ألمانيا.. المانشافت بطل عينه على الرقم القياسي
| خالد عرنوس
هي بطلة العالم ومتزعمة النسخة الأخيرة عن جدارة واستحقاق بتشكيلة ودَّع قرابة نصفها القميص الوطني اعتزالاً دولياً أو ابتعاداً كلياً عن الملاعب، وبطلة كأس القارات الأخيرة بكتيبة شابة، وبين هذه وتلك يطمح المدرب الوطني المحنك يواكيم لوف للوصول إلى سبق تاريخي والاحتفاظ باللقب العالمي للمرة الأولى منذ عام 1962 ثم مواصلة تحطيم الأرقام القياسية على مستوى العرس الكروي الأشهر في العالم، الذي تحتله ألمانيا على كثير من الصعد، وإن كان اللقب الخامس سيضعها في المقام الأول على الإطلاق، فالمانشافت على الرغم من غيابه عن النسختين الأولى والرابعة إلا أنه حقق أفضل المعدلات على صعيد مربع الكبار، فهو الأكثر خوضاً للنهائي، والأكثر حضوراً في مربع الكبار، والأكثر خوضاً للمباريات تحت خيمة المونديال، والأهداف المسجلة، وحتى الهدافين.
ماكينات لا تهدأ
يُلقب المنتخب الألماني بالماكينات لاعتماد كرته عموماً على اللاعبين ذوي البنية الجسمية المصنوعة بجودة عالية، الذين يتمتعون بلياقة بدنية لا تجارى، ولأنهم لا يكلون ولا يملون وهم يلهثون وراء الكرة من دون تراجع أو استسلام، فقد أصبح اللعب القوي والسريع وعدم الاستسلام سمة الكرة الألمانية، ما جعل منتخباتها المتعاقبة رقماً صعباً في كأس العالم وأمم أوروبا التي يتزعمونها بثلاثة ألقاب ومثلها وصافة.
وبالعودة إلى المونديال فلم يشارك المانشافت بالنسخة الأولى، لكنه سرعان ما وجد لنفسه مكاناً بين كبار البطولة الثانية، وفي الثالثة خرج بمفاجأة من الدور الأول، قبل أن يغيب لأسباب سياسية عن 1950، وفي سويسرا 1954 أصبح الألمان ثالث بطل للعالم بعدما قهروا المجريين بفريقهم الذهبي (معجزة برن) 3/2 عقب التأخر بهدفين، وكذلك بعد خسارته أمام الفريق ذاته بالدور الأول 3/8، ومذاك أضحى المانشافت ركيزة أساسية من ركائز العرس العالمي، وقد استطاع الفوز بالكأس ثانية بعد 20 عاماً على أراضيه، وخسر النهائي ثلاث مرات (1966 و1982 و1986) قبل أن يتعادل مع البرازيليين والطليان باللقب الثالث عام 1990، وكل هذه الإنجازات تحت راية القسم الغربي من البلاد بعد الحرب العالمية الثانية التي قسمت بلاد الرايخ إلى شرق وغرب قبل أن تعود ألمانيا موحدة عقب سقوط جدار برلين عام 1989.
وشهدت الكرة الألمانية تراجعاً طفيفاً أيام الوحدة رغم انتزاعها اللقب القاري عام 1996، إلا أنها خسرت النهائي العالمي 2002 قبل أن تصل إلى النجمة الرابعة عام 2014، بعد مشوار للذكرى للمانشافت وللمدرب لوف وللهداف كلوزه الذي تصدر لائحة هدافي البطولة تاريخياً.
بعد ربع قرن
منذ عودة ألمانيا الاتحادية تعذب المانشافت مونديالياً وهو المتوج بنسخته الأخيرة قبل (الوحدة) فخرج من ربع النهائي مرتين متتاليتين، قبل أن يفاجئ العالم بالتأهل لنهائي 2002، وهناك خسر بالتثبيت أمام السيليساو، واستضافت ألمانيا الحدث عام 2006 إلا أن فريق كلينسمان اكتفى بالمركز الثالث، ليتسلم لوف المهمة، وفي 2010 عادت القصة ذاتها فخسر نصف النهائي أمام البطل، وفي النسخة الأخيرة شاءت الظروف أن يتوج للمرة الرابعة والأولى لفريق أوروبي في أميركا الجنوبية، والأهم أنه قهر أرجنتين (ميسي) في النهائي بهدف يتيم بعدما اكتسح بالقاضية أبناء السامبا في ثأر تاريخي تجددت به أتراح ماراكانا (1950) وبشكل أكثر قسوة خلال نصف نهائي تاريخي أذل السيليساو إلى أجل غير مسمى.
ذلك الفوز جاء بأقدام تقدم معظمها بالسن، فاعتزل كثيرون أمثال القائد فيليب لام والهداف كلوزه، ولحق بهما بودولسكي وشفانشتايغر وبقي القليل، مع عدم نسيان تراجع مستوى البعض، وفي خضم الطريق الألماني لروسيا 2018 قرر المدرب لوف خوض بطولة القارات بالصف الثاني الذي استطاع الظفر بكأسها للمرة الأولى واضعاً يواكيم تحت ضغط من نوع آخر، فقد أصبح مطالباً بالحفاظ على اللقب بفضل تشكيلة يفترض أن تكون متكاملة من المخضرمين والشباب.
مشوار سهل
صيف 2016 دخل الفريق المتجدد منافسات اليورو، فبلغ نصف النهائي بعد ثلاثة انتصارات وتعادلين ثانيهما شهد الهدف الأول بمرمى نوير وجاء بعد 411 دقيقة، وشاء القدر أن يثأر الفرنسيون من كل هزائمهم الرسمية ويفوزوا بهدفين حارمين الألمان من نهائي سابع.
العودة الأولى للمانشافت بعد البطولة كما كل منتخبات أوروبا كانت لخوض منافسات التصفيات المؤهلة إلى روسيا 2018، وقد أوقعته القرعة في المجموعة الثالثة، وكما كان متوقعاً جاءت مسيرة أولاد لوف سهلة إلى حد كبير، فكانت خير إعداد للنهائيات من خلال تجريب العديد من اللاعبين واكتسابهم خبرة المنافسات الدولية، وجاءت النتائج تاريخية قياسية على مستوى المشاركات الألمانية في التصفيات، فقد حقق المانشافت العلامة الكاملة بعشرة انتصارات للمرة الأولى بتاريخه، علماً أن المانشافت سجل سابقاً انتصارات كاملة في تصفيات 1962 (4 مباريات) و1982 (8 انتصارات)، وسبق للمانشافت الذي خسر مرتين فقط خلال مشوار التصفيات وكلاهما بأرضه أن سجل 10 انتصارات كاملة في تصفيات يورو 2012، وفوق ذلك نجح 19 لاعباً بتسجيل هدف واحد على الأقل في هذه التصفيات (رقم قياسي).
ماكينات متجددة
بطل العالم مطالب بالحفاظ على لقبه، ويبدو الأمر متاحاً عند استعراض لائحة اللاعبين التي سيعتمد عليها لوف، فحراسة المرمى في أيد أمينة بوجود مانويل نوير (البايرن) وبديله تير شتيغن (برشلونة)، أما في الدفاع فهناك المخضرم مات هوميلس وجيروم بواتينغ وجوشوا كيميش (البايرن) وأنتونيو روديغر (تشيلسي) وجوناثان تاه (ليفركوزن) وماتياس غينتر (دورتموند).
في خط الوسط يمثل دينامو وسط الريال توني كروس مركز الثقل، وإلى جواره مسعود أوزيل (آرسنال) ويوليان دراكسلر (سان جيرمان) والصاعدون ليروي ساني وماكس ماير وسيرج غانابري، والحيرة الحقيقية التي تواجه لوف تتمثل بخط الهجوم وخاصة بعد تألق ليون غورتسيكا وتيمو فيرنر ولارس ستيندل ومن ثم فإن توماس موللر والخبير ماريو غوميز بحاجة إلى إقناعه بكفاءتهم من أجل المشاركة في النهائيات، ولا ننسى لاعبين أمثال إيلكاي غوندوغان وسباستيان ردوي.
الحفاظ على القمة أصعب من الوصول إليها هي حقيقة يدركها لوف والألمان لكنهم يبقون مرشحين للحفاظ على لقبهم، فالأجواء الروسية قريبة من بلادهم، وأسلحتهم فعالة قادرة على الوصول إلى هدفها.. فهل يضع نوير ورفاقه النجمة الخامسة على صدورهم؟