ثقافة وفن

سورية في مواجهة الحرب الكونية إنجاز وثائقي حضاري سوري … رؤية الرئيس الأسد انطلقت من المصالحات الوطنية.. لم تعد قصة المؤامرة على سورية بحاجة لإثبات بعد اعترافات الأعداء

| إسماعيل مروة

مفاصل التاريخ تحظى دوماً بعناية خاصة من شرائح متعددة من الكاتبين الذين ينظرون إليها سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو أدبياً، وتصل الرؤى إلى أدق دقائق الحياة وقد نقل لنا التاريخ كتباً ودراسات وموسوعات حول مفاصل مهمة في التاريخ القديم والحديث. ولو استعرضنا ما كتب وقدّم عن الحرب العالمية الثانية فإن الأمر سيكون معجزاً، في تعدد الرؤى والآراء من جانب، وفي التناقض في وجهات النظر من جانب آخر، وفي تبدل الآراء من جانب إلى آخر في جانب ما. وغير ذلك من القضايا التي يقف عندها الناقد المتابع. واليوم إن ما يجري على أرض سورية من حرب عدوانية يعد من أهم مفاصل التاريخ الحديث، ليس العربي وحده، بل العالمي أيضاً، وذلك من نواح عدة يحسب أن يوقف عندها بالتفصيل..

كونية الحرب
أطلق الرئيس بشار الأسد على الحرب التي تشن على سورية والأرض السورية اسم (الحرب الكونية) ولم يكن الكثيرون يدركون يومها أبعاد هذه الكونية، ومع استمرار الحرب ظهرت علائم الحرب الكونية بجلاء ووضوح، إذ انغمست القوى العالمية كلها في أتون هذه الحرب، ولم توفر أي دولة عظمى جهدها وطاقاتها في إظهار الأبعاد الكونية لهذه الحرب، التي كادت في مراحل عديدة تتحول إلى حرب عالمية ثالثة، وقد بشر بذلك متنبئ هنري كيسينجر، وهو من هو في السياسة العالمية.. وفي كل جانب أو طرف من أطراف الحرب كانت علائم التكالب الكوني على سورية واضحة تماماً، حتى إن خصوم سورية ودولتها يستخدمون هذا من دون شعور أو شعور.. وخاصة عندما تعد التقارير التي تظهر الأسلحة التي استخدمت على أرض سورية، وكثير من هذه الأسلحة دخلت طور التجريب على الأرض السورية.. والتقارير الأخرى بما في ذلك تقارير الدول الغربية قبل التقارير السورية في الميدان تحدثت عن انغماس الجماعات الإرهابية المسلحة في الحرب على سورية، ومن كل بقاع العالم. من الدول الشرقية والغربية، وقد تم تجنيدهم بطريقة جعلتهم الفاعلين في هذه الحرب، وهيمنوا على قرارات الجماعات المسلحة، وأخذوا القرار والمبادرة من السوريين الذين استقبلوهم أو جلبوهم.. والأحداث أثبتت أن أشباههم من السوريين اكتووا بنارهم قبل الدولة.

إيديولوجية الحرب
تميزت الحرب على سورية وخلال الشهور الأولى بإطلاق إيديولوجيات لم تكن موجودة في سورية، وهذه الإيدولوجيات كان لا بد لها لتنغمس في الحرب وتطيل أمدها من استجرار شعارات دينية إيديولوجية. وهذه الشعارات سعت بشكل كبير إلى تمويل الحرب على سورية إلى حرب بين السوريين وبصورة حرب أهلية، لكن تماسك الدولة، ووعي السوريين أفشل هذا المخطط، واستطاعت الدولة أن تفرز الجماعات الإرهابية المسلحة عن المجتمع السوري.

تشابك أطرافها
الحرب الكونية على سورية لم تكن واضحة، وإلى الآن هي غير واضحة الأطراف، بل معقدة إلى درجة كبيرة بسبب تشابك الأطراف التي زجت نفسها في أتون هذه الحرب، فالأصوليات تعددت بتعدد الدول الداعمة، مع أنها من حيث المبدأ والأصل تنتمي إلى جذر واحد، فالإسلام السياسي صار بأكثر من اسم وأكثر من وجه، وأكثر من توجه، وكذلك العلمانيون تعددت وجوههم، وصرت تجد العلماني شريكاً للإسلام السياسي، ينافح عنه ويدافع عن فكرته، وكذلك الإسلام السياسي يرحب بهذه الشراكة ترحيباً مطلقاً! ولكن سرعان ما ينفتق هذا الحلف، وتبدأ الصراعات البينية، وبالمناسبة فإن كل هذه الصراعات البينية كانت أصابع الاتهام تتوجه إلى الدولة السورية في أنها هي السبب فيها، وأنها من أشعلها! ومع عدم منطقية هذا الأمر، إلا أنني أذهب إلى تقدير دور الدولة إن كانت هي من استطاعت أن تفعل ما فعلته في هذه الجماعات، وهذا دليل حنكة وقدرة.
المهم أن هذه الحرب الكونية على سورية وأرضها وإنسانها حملت سمات تجعلها أكثر من مفصل تاريخي، وربما نجد بعد انتهاء الحرب على سورية بالإخفاق أن التاريخ- للمنطقة- ما قبل هذه الحرب يختلف عنه ما بعد الحرب عليها.
من هنا تأتي أهمية الدراسات والتحليلات، لكن شريطة أن تكون هذه الدراسات معتمدة على الأرقام والحقائق، وقد نشرت مئات إن لم أقل آلاف الكتب عن هذه الحرب، وقد تميزت هذه الكتابات التي اطلعت على كثير منها بعدد من الصفات:
1- مقالات انطباعية: إن أكثر ما نُشر مفرقاً أو مجموعاً عن الحرب في سورية أخذت شأنها شأن أي حدث حار وما يزال مستعراً جانب الآراء الانطباعية، حسب ميول الكاتب ورغباته، وهذه الانطباعية متغيرة حسب الانزياح في الأحداث، سواء كان كاتبها مقيماً في سورية أم مقيماً خارجها، والمشكلة الأكبر فيمن كان يقيم خارج سورية، وفوق ذلك ليس من أبناء سورية، وتأتي انطباعاته حسب ميوله ورغباته.
2- دراسات مسبقة: رأينا دراسات ظهرت في الأيام الأولى من الحرب، وكثير من هذه الدراسات تصب في إطار الدراسات أو الآراء المسبقة التي تأتي عن قناعات كاتبيها المسبقة أو من قناعات الجهة التي تقف وراءه، ومشكلة مثل هذه الدراسات تتمثل في أنها وضعت مسبقاً، وحددت نتائجها سلفاً، فهي غير مرتبطة بالواقع المعيش، ولا علاقة لها بما يجري!
3- انزياح إلى فئة دون أخرى: وقد ظهرت دراسات ومقالات تميل إلى طرف من الطرفين، بالكامل، فنجد دراسات تحمل الدولة السورية، وحسب تعبيرهم- النظام- وزر كل ما جرى ويجري في الحرب على سورية، وكأن سورية عند بدء الحرب كانت تغط في جاهلية مطبقة فجاءها المرسلون!
وهناك دراسات أخرى نظرت إلى القضية من منظور آخر، فترى أن الدولة السورية لم تكن مخطئة في سياساتها الداخلية، وهذه الدراسات مفيدة، لكنها تمثل جانباً واحداً بحاجة إلى تمحيص، وربطها برأي الرئيس بشار الأسد حين أشار إلى المؤامرة والفساد معاً.
4- الفردية: تميزت دراسات كثيرة – مهما علا شأن كاتبيها- بالرؤية الفردية، فالكاتب وحده يجمع ويحلل، وإن كان تابعاً لمراكز أبحاث، ليخرج برأي فردي يمثل وجهة نظره وتحليله، وبغض النظر عن رأي هذا الشخص، فإن الرأي الفردي لا يتسم بالعمق والموسوعية، فيجنح إلى رأي، ويمكن أن يتغير الرأي، وتتغير معطياته بشكل متسارع، لأنه لم يحط بالموضوع من جوانبه كافة، وربما نجح في تخصصه القريب جداً.
5- الشتم والمدح: إن المتابع سيجد دون أدنى عناء أن دراسات كثيرة لم تكن معنية بأي تحليل أو رؤية، وإنما غايتها الأولى كانت الشتم والذم، أو المدح والتطييب لجهة من الجهات، من دون أن تنظر هذه الدراسات لأي طارئ على الأرض، وكلما يأتي أمر لا يناسبها اعتبرته مفبركاً ومدبراً، والأمر الذي يناسبها تجده مقنعاً حتى لو لم يقتنع به الأبالسة.. وأغلب التحليلات التي كنا نراها تأتي تحت هذا الجانب، ويمكن أن تهمل بعد انقضاء كتابتها أو الإدلاء بها.

