من دفتر الوطن

السهر!

| عصام داري

ارتبط السهر بالعشق والهوى والغرام على طول الأيام، وبهجر الحبيب، أو التفكير فيه إلى درجة الإصابة بالأرق وعدم النوم، وربما الموعد الغرامي الأول هو ما أكثر أسباب السهر.
لكن بعيداً عن هموم الحب فإن للسهر عناوين كثيرة وأسباباً أكثر، ويسهر الناس بين فرحة هنا وحزن هناك، وألم هنالك، وخشية وخوف، وربما رعب.
نسهر عادة لاقتناص ساعة فرح ومرح تنسينا للحظات، أو ساعات، مشاكل الحياة وهمومها، وننسى في تلك اللحظات جنوداً مجهولين وفروا بسهرهم لنا الأمن والأمان، وحتى رغيف الخبز وأبسط مقومات الحياة.
هناك من يسهر على أمن الوطن والمواطن في أماكن كثيرة، على الحدود، وفي الداخل، لا يطلب عطفاً ولا شكوراً، وهناك من يسهر على رعاية مريض عزيز على قلبه، وهناك كذلك من يسهر طلباً للعلم: ومن طلب العلا سهر الليالي.
وإذا كان الشعر المنسوب لعمر الخيام القائل: فما أطال النوم عمراً ولا قصر في الأعمار طول السهر، فإن الدراسات العلمية الحديثة تؤكد عكس ذلك وتقول إن السهر يسبب الأمراض وحتى يقصر الأعمار.
في الغناء والطرب نستطيع تعداد عشرات الأغاني عن السهر، وأول أغنية تخطر في بالي هي أغنية «سهار» لفيروز وهي من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب.
هي واحدة من ثلاث أغنيات لحنها عبد الوهاب لفيروز، ولهذه الأغنية حكاية، فقد استغرب الموسيقار الكبير وجود حرف باللهجة اللبنانية يغني عن كلمة، فالكلمات التي وضعها الأخوان رحباني تقول:«سهار بعد سهار.. تـ يحرز المشوار» فحرف التاء هنا – كما يقول عبد الوهاب- يقابله في اللهجة المصرية كلمة «علشان».
ومادام الحديث وصل إلى عبد الوهاب فهو نفسه غنى للسهر، وربما أكثر أغانيه شهرة عن السهر هي سهرت منه الليالي.. مال الغرام ومالي.. إن صد عني حبيبي.. فلست عنه بسالي» ولمن لا يعرف، فإن كلمات الأغنية من تأليف حسين أحمد شوقي، ابن أمير الشعراء.
وغنت أم كلثوم من كلمات رامي ولحن السنباطي: سهران لوحدي أناجي طيفك الساري.. سابح في وجدي ودمعي ع الخدود جاري.
أما كارم محمود فهو يطلب من الليل أن يطول ليعيش ساعات حبه وغرامه: «أمانة عليك يا ليل طوّل.. وهات العمر من أول» على حين تشكو شاديا من حبيبها لأنه سرق النوم منها: «يا سارق من عيني النوم.. إن نمت دقيقة تصحيني» وفي المعنى والحالة نفسها تغني فيروز: «من عز النوم بتسرقني».
السهر أيضاً هو تعبير عن الفرح والأعياد، والعيد يطرق الأبواب، وقد غنى طوني حنا وسلوى قطريب معاً «طال السهر وأيام العيد.. نامت عكتف غنانينا يا رايحين بعيد بعيد ابقوا اذكروا ليالينا».
لكن هناك أيضاً من يدعو للنوم! أليس غريباً؟.. الشاعر معروف الرصافي الشهير بمواقفه الوطنية يقول: «يا قومُ لا تتكلموا … إن الكلامَ محرّمُ نامُوا ولا تستيقظوا … ما فازَ إلا النومُ».
هي دعوة ثائر على الاستعمار والحريات التي يزعم أنه يدافع عنها، وسخرية من الأوضاع العربية وتكميم الأفواه، ووجد الشاعر أن الأسلوب الساخر أفضل طريق يوصل من خلاله فكرته وثورته للناس وللمستعمر في آن واحد.
هي دعوة إلى الحياة والسهر على الأوطان، والدفاع عن الحرية والعدل والخير والحب مغلفة بدعوة إلى النوم، وقد وصلت الرسالة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن