق المشارك في يورو 2016، الذي اعتزل بعدها على مشارف الـ38 من العمر.
ولكن كثيرين حملوا الراية، وبالطبع فكلهم من الأسماء التي تنتهي بـ»سون» ومنهم القائد آرون غونارسون (كارديف سيتي) وجيلفي سيغورسون (إيفرتون) وجون برغ غودمونسون (بيرنلي) ومار سيغيورنسون (غراسهوبر) وكاري أرنسون (إبردين) والشاب غومندسون (إيندهوفن) وبيركر بيارناسون (استون فيلا).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن