قضايا وآراء

مهمة صعبة للغاية

باسمة حامد :

مع صدور القرار الدولي 2235 لتحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، طُرحت الكثير من التحليلات حول أهداف القرار الجديد وخصوصاً أن واشنطن – ورغم موافقتها على المبادرة الروسية بهذا الشأن- سعت لتسييس هذا الملف وإبقائه مفتوحاً ما أمكن.
لكن القرار في الواقع وبصرف النظر عن الشكوك المثارة حوله يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح لأنه:
1- صدر في مرحلة تشهد تحولات سياسية مهمة، وحراكاً دبلوماسياً وأمنياً نشطاً على مستوى المنطقة لإطلاق تسويات شاملة لأزماتها.
2- عكس وجود توجه دولي وإقليمي نحو أولوية محاربة الإرهاب في ظل مخاوف عالمية من تمدده.
3- نتج عن توافق القطبين العالميين:(الولايات المتحدة الأميركية وروسيا)، واللافت أن المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة /سامنثا باور/ اعتبرت أن القرار مؤشر على «العمل بمقتضى المصلحة المشتركة بين أعضاء المجلس، ويصب في بوتقة العمل على دحر تنظيم داعش في سورية»، وهذا التوافق لم يحصل منذ العام 2011 إلا مرات قليلة كترجمة لمخارج سياسية تاريخية صاغها العقل الروسي باقتدار، فنجح في تجنيب سورية تدخلاً عسكرياً أميركياً مباشراً (ضربة أوباما) وفتح الباب لواشنطن وحلفائها الغربيين لتسوية المسائل الشائكة بالحوار السلمي بعيداً عن منطق الهيمنة والمسارات الملتوية، وساهم في التفاهم الدولي مع إيران وإنجاز ملفها النووي.
4- من إيجابيات القرار الدولي 2235 أن أحد صنّاعه (أي روسيا) يرفض رفضاً قاطعاً اتهام الجيش العربي السوري باستخدام مواد كيميائية سامة، وقد سبق للخارجية الروسية أن أصدرت بياناً واضحاً يؤكد هذا الموقف: «مزاعم لا أساس لها من الصحة ولا تتطابق مع الواقع وهذه الهستيريا الكيميائية الجديدة المعادية لسورية تبعث على التساؤل عن الغرض الحقيقي لمطلقيها الذين لا يفوتون محاولة في العثور على ذريعة للتدخل العسكري في سورية»، ولذلك فهو يترجم الرؤية الروسية باعتباره:«سيضع حاجزاً آمناً يحول دون الاستخدام للمواد الكيماوية السامة في سورية في المستقبل»، وسيحاصر التنظيمات الإرهابية وداعميها، وسيكشف المسؤولين الحقيقيين المتورطين في الجرائم الكيميائية من «أفراد وكيانات وجماعات»، وسيعزز موقف الحكومة السورية كونها أوفت بالتزاماتها وتعهداتها المترتبة على انضمامها لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2118 لعام 2013، وحذرت مراراً من مغبة استخدام تلك التنظيمات لأسلحة محظورة وخاصة بعد سيطرتها على معمل «للكلور» شمالي حلب قبل عامين، وتجدر الإشارة هنا إلى ما نشره الإعلام الغربي حول وثائق سرية تكشف أن «المخابرات الأميركية صادرت غاز السارين من جبهة النصرة» وهي تعلم أن فرع «القاعدة» في بلاد الشام لديها مصانع بدائية لإنتاج هذا الغاز».
مع ذلك، هل بات «المجتمع الدولي» مستعداً للتخلي عن سلوكه المعادي حيال سورية واتخاذ خطوات عملية على طريق محاربة الإرهاب؟
هذا هو السؤال وتلك هي القضية، فالقيمة الحقيقية لأي قرار دولي مرتبطة بتطبيق مبادئه وآليات تحقيقه بجدية ومصداقية وشفافية وحيادية، والأكيد أن تنفيذ القرار 2235 «مهمة صعبة للغاية» ليس للأسباب التي شرحها أمين عام الأمم المتحدة /بان كي مون/: «الظروف الأمنية المعقدة والخطيرة في سورية»، بل لأسباب تتعلق بـ«تطنيش» منظمته على جريمة خان العسل في حلب وغيرها، وعلى محاولات التسييس وتجاهل الحقائق التي ستظهرها البعثة الدولية حول المسألة لاحقاً بالاستناد إلى شهادات وتقارير واقعية وحوادث كيميائية تعرض لها مدنيون وعسكريون سوريون في مختلف المناطق على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة على يد «داعش» و«النصرة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن