على مَنْ الرهان؟
| زياد حيدر
بعد كل انتصار ثمة غصة. من لا يشعر بالغصة حر، ويحق له أن يكون مجرداً من كل مشاعرها المحبطة، ذلك أن فرحة النصر تسبب نشوة ، تنسي البعض ما قبلها وما بعدها. وبالنسبة للبعض الآخر نشوة النصر هي «ومضة» شبيهة بتوصيف الكاتب الروسي الشهير تولستوي للسعادة الصرفة.
بعدها أنت حر في مشاعرك، ومشاعرك حرة فيك. حرة في تذكر المعركة التي ذهب ضحيتها على مدار السنوات شباباً وكهولاً وأطفالاً، ولاسيما أن بعضهم لم ير من هذه الدنيا سوى حشو المخازن ونار البنادق.
وأيضاً، فإن للمعارك أسباباً، وعلينا أن نسأل أنفسنا دوماً، كيف بدأت ولماذا صارت قدراً محتوماً، وكيف انتهت بنا على هذا الشكل؟
هذا من حق المستقبل علينا، كبشر مازلنا نحتفظ بعقولنا ووعينا تجاه ما حصل. هذا دين في رقابنا علينا أن نوفي أولادنا وأحفادنا به.
هذه الأسئلة والمشاعر المتناقضة وأجوبتها هي من تركتنا للجيل القادم، والذي يليه حتى يتسلم من بعدهم من أجيال دفة الأمور.
الغصة يجب أن تكون ولكنها ليست قدراً على الجميع. ولكن هل مشاهد ما بعد المعركة في اليرموك، ومناطق أخرى ليست غصة تشمل الجميع؟
حقيقة، هل ثمة من يناقش الأمر على اعتباره من الحقوق المتفق عليها ضمنياً في الحروب؟ هل قرأتم عن الحروب؟ وهل نحن مازلنا في زمن ذات الحروب؟ أم نشفي ضمائرنا باللجوء للجهل؟
عودة للتاريخ، ففي روما القديمة، عاصمة العالم المتحضر فيما مضى، كان لصوص الحرب، لا مقاتلو الإمبراطورية، يعيشون في جيرة منعزلة عن المدينة.
كانوا وقودا للحرب طبعا، بسبب طبيعتهم العنيفة وخلوهم من الانضباط الأخلاقي، ولكنهم أيضا كانوا يذهبون للحرب ويعودون منها بغنائمهم معزولين.
كان الرومان يعرفون أن مدينتهم العظيمة لا تستطيع أن تعيش في وئام وأمان وأن تسلم مستقبلها أو تشاركه مع مثل هؤلاء.
كان لهم زعماء وكانوا منظمين ويديرون شؤون جيرتهم شبه المحاصرة، لكن ما لروما كان يبقى لروما ولمستقبل أهلها، بسبب التشكيل الطبقي القائم حينها.
الآن على من نراهن في بناء سورية؟ هل يمكن لأي باحث اجتماعي اقتصادي أن ينكر الأثر العميق الذي سيتركه هذا الانفلات الأخلاقي في جسد الأمة والمجتمع؟ كنا نقول في سنوات ما قبل الحرب أن ما هو أخطر من الفساد هو تبرير أسبابه الاقتصادية.
ولاحقا اشتغلت الدولة على تغيير هذا الأمر، ونجحت إلى حد ما قبل التضخم المالي الرهيب الناتج عن الحرب.
في سورية أطراف متحاربة كثيرة، دولية وإقليمية ومحلية. لكن الذي يدفع ضريبة مستقبل مجهول وقاتم هو نحن فقط. معارك الحلفاء والأعداء بعيدة عن بيوت شعوبها، وعن أطفالها. أما نحن، فالحرب تدخل كل بيت، جديدها نزاع أخلاق بين من يقبل ما يجري ويبرره وبين من لا يقبله ويعتبره عارا.
هذا سندفعه من قيمنا ومن عقدنا الاجتماعي ومن عاداتنا النبيلة. حينها يجب ألا نستغرب نشوء أجيال لا تخشى أي بعد أخلاقي. وهنا الحديث ليس عن الدين، المتوافر بصيغ عديدة تناسب الجميع، بل عما هو أشرس، حين يصبح كل فرد منا بوجهين، أو أكثر، يعرف أن كثرا ممن سبقوه أفلتوا من عقاب، وأن لا يد تطول «الشاطر».
مجددا علينا السؤال، كيف نصون مستقبل أجيال سورية؟