معركة الجنوب المنتظرة: سلماً أو حرباً!
| بسام أبو عبدالله
لا تخلو وسائل الإعلام العالمية من الأخبار العاجلة حول احتمالات معركة الجنوب السوري، أي درعا ومحيطها، حيث تتزايد الحشود الضخمة للجيش العربي السوري من أجل التحضير لهذه المعركة المفصلية فهل ستتجه الأمور نحو الحسم العسكري، أم ستنجح المفاوضات المكثفة التي تجريها موسكو مع الأطراف الداعمة للتنظيمات المسلحة والإرهابية في تلك المنطقة.
دمشق تبدو مرتاحة للغاية بعد الإنجازات العسكرية الكبيرة التي تحققت في الغوطة الشرقية، وإنهاء وجود الإرهاب في محيط دمشق في مخيم اليرموك ومدينة الحجر الأسود، إضافة للتسويات التي تمت بسرعة في ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، وهو ما جعل نائب وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد يتحدث عن احتمالات التوجه شمالاً، أو جنوباً، مع إيضاح أن الهدف الاستراتيجي هو تحرير آخر شبر من الأراضي السورية من دنس الإرهاب وداعميه.
لكن ما حسم الأولويات تجاه الجنوب كما كان الأمر في كل المعارك الأخرى، عدة اعتبارات منها:
1- أولوية قطع اليد الإسرائيلية الأميركية الممتدة في تلك المنطقة الحساسة في ريفي القنيطرة ودرعا القريبين من العاصمة دمشق.
2- بالرغم من العنتريات الإسرائيلية فقد ظهر أن كيان الاحتلال ليس لديه القدرة على تحمل حرب طويلة قد تنشب في تلك المنطقة، وإبداء سورية وحلفائها الاستعداد لذلك، عبر الاشتباك الأخير في الجولان المحتل، ومطالبة إسرائيل بوقف التصعيد فوراً.
3- فشل الجماعات المسلحة الإرهابية المدعومة من واشنطن وتل أبيب في إنجاز أي تحولات، أو تغييرات ميدانية تضيف رصيداً جديداً لداعميها، بل ظهر أنها عبء إضافي على مشغليها واشنطن وتل أبيب وعمان، وخاصةً بعد هزيمة ما تبقى من قوى الإرهاب المتقدمة التي كانت تحيط بالعاصمة دمشق في الغوطة الشرقية والمخيم والحجر الأسود.
4- انتهاء مدة اتفاق خفض التصعيد في 10/5/2018، وعدم قيام الضامنين الأردن والولايات المتحدة بأي جهد من أجل تحقيق روحية هذا الاتفاق أي إنجاز مصالحات، وتسويات تهدف لعودة الأمن والاستقرار لتلك المناطق، مع سعي أميركي مكشوف لإبقاء هذه المنطقة ورقة بيدها للتفاوض السياسي.
5- عدم وجود رغبة أميركية بالتصعيد، واحتمالات توسع الحرب، وانجرار واشنطن لمستنقع المنطقة الذي حاولت لسنوات تفاديه عبر الحروب بالوكالة بالرغم من التحذيرات الأميركية المعلنة، والتهديدات الصادرة عن الخارجية الأميركية.
6- أهمية تلك الجغرافيا في بعدين:
أ- البعد الاقتصادي كعقدة مواصلات، وكمعبر حدودي مهم معبر نصيب.
ب- البعد المرتبط بالجولان السوري المحتل، ومحاولات إسرائيل الضغط على واشنطن لإصدار صك يقر بالسيادة على هذه الأرض السورية المحتلة، وعودة الجيش العربي السوري للتمركز في تلك المناطق الحساسة سيعيد الأمور لنقطة الصفر بالنسبة للأهداف الإسرائيلية من الحرب على سورية.
إن مجمل هذه الأولويات، والتغيرات على الساحة السورية دفعت القيادة السورية بدعم روسي واضح للتوجه جنوباً، وهو ما سوف يشكل عامل ضغط على أطراف اتفاق خفض التصعيد وبشكل أساسي واشنطن، التي تقول المصادر الإعلامية: إن مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد كان قد نقل للروس اقتراحاً لمنع العملية العسكرية السورية مقابل عودة مؤسسات الدولة السورية، وتمركز الجيش العربي السوري كما كان الأمر سابقاً، الأمر الذي يفسر ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن القوات الوحيدة التي يحق لها التمركز في الجنوب هي الجيش السوري، ولكن كل المعلومات تتحدث عن أن ذلك مقابل انسحاب ما يسمونه قوات إيرانية إلى مسافة 40 كم عن الحدود مع الجولان المحتل!
