نيجيريا.. النسور الخضر يعودون للتحليق من جديد
| الوطن
أبطال إفريقيا عائدون لتخطي كل أسلافهم
نيجيريا من القوى التقليدية في القارة الإفريقية منذ صعود نجمها منتصف السبعينيات، فتوج بطلاً للقارة 4 مرات أولاها عندما استضافت بتغلبها على الجزائر 3/صفر بنهائي 1980، وآخرها عندما نفضت غبار السنين في مشاركتها الأخيرة عام 2013، وبينهما سطر النسور الخضر عدداً آخر من الإنجازات أهمها التتويج بالذهبية الأولمبية (أتلانتا 1996) في أوج تألق نجوم نيجيريا الذين قهروا في طريقهم إلى التتويج البرازيل والأرجنتين، هذا عدا ظهورهم في خمسة مونديالات أولها عام 1994 وآخرها في المونديال الفائت، حيث انتهت رحلتهم عند الدور الثاني.
نيجيريا التي تمتلك الكثير من المواهب الرائعة صاحبة صولات وجولات شُبِّه منتخبها يوماً بالهولندي صاحب الكرة الشاملة، لكنها أقرب شبهاً بالآتزوري الإيطالي في كثير من النواحي، ولاسيما في طريقة صعودها الرهيب وسقطاتها الغريبة، كما حدث مع الخضر في غير مناسبة منذ قرابة ربع قرن، فكان تتويجهم مفاجئاً في بعض المناسبات، وهزائمهم في أخرى جاءت مدويةً.
بدايات وقفزات
تقع نيجيريا وسط غرب القارة الإفريقية وتشتهر بمواردها الطبيعية البشرية الكبيرة، و احتلالها من بريطانيا العظمى جعل شبابها يتعلقون بكرة القدم التي تعرفوا إليها منذ دخول الإنكليز عام 1914، وعقب الحرب العالمية الأولى بدأت تظهر الأندية التي تمارسها، وخاصة في العاصمة القديمة لاغوس، وانتظر أهل البلاد الغنية بالنفط والغاز والموارد الطبيعية الكبيرة حتى نهاية الحرب الثانية ليروا منتخباً أهلياً يمثلهم، وكان ذلك عام 1959 تماشياً مع انضمام الاتحاد النيجيري إلى الاتحاد الإفريقي الوليد، وذلك بعد 4 أعوام من تأسيس الاتحاد المحلي.
ترافق ذلك مع آخر عهد الاستقلال الذي أنجز عام 1960، ومعه جاء الانضمام إلى الفيفا، وانطلق المنتخب الذي بات يُعرف بالنسور الخضر إلى المشاركات الخارجية، فبدأ بتصفيات كأس إفريقيا وكأس العالم بنسختي 1962، وتأهل إلى نهائيات القارة عام 1963، ثم غاب حتى نسخة 1976، ويومها احتل المركز الثالث، ثم كرر ذلك بعد عامين قبل أن يستضيف بطولة 1980 واستطاع أن يظفر باللقب، ومنذ ذلك التتويج بات النسور رقماً صعباً في البطولة.
بصمة هولندية
تزامن الظهور القاري مع المشاركة بتصفيات المونديال حيث لم يتغيب الخضر عنها إلا في 1966 عندما كان غياب إفريقيا جماعياً، إلا أن الحظ لم يحالفهم، فكان السقوط في الجولات الأخيرة مصيرهم حتى مونديال 1994 حيث سجلوا حضورهم الأول عقب تفوقهم في المرحلة النهائية على الجزائر وغانا، وذهبوا إلى نهائيات أميركا مكللين باللقب القاري للمرة الثانية بتاريخهم، وبأداء رفيع صنعه جيل رائع، ووظفه جيداً المدرب الهولندي ويسترهوف، ونجحوا ببلوغ الدور الثاني بعد فوزين على بلغاريا واليونان وخسارة من الأرجنتين، وفي دور الـ16 اصطدموا بالطليان وخرجوا بعد 120 دقيقة خاسرين 1/2 بعد تقدمهم بهدف تاركين انطباعاً جميلاً، وتكرر هذا الأمر في فرنسا 1998، وبشكل أكثر قوة بالفوز على إسبانيا وبلغاريا ولم تؤثر الخسارة من البارغواي، وفي ثمن النهائي جاء السقوط أكثر قسوة أمام الدانمارك.
بين المونديالين المذكورين دخل الخضر تاريخ الكرة العالمية من الباب الواسع، عندما توج بالذهب الأولمبي على حساب الأرجنتين 3/2 بعد نهائي مشهود وقبل نهائي أقوى على حساب البرازيل رونالدو وبيبيتو وبنتيجة 4/3، وقد أشرف على تدريبهم هولندي آخر يدعى بونفرير، ومن أبرز أسماء ذلك الجيل: أوكوشا وكانو وبابانجيدا وإيكبيبا وأوليسيه وأمونيكي وكل هؤلاء ومعهم آخرون شغلوا أماكن أساسية مع كبريات الأندية الأوروبية.
عودة خجولة
وصول بعض النجوم من ذلك الجيل وسواهم إلى العالمية جعلهم لا يعيرون أهمية للمنتخب الوطني الذي واصل الظهور المونديالي في 2002، لكنه خرج من الدور الأول، وفشل باستعادة اللقب الإفريقي، وغاب عن مونديال ألمانيا 2006، وعندما عاد إلى نهائيات 2010 تكرر الخروج من الدور الأول، وبعد سقوط مفاجئ في تصفيات أمم إفريقيا 2012 استرد التاج القاري بعد عام واحد في جنوب إفريقيا، لكنه نجح بالتصفيات العالمية وتأهل إلى البرازيل 2014 للمرة الخامسة، وهناك استرجع بعض الذكريات الجميلة بتجاوز دور المجموعات بفوز على البوسنة وتعادل مع إيران وخسارة متجددة من الأرجنتين، وفي الدور الثاني جاء الخروج منطقياً أمام الديوك بهدفين متأخرين.
المشاركة في المونديال الماضي والقادم ترافقا مع تراجع قاري غريب لمنتخب بحجم النيجيري، ففشل ببلوغ النهائيات القارية في النسختين الأخيرتين فكان لابد من الرهان على التصفيات المونديالية، وفيها نجح الفريق الذي يقوده الألماني جيرونت رور بضمان بلوغه النهائيات السادسة بعد خمس جولات فاز في أربع منها في المرحلة الحاسمة وتعادل بواحدة وخسر واحدة قانوناً والمدرب هو الألماني الخامس في تاريخ النسور، وأول أجنبي منذ 2010 بعد 7 مدربين محليين شغلوا هذا المنصب خلال هذه الفترة.
نسور خارج السرب
كما هي العادة منذ قرابة ربع قرن فإن معظم التشكيلة النيجيرية التي سجلت التأهل وستكون في روسيا من الطيور المهاجرة التي إما احترفت خارج البلاد أو نشأت بعيداً عنها قبل أن تختار ارتداء الزي الأخضر للنسور، ويقود الفريق في النهائيات المخضرم جون أوبي مايكل لاعب جيانجين الصيني حالياً ولاعب تشيلسي لسنوات طويلة، ولعل أشهر الأسماء التي يُعوَّل عليها فيكتور موسيس مهاجم تشيلسي ومعه مهاجما ليستر سيتي كليشي إيهاناتشو وأحمد موسى، وفي الخط الأمامي أيضاً أليكس أيوبي (آرسنال).
وفي الخطوط الخلفية هناك إلديرسون إشيجبيلي (سيركل بروج البلجيكي) وليون بالوجين (برايتون) وأوليه أينا (هال سيتي) ومايكل أجو (بورصة سبور التركي) واوديون إيغالو (شانغشون الصيني) ونواه بازي (هانوفر الألماني) وإيزاك سوكيس (واتفورد الإنكليزي) وآرون أولاناري (سسكا موسكو الروسي).
مشكلة مزمنة
عانت المنتخبات الإفريقية من دلال النجوم وجشعهم عندما يلعبون مع منتخباتهم، وخاصة في المناسبات الكبيرة، ولعل للنيجيريين بالذات حكايات سابقة مع هذه المعضلة، وهو ما اعتبره المراقبون أحد الأسباب المهمة لعدم سير النسور إلى أبعد من ثمن نهائي المونديال، ولنا فيما حدث في البرازيل 2014 أكبر دليل وخير مثال، ويومها امتنع معظم نجوم الفريق عن إجراء التمارين عقب تأخر مكافآت المشاركة في الدور الأول للمونديال، ما أجبر الاتحاد المحلي على إرسال 4 ملايين دولار (نقداً) إلى البرازيل مع أحد أعضائه لحل هذه المشكلة.
وبما أن المدرب «رور» الذي سيحتفل بميلاده الـ65 أثناء المونديال درس الأفارقة جيداً من خلال قيادته لمنتخبات الغابون والنيجر وبوركينا فاسو بين 2010 و2016 عندما تسلم دفة قيادة النسور، فقد حذر من هذا الأمر في أول رد فعل بعد ضمانه التأهل إلى المونديال، وطالب الاتحاد بحل المشكلة مبكراً وقبل ابتداء البطولة، لأنها ستزعزع ما بناه خلال العامين الأخيرين.