ضرورة العمل المؤسسي
من هنا فإن حرباً شنت على سورية، واستمرت ما يزيد على سبع سنوات وحصدت الأرواح، وحدثت فيها الفظائع تستحق عملاً مؤسسياً، قائماً على مؤسسة ومجموعة من الباحثين المتخصصين الذين يقاربون دراساتهم بشكل علمي مدروس، يبتعد عن الانفعالية، ولكنه في الوقت نفسه يتسم بالوطنية وحب الوطن والغيرة على سورية وأرضها وإنسانها.. والعمل المؤسسي بحاجة إلى تريث وتخير وتخمّر، سواء من حيث اختيار المحاور، أم من جهة اختيار الباحثين الذين كانوا على مساس بموضوعاتهم التي عالجوها ودرسوها.. فيأتي العمل متنوع المشارب والرؤى، وينتمي إلى مؤسسة وطنية لا لبس فيها وفي انتمائها وغاياتها، ولا تمارس تدخلاً في الدراسات والآراء.

سورية في مواجهة الحرب الكونية
هو موضوع دراستنا، وهو الكتاب الصادر عن الهيئة السورية العامة للكتاب طباعة، والذي دعت إلى إعداده، وإنجازه مؤسسة وطنية، ووضعت له الخطة والمحاور وسياسة العمل السيدة الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية بخبرتها الثقافية والسياسية المميزة.. وبدأت خطوات العمل بتخيّر المحاور، وبعد أن حددتها السيدة الدكتورة العطار، تخيّرت لكل محور الباحثين المتخصصين المتعمقين في مجاله، ودعت إلى اجتماع تشاوري ضم الباحثين المختارين لهذه الموضوعات، وفيه تم ترميم الأسماء، حسب تشاور المجتمعين لتكتمل حلقة الباحثين.
المحاور لم تكن إنشائية، ولم تقصد إلى تقديم مدح أو ذم، هجوم أو دفاع، بل كانت الغايات في الحقائق والوثائق والأرقام.. ولم يتناول الكتاب سورية بمعزل من المحيط والتاريخ والفكر والنزعات والنزاعات، بل كانت الرؤية موشورية واسعة الطيف فكانت المحاور كما سيأتي ونلاحظ اختيار الباحثين حسب تخصصاتهم وميولهم، لتكون الدراسات أكثر عمقاً في متناول الباحثين:
– المؤامرة على سورية د. إبراهيم ناجي علوش.
– الحرب على هويتنا الحضارية وانتمائنا القومي د. خلف محمد الجراد.
– إستراتيجيات المجابهة العسكرية في مواجهة العدوان العميد أمين محمد حطيط.
– القانون الدولي والحرب على سورية د. حسن قاسم جوني.
– الفكر التكفيري والحرب على سورية د. خلف محمد الجراد.
– الحرب على الثقافة والمثقفين د. ناديا خوست.
– حروب الإعلام وإعلام الحرب د. حياة الحويك عطية.
– الفصائل الإرهابية خلال الحرب على سورية العميد تركي حسن.
– الحرب على سورية وتداعياتها على القضية الفلسطينية د. طلال ناجي.
– دور الكيان الصهيوني في الحرب على سورية د. رفعت سيد أحمد.
– انتصار سورية وتغيير ميزان القوى تحسين الحلبي.
– النصر السوري ودور الحلفاء أنيس نقاش.
– سياسة القيادة وإنجازاتها في الميدان الاجتماعي والمصالحات د. إسماعيل مروة.
– الاقتصاد السوري قبل الحرب وبعدها د. حيان سلمان.
– سورية وركائز نهضة عربية مستقبلية د. محمد أشرف البيومي.
إضافة إلى دراسات وقراءات في عدد من كلمات الرئيس بشار الأسد، لتحديد المرتكزات والنتائج وبشائر النصر، والانطلاق في المرحلة المقبلة.
من الصعوبة بمكان أن يتم اختصار وتلخيص دراسات أخذت ثمانمئة صفحة من القطع الكبير في هذه الوقفة، بل من المفترض أن يكون الاختصار غير ممكن، ولو أمكن لما كنا بحاجة هذه الدراسات، لذلك سأقف عند المحاور مستعرضاً الدراسات وبعض مقولاتها ولن أتتبع الدراسات بشكل مفرد، لأن المحاور هي الأهم، وهي التي ترسم معالم الرؤية التي أرادتها السيدة الدكتورة نجاح العطار لتقديم دراسات ذات مصداقية، وذات أبعاد يمكن أن تقدم الكثير من الأرقام والإحصاءات، والحقائق للعالم أجمع وليس لسورية، وقد وضعت السيدة الدكتورة خطة طموحة أبعد لتسويق الأفكار، ومن ثم لترجمتها وتقديمها للرأي العام العالمي لتكون أبعد تأثيراً وأكثر قدرة على الوصول.
مفهوم المؤامرة

ارتبط مفهوم المؤامرة بالأحداث الكبرى بشكل كبير، وفي الحرب الكونية التي شنت على سورية أخذ مصطلح المؤامرة حيزاً واسعاً، وليس من حق أحد أن يرفض مصطلح الكونية، فأعتى الحروب العالمية لم تستمر كما استمرت الحرب على سورية، وما من أحد يمكن أن يرفض المؤامرة، مع أن المؤامرة قد تكون في كثير من الأحيان عذراً للعجز، لكن ما حدث في سورية، وما تم تداوله، وما نعرفه من تفاصيل يؤكد ضلوع المؤامرة والمتآمرين في الحرب على سورية (الكيان الصهيوني، الغاز، طريق الحرير، الموقع، الغنى، الثروات) وقد تأكد للجميع وجود هذه المؤامرة التي حذر منها الرئيس بشار الأسد في إطلالته الأولى بعد الحرب على السوريين، ولم تستطع الأبواق التي تشترك في المؤامرة أن تنفيها، لأن سورية كانت مطمعاً ومطمحاً للشرق والغرب على السواء، ووجود الدول العربية والإقليمية المشاركة في الحرب يؤكد بما لا يقبل الشك وجود المؤامرة، وقد سعت دراسات كتاب (سورية في مواجهة الحرب الكونية) على تظهير صور هذه المؤامرة لتقطع الشك باليقين، ومن خلال الوثائق والحقائق والأرقام، وبعيداً عن الإنشاء وجمال التعبير- الدكتور إبراهيم علوش يجمع هذه الحقائق، ومن مصادرها التي تؤكد المؤامرة، ويكفي أن نقف عند مكتب حقوق الإنسان والعمل الذي أدى مهمات ما قبل الأزمة والحرب ليحبك خيوط المؤامرة، ولابد من قراءة البحث بتمعن، ولا أقف إلا عند إشارات محددة لتشكل حافزاً للعودة إلى الكتاب إذ شكل هذا المكتب أربعة برامج أساسية خلال السنة المالية المنصرمة 2009 عبر منح مالية للجهات التالية:
– بيت الحرية لإقامة ورشات عمل متعددة لمجموعة مختارة من الناشطين السوريين حول ممارسة التعبئة.
– تسعى نقابة المحامين الأميركيين لإقامة مؤتمر في دمشق في تموز، والتواصل المستمر مع شركاء محليين.
– القيام بأبحاث حول القبائل والمجتمع المدني في سورية، ودعوة شيوخ من ست قبائل لإجراء مقابلات والقيام بالتدريب في الجامعة الأميركية – بيروت.
– شبكة إنترنت إنترنيوز التي نسقت مع المركز الإعلامي للنساء العربيات لدعم مخيمات تدريب إعلامي للشباب الجامعيين السوريين في عمان ودمشق.. إضافة إلى الإشراف على عدد من المنح المالية المحلية الصغيرة، على ثمانية برامج متعلقة بسورية منذ عام 2005 ستكون قد تلقت 12 مليون دولار مع مجيء أيلول 2010.
لم أختر من كلام الباحث ولا من تحليله، وإنما اقتبست من الوثائق التي تعود إلى ما قبل الأزمة بست سنوات، وقد وضعت هذه البرامج قبل ذلك بوقت، في أثناء احتلال العراق، حتى نضجت في هذا الوقت، وهل يستطيع أحد أن ينكر وجود مؤامرة وبرامج، وللأسف فإن إعلامنا عندما يتحدث عن المؤامرة يكتفي بالكلام العام، ولا يقدم هذه المعلومات المهمة التي لا يمكن لأحد أن يتبرأ منها، وعلينا أن نتنبّه إلى الشرائح المستهدفة في هذه البرامج الأربعة، وإلى الأماكن التي يتم التدريب والتأهيل فيها.
ولمواجهة هذه المؤامرة لابد من وجود إستراتيجية دفاعية مشتركة بين الدولة والسوري، وحتى الحلفاء، وقد ركز العميد أمين حطيط على استخلاص ما قامت به الحكومة السورية «لقد تأكدت سورية أن العدوان متمسك بهدفه الإستراتجي المحوري المتمثل بإسقاط سورية كلها للاستيلاء عليها بشتى السبل والطرق وباتت إستراتيجيتها الجديدة في مواجهة الجديد على:
– المحافظة على وجود الدولة وهيكليتها وانتظام عملها.
– حماية مقومات الدولة.
– الفصل بين التحرك الشعبي الداخلي، والذي يبتغي هدم الدولة.
– تجنب المعارك الكبرى المكلفة التي لا أمل بالمحافظة على الانتصار فيها.
– تجنب المواجهة المباشرة والمعارك مع جيوش الدول التي تدخلت في الأزمة.
– تحييد السوريين ما أمكن عن أتون المعركة وجذب المترددين.
تخيرت من النقاط الكثيرة التي أثارها البحث تلك النقاط التي يعرفها المواطن ويلمسها في سياسة سورية في مواجهة الحرب الكونية، وكذلك فإن ما اخترته يعطي إجابات عن تساؤلات كثيرة من السوريين الذين كانوا يسألون في سنوات الحرب، لِمَ لم تقم الدولة بإنهاء المنطقة الفلانية؟ الجواب ببساطة: إن ذلك يخضع لإستراتيجية بعيدة المدى تبحث عن النتائج المضمونة في خير السوريين وتحييدهم، وعدم تحويل هذه الحرب التي تستهدف سورية إلى حرب تحقق هدف المعتدين.
ويأتي بحث الدكتور حسن جوني عن القانون الدولي والحرب على سورية ليعزز فكرة المؤامرة، فالقانون الدولي يحمي حقوق الدول، ولا يسمح بتجاوز حقوقها، لكن المؤامرة الكونية التي ترعاها أميركا تجاوزت هذا القانون الدولي، الذي تنص مواده صراحة على عدم الجواز بالانخراط في الحرب على سورية، «إن القانون الدولي لا يكتفي بإعطاء الحق للدول الأجنبية بتقديم المساعدة للحكومة، وإنما يحظر عليها التدخل من دون موافقتها وتقديم أي مساعدة للمعارضة العسكرية. المعارضة العسكرية لا تتمتع في القانون الدولي بأي شخصية قانونية، وحدها الحكومة القائمة تتمتع بالشخصية القانونية الدولية، وذلك حتى نهاية الحرب الأهلية… كل الدول تمتنع عن تنظيم أو مساعدة أو تمويل أو إنشاء أو تأليف أو السماح بأي نشاط عسكري أو إرهابي يهدف إلى تغيير بالعنف لنظام سياسي في دولة أخرى وكذلك يمنع التدخل في النزاعات الداخلية لأي دولة..»
هذا ما نص عليه القانون الدولي صراحة، وهذا ما يفسر صراحة طبيعة المؤامرة والتواءاتها ومحاولاتها الاستعانة بأطراف تجهل القانون الدولي، فإلى اليوم لم يتمكن أي طرف من أطراف المؤامرة من فعل شيء ضد سورية في المحافل الدولية رغم المطالبات من دول عربية بأن تحل جهات مكان الدولة السورية في المحافل، وبقيت الدولة السورية الممثل الشرعي والوحيد، بل تأخذ مكانها الفاعل في المنظمات الدولية والإنسانية.. وتبين للجميع أن ما قامت به دول عربية وجماعات من عزل سورية عن جامعة الدولة العربية هو عمل غير قانوني ولا يستند إلى أي دليل، ويخالف الأعراف، كانت الغاية أن يتمدد العمل ضد الحكومة السورية، لكن القانون الدولي حال دون استمرار خيوط المؤامرة السياسية ضد سورية ودولتها.
وتصبح الصورة أكثر وضوحاً مع تحديد مستندات الحرب على سورية وعناصرها التكفيرية، هذه الجوانب التي حللها الدكتور خلف الجراد في بحث معمق عن الفكر التكفيري، هذا الفكر الذي أرادوه لمواجهة دولة وفق القانون الدولي، عندما أشعلت الدول الغربية والكيان الصهيوني والمجموعات المدربة أو المهيأة للانخراط في عملية تدمير الدولة السورية وتمزيق النسيج المجتمعي السوري، اعتقدت السعودية ودول الخليج الأخرى وتركيا والغرب والكيان الصهيوني أن المجاهدين سيتمكنون بسرعة من إسقاط النظام وتخطي بنيان الدولة السورية، وانبرى علماء السعودية السلفيون والوهابيون وفي حملات إعلامية كبيرة عبر فضائيات رسمية وغير رسمية تأييد ما سموه الجهاد في سورية، إنها مؤامرة وحرب كونية ليست قانونية ولا تملك مستنداً، لذلك جاءت دراسة الفكر التكفيري لتبرز طريقة المداورة للدخول من خلال جماعات متطرفة قد تجد في المجتمع من يساعد على تسللها، وترك أمر المؤامرة وتنفيذها بعد جامعة الدول العربية سياسياً للإرهاب ومموليه تحت تسميات براقة مثل (الجهاد) لتجنيب تدخل الدول في شؤون الأخرى فكانت جماعات.

عناصر المؤامرة
ارتكزت عناصر المؤامرة والحرب الكونية على سورية على عدة محاور، واستهدفت البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وسورية في مواجهة هذه الحرب لم تهدأ في مواجهة هذه العناصر بحسم وقوة للوصول إلى المبتغى والمراد ولعل الحرب على الثقافة عن أخطر هذه الحروب وأقساها وخاصة أن الكثيرين يلتفتون إلى الحروب العسكرية، ولا يولون الحرب الثقافية الأهمية التي تستحقها، وفي هذا المجال قدمت د. ناديا خوست دراسة بعنوان «الحرب على الثقافة» استعرضت فيها الواقع الثقافي ما قبل الحرب وأثناء الحرب، وأكدت أن الحرب الثقافية هدفت إلى تدمير الثقافة السورية، ثقافة الوجدان السوري «وما أغنى ثقافة الوجدان! فقد ملأت الحضارة العربية الإسلامية، والحضارات السورية القديمة، والأحداث التاريخية، خزان الوجدان بكنوز ثمينة. يلامسها السوري منذ طفولته هي الشواهد على استقرار تاريخي» وبتحديد مقومات الخصوصية بدأت الدكتورة خوست الحديث عن المخططات للاختراق الثقافي «خططت المخابرات المركزية الأميركية، كجهاز نظام مؤسس على الاستعمار والهيمنة على العالم نهج اختراق الثقافة بالهجوم على العقل الإنساني لتغيير ثوابت الوجدان العام، وبإسهاب وعمق بينت الطرائق التي تم من خلالها اختراق الثوابت الثقافية السورية، وعبر تخطيط مسبق وبعيد المدى من خلال الثقافة والمناهج والمؤسسات الثقافية، لتعميم ثقافة الخيانة، وتحوّل العلمانيين من العلمنة إلى الوهابية، لتختم بالدعوة للارتقاء بالثقافة والاهتمام بدورها.
والعنصر الأكثر خطورة كان الإعلام، وفي هذا المجال قدمت د. حياة الحويك عطية دراسة بعنوان حروب الإعلام وإعلام الحرب، والبحث يرتكز إلى نظريات الإعلام المؤثرة، وتستعرض د. حياة فيه الكثير من الشواهد من الحرب الكونية على سورية، التي كان منطلقها التصاعد في إشعال فتيل الفتنة والحرب الأهلية من خلال القنوات الموجهة، والدعوات إلى التدخل الخارجي، سواء كان ذلك في الإعلام الغربي، أم في الإعلام الموجه في سياسة ممنهجة للدخول في دقائق الحرب ابتداء من الداخل، ووصولاً إلى قضية اللاجئين واستثمارها، وبخبرة الدارس عرجت على استثمار المثقفين والفنانين والمشاهير إعلامياً للتأثير في الرأي العام والإعلام للتمويه وخلط أوراق الإرهاب إضافة إلى الغناء والصورة السينمائية، ودخول الجماعات الإرهابية إلى أعلى التقانات الإعلامية بنفسها للترويج لمبادئها، «وسائل الإعلام لعبت دوراً أساسياً في عملية الشحن والتحريض هذه بعيداً عن أي مصداقية أو موضوعية وحتى أخلاقية» والعنصر الآخر هو عنصر الفصائل الإرهابية والاستفادة منها في الأرض، وهذا ما جاء في بحث العميد تركي حسن الذي فصّل في هذا الدور بالحقائق والأرقام والجداول التي اعتمدت على منهجية «عدم مركزية الصراع- استخدام القوى العسكرية- استخدام القوى الناعمة- إنهاك الخصم- نشر الفتن- جر الدولة إلى حرب- تسخير إرادات الآخرين» وللحقيقة فإن هذا البحث الغني يميط اللثام عن وجود كبير لهذه الفصائل على الأرض، وهو ما يحاولون التقليل منه للإيهام بما تفعله الدولة السورية.
والعنصر الآخر المستهدف في الحرب كان الاقتصاد السوري الذي شهد نمواً وبدأت علامات النهضة فيه، وهذا البحث أعده د. حيان سلمان وقد استعرض د. سلمان الواقع الاقتصادي الذهبي في سورية قبيل بدء الحرب، وموقع سورية العالمي ومعدلات النمو ليظهر الغايات من هذه الحرب اقتصادياً، والخسائر التي تسببت بها الحرب ليخرج بمحصلة اقتصادية «سورية ستخرج من هذه الحرب أقوى وأجمل وأبهى، ومن سورية تتولد معالم نظام عالم جديد».
وقد جوبهت هذه الحرب بكل السبل، ولكن السبيل السوري الذي كان من رؤى الرئيس الأسد «المصالحات» هو موضوع البحث الميداني الذي قدّمه د. إسماعيل مروة، فبدأ من المجتمع السوري وأن الغايات كانت «الوصول إلى السلطة- تحطيم السلطة الوطنية- استغلال الأخطاء- إذكاء روح الغضب- العمل على الوتر الديني» ويشير البحث إلى أن الرئيس الأسد طوق هذه القضايا بفكرة المصالحات منذ اليوم الأول، وتتبع البحث لقاءات الرئيس بالفعاليات وبكلماته ومراسيم العفو، وإنشاء وزارة المصالحة الوطنية، وتتبع خطواتها التي أثبتت أن المصالحات هي السبيل الوحيد.

الحرب على سورية وقضية فلسطين
من أسف شديد فإن كثيرين ممن يتناولون الحرب على سورية، وإن كانوا مع الدولة السورية وإن لم يكونوا معها وخاصة في الإعلام، يزيحون من الحديث القضية المركزية العربية، قضية فلسطين عن جهل، أو عن قصد، والمنصف لا بد أن يضع في الاعتبار قضية فلسطين في بؤرة الحديث عمّا يجري في المنطقة العربية والعالم، فكل ما يجري يتعلق بالقضية، وارتدادات وانعكاسات ما يجري ستؤثر في مسرح الأحداث المتعلق بالقضية الفلسطينية، والجميع يشهد بالتراجع والتقهقر للقضية الفلسطينية في ظل حرب كونية ممنهجة على المنقطة العربية، وعلى سورية بالدرجة الأولى، وهي الحامل الأساسي للقضية الفلسطينية منذ حرب الإنقاذ عام 1948 وحتى اليوم، ولهذا ووفق الرؤية الواسعة الطيف أفردت السيدة الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية محوراً كاملاً للقضية الفلسطينية، فكتب الدكتور طلال ناجي عن تداعيات هذه الحرب على القضية الفلسطينية، وهو صاحب رأي وتجربة وموقع، ومن خلال استعراض تاريخي موثق يصل إلى الواقع الذي نعيشه، فسورية تدفع ثمن موقفها «فتح الرئيس بشار الأسد يديه لاستقبال القيادة الفلسطينية في دمشق بعد طول انقطاع.. وقال: نقول للإخوة الفلسطينيين هذه هي أوراقنا في خدمة القضية الفلسطينية» فهل ينسى هذا الموقف من أعداء سورية؟ عدد الدكتور ناجي الفصائل ومواقفها التي تأثرت بمجريات الحرب ليختم بربط المجريات «التنبه والحذر من صفقة القرن الأميركية المزمع فرضها على الفلسطينيين لإنهاء القضية الفلسطينية، بموافقة إسرائيل ومباركة الدول الداعمة للحرب على سورية».