تبدو الأمور تسير باتجاه إنجاز هذا الاتفاق سلماً لأنه كما هو واضح لا تريد الأطراف المعادية لسورية أي تصعيد في تلك المنطقة قد يؤدي إلى حرب واسعة، كما أن هذه الأطراف قد أصبحت شبه مسلمة بأنه بعد سنوات سبع من الحرب على سورية لا إمكانية في تغيير المعادلات الاستراتيجية نتيجة فشل كل أدوات الحرب بالوكالة في تحقيق الأهداف الموضوعة اللهم باستثناء التدمير والتخريب الاقتصادي والعمراني والاجتماعي، وهو أمر لا يمكننا التقليل من شأنه، ونتائجه على سورية، لكن أي حرب مفصلية كالحرب السورية لا شك أن فيها خسائر وتداعيات إلا أن الأهم هو إسقاط أهدافها الاستراتيجية التي كانت يمكن أن تكون خطرة للغاية على سورية نفسها، وعلى جغرافية المنطقة، والعالم كما يقر بذلك كل الخبراء، وكبار السياسيين في هذا العالم.
في حال عدم نجاح المفاوضات والتسويات، كما تريدها الدولة السورية فإن التحضيرات للعملية العسكرية تتم على قدم وساق، وهي تشبه إلى حد كبير ما جرى في مناطق أخرى أكثر تعقيداً مثل الغوطة الشرقية، من إلقاء المناشير كإنذار أخير للمسلحين بضرورة اللجوء للتسويات لأن مصيرهم محتوم، إلى الخطط العسكرية التي أصبحت جاهزة للتنفيذ والتي تأخذ بالاعتبار وجود المدنيين أولاً، والتخفيف قدر الإمكان من التدمير الذي قد يصيب البنى التحتية، وتقطيع المناطق وعزلها، ثم الضغط من أجل التسويات أو الهزيمة العسكرية، وهو السيناريو المحتمل كما أشرت في حال فشل المفاوضات التي تخوضها موسكو مع الأطراف الداعمة للإرهاب وعلى رأسها واشنطن، وتل أبيب.
تبقى قضية الوجود الإيراني التي يثيرها الإعلام الصهيوني والخليجي والغربي كثيراً، ويضخمها لتحقيق أكثر من هدف منها: إظهار الدولة السورية بمظهر الضعيف، وأن الصراع مع طرف قوي هو إيران، وليس مع الجيش السوري، لأن القول: إن الصراع مع الجيش العربي السوري سيظهر قوة سورية بعد سنوات سبع من الحرب الدامية، والقذرة عليها، وهو أمر لا تريده قوى محور العدوان إظهاره سياسياً وإعلامياً.
في كل الأحوال: السفير الإيراني في عمان كان قد أوضح في حديث لصحيفة «الغد» الأردنية أنه لا وجود لقوات إيرانية في الجنوب، وأنهم لن يشاركوا في معركة درعا، كما أنهم لم يشاركوا في معارك الغوطة والمخيم والحجر الأسود، وهذا التصريح يعكس رغبة إيران في تسهيل جهود موسكو لإنجاز وضع الجنوب سلماً، أما بالنسبة للتعاون الإيراني السوري، والدعم الإيراني لسورية في مجال مكافحة الإرهاب فهو أمر تقرر الحكومة السورية شأنه بالاتفاق مع طهران، بعد أن تنتهي المخاطر القائمة للإرهاب ولا حاجة لإثارته حالياً.
الهدف الأميركي الإسرائيلي الآن هو محاولة ضرب أمرين: التعاون السوري الروسي الإيراني وأيضا مع حزب الله، وبذر عوامل الشقاق، وضرب التعاون الثلاثي الروسي الإيراني التركي عبر أستانا، وهما أمران يجب أن ننتبه إلى مخاطرها في المرحلة القادمة، فحلف مكافحة الإرهاب يهدف إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى سورية، ودعم الحل السياسي، وانتقال سورية إلى مرحلة التعافي، والاستقرار التدريجي وهي أهداف مشتركة لقوى الحلف وخاصة موسكو وطهران، وتضخيم المعلومات التي تروج لا يخدم هذا الحلف، إنما يخدم الحلف الداعم للإرهاب، وكل شيء يجب أن يناقش في وقته، وزمانه.