الترجمة بين المعجم والمترجم
| د. رحيم هادي الشمخي
لا يرتبط العمل الإبداعي ارتباطاً وثيقاً باستخدام المعاجم المتباينة كما هو شأن الترجمة عموماً وترجمة الأدب الفني خصوصاً، والترجمة ليست عملية تدريسية، بل إبداعية، لأن الحديث لا يدور في هذه الحالة حول التلميذ أو الطالب أو من يتعلم الترجمة، بل حول المترجم الماهر الذي تشكل أعماله إسهاما في الأدب الوطني وفي الثقافة العامة لشعبه.
يقوم التلميذ والهاوي والمترجم المبتدئ بالتنقيب في بطون المعاجم تنقيباً مثابراً لالتقاط الفكرة الأجنبية واصطيادها من بضع كلمات معروفة لديه وأخرى (قد تفوقها) مجهولة المعنى، تقوم الكلمات مقام نقاط الارتكاز والمنارات التي تلقي ضوءاً باهتاً على دائرة محدودة ضيقة يلفها الظلام، وإذا أخذنا بالحقيقة التي سبق تكرارها دائماً والقائلة إن (على المترجم قبل كل شيء أن يمتلك زمام اللغة التي يترجم منها، وأن يكون على معرفة أوسع بتخوم اللغة التي يترجم إليها، فلابدّ لنا أيضاً من معرفة سبب لجوء المترجم الماهر إلى المعجم، وإن كانت الكلمات التي يبحث عنها مفهومة، قد يكون مبعث ذلك قصوره في إيجاد الجملة الرافدة لها في الحالة الراهنة، فهو وإن وجد معادل الكلمة أو العبارة المترجمة يظل يبحث عن جملة أكثر دقة وملاءمة، ولا يستثنى من ذلك سوى بضع كلمات وعبارات منفردة تتخطى حدود المعارف اللغوية والثقافية العامة، وتضطرنا تلك الكلمات والعبارات إلى الاستعانة بمفاهيم وأدلاء وقواميس خاصة.
إن المترجم قد يلجأ إلى المعجم العادي من لغة إلى أخرى، ومعاجم العبارات المفسرة والمعجم الموسع للغة التي يترجم منها لكي يكشف مضمون عدد ضئيل من الكلمات والعبارات التي يجهل مضمونها، ويتفهم معناها الناقص، أو يتأكد من صحة فهمه لها، ولكي يحفز ذاكرته بالدرجة الرئيسة، عندما يكون معادل الكلمة أو العبارة المذكورة على طرف لسانه، ولا يقتصر المترجم- في إيجاد الجملة المطابقة تطابقاً كاملاً للكلمة أو العبارة المترجمة والوظيفة الدقيقة لها- على معارفه وإمكاناته الذاتية، بل يستعين بالمعجم ومعاجم الحكم والأقوال المأثورة وغيرها من المطبوعات المماثلة في لغته القومية.
ويمكن معرفة ثلاث مراحل متعاقبة في عمل المترجم.
1- وضع المعادل اللغوية لجميع المفاهيم الغامضة في مجالات الاختصاص المختلفة والكامنة في النص الأصلي.
2- الفهم الشامل للكتاب المترجم، ربما في ذلك الأدوات التعبيرية الدقيقة التي يستخدمها المؤلف.
3- خلق كتاب في لغة أخرى.
تمثل هذه المجموعة من معاجم اللغتين واللغة الواحدة والمعاجم الموجزة على حقل معين (كالمعاجم التكنيكية والموسيقية والتجارية والفلسفية والطبية والكيماوية… إلخ) ومعاجم الاصطلاحات والتاريخ والجغرافيا والموسوعات الأدبية ومعاجم اللهجة العامية والمختصرات والألفاظ، وكذلك معجم الكلمات الأجنبية واللغة الأصلية، ومعجم كتاب شكسبير، وأعتقد أن مترجم الأدب الفتي الذي (يترجم من دون استخدام المعجم) ليس مترجماً على العموم.