والباحث د. رفعت سيد أحمد يكتب عن دور الكيان الصهيوني مستعرضاً المعارضة الداخلية والفصائل المسلحة الإرهابية ليؤكد بالوثائق «أكدت الحقائق على الأرض أن التواصل الحميم بين إسرائيل ومن يسمون جماعات المعارضة السياسية كان أقوى وأمتن منه مع جماعات المعارضة المسلحة إلى الحد الذي زارت فيه بعض قيادات المعارضة تل أبيب وعقدت لقاءات واتفاقات معها».
والباحث تحسين الحلبي يتحدث عن الكيان الصهيوني وتغير ميزان القوى، إذ يعرض لميزان القوى والحروب المتتابعة بين الكيان الصهيوني والدول العربية، وحرص الصهاينة على تغيير ميزان القوى، وكان من الطبيعي أن يقف الكيان الصهيوني وراء الحرب على سورية ويختم بإخفاق هذا المخطط «سورية تشهد انتصارها الأكبر في هذه الحرب وأثبتت مع حلفائها الدور القومي الكبير والإستراتيجية في ميزان القوى» ما يؤكد عجز هذه الحرب عن قلب موازين القوى.

الحلفاء والغد
كان لابد من وقفة شكر وعرفان لوقوف الحلفاء ومحور المقاومة تولاها الأستاذ أنيس النقاش فتحدث عن الحلفاء الروس وإيران والمقاومة، ليدرس كيفية هذا التحول وما حدث بسببه، وتطور هذا الحلف الإستراتيجي ليخلص إلى أن «دعم الحلفاء وتدخلهم في الصراع مباشرة في سورية، قد حقق أهدافاً تتجاوز الدفاع عن الدولة السورية والشعب السوري، وحماية حقوقه، لتشكل رافعة لتغيير موازين القوى الدولية، وحماية مصالح وأهداف الحلفاء أيضاً» فالحرب ليست وجهة نظر واحدة، ولابد من تحليل المواقف والرؤى وفق المصالح والقضايا.. وقد رأت د. العطار ألا يكون المشروع مقتصراً على التحليل والواقع، بل أرادت أن يكون استشرافاً للغد والنهضة، وهذا ما كتب فيه د. محمد أشرف بيومي الذي كتب عن سورية وركائز نهضة عربية مستقبلية.. ليبدأ «صمود سورية التاريخي الذي جعلها على مشارف انتصار كبير ولّد طاقة معنوية هائلة كتلك التي تولدت في أماكن وعصور أخرى إثر تحديات تاريخية ناجحة».
ويستعرض ما جرى ليضع رؤية لهذا المستقبل والنهوض من خلال برامج علمية وثقافية وإعلامية، ويطرح قضايا طموحة: «آفاق العلم- شخصيات علمية- العلم نشاط سياسي اقتصادي- العلم والفن- المرأة- الأطفال- نماذج التقدم العلمي- محاورة العلماء- اعتماد المنهج العلمي لمكافحة التطرف».
إن هذا الكتاب المشروع الموسوعي غاية في الأهمية، وينمّ عن رؤية إستراتيجية للدراسات التي يجب أن تبدأ للخروج من الأزمة، وخاصة مع تنوع الرؤى والكتاب، وإن كان ثمة من ملاحظة، فهي التطويل في بعض الأبحاث أكثر من اللازم، ووجود نوع من التداخل بين بعض الأبحاث، هذا التداخل الذي اقتضته ضرورة البحث.
كتاب «سورية في مواجهة الحرب الكونية» مشروع فكري نهضوي أولي صنع بإشراف رؤية السيدة الدكتورة نجاح العطار، وأبصر النور مع تباشير النصر، وقد نسقه الدكتور خلف الجراد ليشكل انطلاقة في الدراسات الجدية اللازمة، وعند العودة سنجد أبحاثاً جادة وذات مصداقية وجرأة والغاية هي النهوض بسورية في مرحلة ما بعد الحرب الكونية التي عجزت عنها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن