ثقافة وفن

اختيرت من بين أجمل عشر نساء في العالم … مديحة يسري.. سمراء النيل التي غنى لها … محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزي

| وائل العدس

عن عمر ناهز الـ97 عاماً، فارقت الممثلة المصرية مديحة يسري الحياة بعد صراع مرير مع المرض، وقد قضت سنوات عمرها الأخيرة تتنقل باستخدام كرسي متحرك، إلى أن ضعفت صحتها ولزمت فراش المرض.
كانت تعاني من شدة الألم في أيامها الأخيرة، وكان آخر ما قالته لزوارها الفنانين: «بقالي عامين من مستشفى لآخر لكن الحمد لله، المهم ابقوا زوروني عشان ده اللي بيخفف تعبي، ثم كانت كلمتها الأخيرة: «هتوحشوني».
إنها هانم السينما المصرية التي غنى لها العظماء محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزي، وهي التي اختيرت كواحدة من بين أجمل عشر نساء في العالم خلال حقبة الأربعينيات، وامتدت مسيرتها الفنية الحافلة لأكثر من سبعة عقود.

السينما المصرية والعربية فقدت نجمة كبيرة أثرت الساحة الفنية بأعمالها التي ستظل خالدة أبد الدهر وتركت إرثاً فنياً ضخماً يتعلم منه الأجيال.
وأكدت قبل وفاتها أنها ليست خائفة من الموت، وأن مصيرها سيكون الجنة، قائلة: «أنا عارفة أن باب الجنة مفتوح ليا، لأني حجيت ست مرات وعملت ١٧ عمرة، وبربي بنت يتيمة، وابني عمرو ٢٧ سنة صدمته عربية وراح فيها، والمفتي السابق قال لي: «عمرو مستنيكي على باب الجنة بأفعالك، وبالحادثة اللي راح فيها».

مسيرتها
ولدت عام 1921 بالقاهرة، واسمها الحقيقي «هنومة حبيب خليل علي»، اكتشفها المخرج محمد كريم وقدمها للمرة الأولى في فيلم «ممنوع الحب»، حيث ظهرت في أحد المشاهد ككومبارس تبتسم.
ولفتت ملامحها الشرقية أنظار الفنان يوسف وهبي، ليتيح لها فرصة كبيرة للعمل به بثلاثة أفلام دفعة واحدة، وهي «ابن الحداد»، «فنان عظيم»، «أولادي».
وانطلقت بعدها في تقديم باقة من أشهر الأعمال التي تعتبر من كلاسيكيات السينما العربية، أبرزها: «لحن الخلود»، «وفاء»، «آمنت بالله»، «ياسمين»، «المستقبل المجهول»، «ابن عنتر»، «أمير الانتقام»، وغيرها من الأعمال.
وقدمت «سمراء النيل»، كما كانت تعرف، أكثر من 90 فيلماً، بعضها من كلاسيكيات السينما المصرية مثل «حياة أو موت» مع الفنان عماد حمدي، و«الخطايا» مع المطرب عبد الحليم حافظ، و«أيوب» مع الممثل العالمي عمر الشريف.
وكان آخر أعمالها السينمائية فيلم «الإرهابي» مع الفنان عادل أمام في عام 1994.
وعلى شاشة التلفزيون، قدمت 12 مسلسلاً منها «هوانم غاردن سيتي»، و«وداعاً يا ربيع العمر»، و«الباقي من الزمن ساعة».
ودخلت مجال الإنتاج السينمائي، فأنتجت عدة أفلام منها «الأفوكاتو مديحة» في عام 1950، و«وفاء للأبد» في عام 1953، و«قلب يحترق» في عام 1959.
وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، عينها الرئيس السابق حسني مبارك عضواً بمجلس الشورى المصري.

زيجاتها
وفي حياة الفنانة الراحلة أربع زيجات، وكان أول أزواجها المطرب محمد أمين، واستمر زواجهما لمدة 4 سنوات، وبعد انفصالهما تزوجت عام 1946 من الفنان أحمد سالم، الذي رحل بعد 3 أعوام من زواجهما، بعد أن ربطت بينهما قصة حب كبيرة.
وتعد الزيجة الثالثة الأشهر والأهم، فقد تزوجت الفنان محمد فوزي بعد أن جمعهما الحب أثناء تصوير فيلم «قبلة في لبنان»، ليعلنا ارتباطهما الرسمي عام 1952، ليكونا معاً من أشهر الثنائيات في تاريخ السينما المصرية، وأثمر زواجهما عن ابنهما «عمرو»، إلا أنهما انفصلا بعد زواج دام 10 سنوات.
وفي عام 1972، تزوجت من الشيخ إبراهيم سلامة الراضي، مؤسس الطريقة الشاذلية الصوفية، إلا أنها وبعد 3 سنوات من زواجهما قررت الانفصال، بعدما علمت بخبر رجوعه مرة أخرى لزوجته الأولى، وهو ما لم تقبله.

آخر ما طلبته
«مشمشية» و«تين» هو آخر ما طلبته من مديرة أعمالها سهير محمد التي ذكرت أنها تحدثت مع الفنانة الراحلة مساء الإثنين، وقبل دخولها غرفة العناية المركزة، وطلبت منها الفنانة رؤيتها في اليوم التالي في المستشفى، كما طلبت منها إحضار «مشمية وتين» لإضافتها للبن الذي تتناوله.
وقالت إنها ذهبت إلى المستشفى في اليوم التالي لتفاجأ بنبأ وفاتها بعد إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية، مضيفة أن الفنانة الراحلة كانت تعاني وجود مياه على الرئة ومشاكل في الكلى.

قالوا عنها
روى الفنان سامح الصريطي، تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة الراحلة فقال إنه كان آخر الفنانين الذين قاموا بزيارتها قبيل وفاتها بساعات، بصحبة دلال عبد العزيز وإلهام شاهين ودنيا سمير غانم.
وأضاف: إن الفنانة الراحلة عاتبته على انشغاله عنها وتأخره في السؤال عليها وعدم زيارتها منذ بداية رمضان، مضيفاً إنها كانت تهتم بتفاصيل مظهرها رغم وجودها على فراش المرض.
ولفت إلى أنها أخبرته بشدة الآلام التي كانت تعانيها بجانب (كحة) شديدة ومشاكل في الرئة، وأنها كانت ترغب في قضاء آخر أيامها بمستشفى المعادي العسكري.
وأكد أنها شددت عليه بعدم تركها وطلبت منه زيارتها باستمرار حتى لا تشعر بالوحدة، وأنه وعدها بزيارتها مرات أخرى، ولم يكن يعلم أنها ستكون آخر مرة يراها فيها، وأنها ستودع الدنيا وتغادر.
وأوضح أنه طالبها في حالة رغبتها لرؤية أي فنان أن تقوم بالاتصال به وسيزورها في أقرب وقت، لترد قائلة: «لازم تيجي على طول تزوروني».
بدورها قالت الفنانة المصرية نبيلة عبيد، أنه عندما وصلها خبر وفاة يسري أسرعت إلى المستشفى، لتقبيل جبينها وقرأت على روحها الفاتحة، وبوفاتها شعرت أنها فقدت أعز الناس.
وأضافت: كنتُ قريبة منها جداً لدرجة أن شقيقتها توفيت منذ عشرة أيام أخفيت عنها الخبر، وعند سؤالها عنها كنت أقول لها إنها مريضة، ولا تستطيع المجيء إلى المستشفى وهي الآن لحقت بشقيقتها.
وتابعت: كنت حريصة طوال الوقت أن أكون معها في مستشفى مصر الدولي بالرعاية المركزة حتى عندما انتقلت إلى المعادي.
واستطردت: «مديحة يسري كانت لي بمنزلة الأخت والصاحبة والصديقة وكانت دائماً تقول لي خلي بالك من نبيلة، وعملت معها في بداياتي فيلم «خطيب ماما» و«الصبر في الملاحات»، فهي فنانة عظيمة، وقدمت أفلاماً رائعة وكانت دائماً في حالة نشاط.
أما شريهان فنشرت عبر حسابها على تويتر، صورتين نادرتين لها مع الفنانة الراحلة، علقت عليهما: «كلماتي مخنوقة ولكن، كنت قدوة حسنة ورسالة فنية إنسانية اجتماعية مصرية عظيمة ورائدة، ثم أصبحت بفنك وإبداعك وصمودك ومثابرتك وخلقك وأخلاقك وأفعالك تاريخاً مشرفاً وعلماً مصرياً بإرادة احترام وحب الشعب المصري والعربي».
وأضافت: «ستظلين في قلبي إلى الأبد رائعة ومبدعة مصرية لن تأتي ولن تتكرر مرة أخرى أبداً، يا خالدة في النفس والروح والعقل والقلب والوجدان في الفردوس الأعلى إن شاء الله».
وقالت الفنانة لبلبة إن الجمهور المصري خسر قامة فنية كبيرة، مؤكدة أنها لم تكن تمتلك في الدنيا سواها هي ووالدتها، مؤكدة أن الراحلة كانت الأم الثانية لها، متمنية لها الرحمة والغفران.

مقتطفات من حياتها
– تعتبر بالإضافة إلى فاتن حمامة، الممثلة الوحيدة التي مثلت أمام أربعة من كبار نجوم الغناء في مصر، هم محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، ومحمد فوزي، وعبد الحليم حافظ.
– كُرمت في عدد من المهرجانات المصرية والعربية، ومنحتها أكاديمية الفنون المصرية الدكتوراة الفخرية في عام 2017.
– الحدث الأبرز في حياتها هو وفاة نجلها الوحيد «عمرو»، وهو في السادسة والعشرين من عمره، بعد تعرضه لحادث أودى بحياته، وأصيبت الراحلة بصدمة نفسية، دخلت إثرها في نوبة اكتئاب.
– في عام 2012، أعلنت الفنانة الكبيرة اعتزالها الفن، ويعتبر مسلسل «قلبي يناديك» عام 2004، هو آخر أعمالها الفنية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن