رياضة

المجموعة السابعة.. مرشحان وضيف ونسر يبحث عن التحليق

| خالد عرنوس

للوهلة الأولى تبدو المجموعة السابعة محسومة لمصلحة ممثلي القارة العجوز فالإنكليز لديهم من العراقة ما يكفي لحسم الأمور بفريق شاب يقوده مدرب طموح بلا ضجيج الأسماء الكبيرة أما الشياطين الحمر البلجيكيون فيملكون تشكيلة بأسماء لامعة يعزز حظوظها تجربة المونديال الفائت، وبالمقابل فإن منتخب بنما ضيف جديد على العرس العالمي وأبعد طموحاته مغادرة البطولة دون فضائح على خطا (سلفادور 1982) ولعل نسور قرطاج التوانسة يرغبون في لعب دور المشاغب وليس لديهم ما يخسرونه وربما رغبوا في مفاجأة كبيرة على غرار (مغرب 1986).

بلجيكا

الشياطين وتعويض خيبة مونديال 2014

في أولمبياد 1920 قدم منتخب بلجيكا أداءً راقياً وتوج بفضله بالذهب للمرة الأولى والأخيرة، فاستحق لاعبوه يومها لقب الشياطين الحمر، وذلك لتحركاتهم السريعة مع الكرة أو من دونها فكانت طريقة لم تعهدها أوروبا يومها، إلا أن المنتخب البلجيكي انهار سريعاً فخسر لقبه بالدورة التالية بشكل دراماتيكي أمام السويد بنتيجة كاسحة 1/8.
وغاب المنتخب البلجيكي عن الأضواء 60 عاماً وإن لم يغب عن البطولات، لكنه اكتفى بلعب أدوار صغيرة، وفي يورو 1980 تأهل للنهائي وخسره من المانشافت، فتوقع المراقبون أن يكون حضوره في مونديال إسبانيا استثنائياً، إلا أنه اكتفى بالفوز على بطل العالم، لكنه عوض ذلك في المكسيك 86 عندما بلغ نصف النهائي، وهو إنجازه الأفضل مونديالياً، وفي المونديال الفائت توقع له الكثيرون أن يعيد الكرّة لكن رفاق هازارد اكتفوا بربع النهائي، وهاهم الشياطين الحمر تأهلوا إلى روسيا بسجل غير مسبوق، وقد ازدادوا خبرة وتوهجاً على أمل تحقيق الأفضل.

14 مشاركة

كان الاتحاد البلجيكي أشد المتحمسين للمونديال فشارك منتخبه بالنسخة الأولى لكنه عاد بهزيمتين دون تسجيل، وتابع الظهور في النسختين الثانية والثالثة فخرج من الدور الأول الذي لعب بطريقة خروج المغلوب، وغاب عن مونديال البرازيل قبل أن يعود إلى سويسرا 1954، وهناك حصل على أول نقطة بتعادل تاريخي مع الإنكليز 4/4 ولم ينفعه بعد الهزيمة 1/4 من الطليان، ولم يعد البلجيكيون إلا في مونديال 1970، وهناك حقق فوزه الأول مكتفياً بشرف الظهور، وفي إسبانيا 1982 ارتفع سقف التوقعات ولاسيما بعد الإنجاز القاري وبدا ذلك ممكناً عقب الفوز على التانغو افتتاحاً، ولم يكن ذلك سوى فقاعة كبيرة انتهى مفعولها بالدور الثاني بالخسارة أمام السوفييت والبولنديين.

إنجاز للتاريخ

في النسخة التالية لم تكن البداية على مستوى الطموحات، لكن الشياطين تجاوزوا الدور الأول بفضل نظام البطولة من المركز الثالث وانتفض كولمانس وشيفو وغيريتس ورفاقهم بقيادة المدرب غي تايس في دور الـ16 وهزموا السوفييت 4/3 بعد مباراة تاريخية، واستمر التألق في ربع النهائي فأوقف انتفاضة اللاروخا الإسباني بعد تألق لافت للحارس بفاف، وبلغ نصف النهائي بركلات الترجيح، وهناك اصطدم براقصي التانغو ومبدعهم مارادونا الذي ثأر لخسارة البطولة السابقة بهدفين سجلهما بنفسه، قبل أن يخسر أمام رفاق بلاتيني 4/2 في مباراة الترتيب.
ذلك الإنجاز بقي منفرداً على الرغم من خوض المنتخب خمسة نهائيات عالمية بعدها، فاكتفى بالدور الثاني في ثلاثة منها، ففي مونديال 1990 خسر بهدف الدقيقة 120 أمام الإنكليز، وفي البطولة التالية كانت المواجهة مع الألمان مثيرة وانتهت بالخسارة 2/3، وفي عام 2002 اصطدم بالبرازيليين وكانت الخسارة بهدفين بعدما ألغى الحكم هدفاً صحيحاً للبلجيك الذين كانوا غادروا بطولة 1998 من الباب الخلفي.
بعدما غاب عن نسختي 2006 و2010 عاد الحمر إلى مونديال 2014 بحظوظ لم تصل إليها حتى التشكيلة التي حلت رابعة 1986، وبعد دور أول حصدوا خلاله العلامة الكاملة للمرة الأولى بتاريخ مشاركاتهم تجاوزوا أميركا 2/1 بعد التمديد في الدور الثاني قبل أن يتوقف مشوارهم عند الحاجز الأرجنتيني بهدف مبكر في ربع النهائي.

خيبتان.. عالمية وأوروبية

قبل المونديال البرازيلي وضعت ترشيحات المراقبين المنتخب البلجيكي بين المرشحين للمنافسة تحت قيادة المدرب مارك فيلموتس الذي مثل بلاده في أربع نسخ سابقة لاعباً، فتشكيلته ضمت نخبة من اللاعبين المتوهجين في كبريات الأندية الأوروبية، وتعزز هذا الاعتقاد حتى دور الثمانية عندما اصطدم براقصي التانغو، وهناك عاندته الظروف ليخسر النزال بصعوبة.
ولم يكن غريباً على لاعبي فيلموتس أن يتأهلوا إلى النهائيات الأوروبية ودخل الفريق أرض الجارة فرنسا مرشحاً للكأس القارية وخاصة أن لاعبيه كسبوا خبرة محلية ودولية جديدة إلا أن الذي حدث لم يكن بالحسبان ففي ربع النهائي كان التوقف مجدداً فقد خسر رفاق هازارد أمام ويلز بنتيجة 1/3.

شياطين خبيرة

لم يتغير الأمر كثيراً عما كان في مونديال البرازيل ويورو فرنسا، فالشياطين الحمر مازالوا مرشحين لتجديد إنجاز 1986 وقد تكون التبديلات التي طرأت في مصلحة المدرب الإسباني روبرتو مارتينيز الذي خلف فيلموتس عقب يورو 2016، فقد ازدادوا خبرة بدءاً من الحارس تيبو كورتوا وليس نهاية عند إيدين هازارد وكلاهما يتألق في تشيلسي والأخير يبقى بيضة القبان في تشكيلة بلاده التي تتألف من لاعبين محترفين إضافة إلى لاعبين فقط يلعبان في الدوري البلجيكي.
ومن الأسماء البارزة الكثيرة التي يمكن الاعتماد عليها فينسنت كومباني وكيفن دي بروين وفيرتونخين وموسى ديمبلي وناصر الشاذلي ومروان فيلاييني وميشيل باتشواي وكيفن ميراليس وروميلو لوكاكو وتوبي الدرفيلد وسيمون مينوليه وكل هؤلاء يلعبون في البريميرليغ، وهناك أيضاً درايس ميرتينز (نابولي) وتوماس فيرمايلين (برشلونة) وتوماس مونييه (سان جيرمان) وتورغان هازارد (غلادباخ) وديفوك أوريجي (فولفسبورغ) ويانيك كاراسكو (أتلتيكو مدريد) ويوري تيليمان (موناكو).
بعد النظر إلى الأسماء الآنفة الذكر سيكون من الجنون عدم ترشيح بلجيكا للعب دور مهم في المونديال وهي برسم خطط المدرب الطموح، فهل يفعلها الشياطين بالتعويض عن خيبات ثلاثة عقود أخيرة؟

بنما

ضيف اللحظات الأخيرة وقاهر أميركا

التأهل إلى بطولة كروية كبيرة هو الهدف الذي يطمح له الكبير والصغير في عالم المستديرة، لكن أن يأتي في اللحظات الأخيرة فتلك قمة الإثارة والفرح، ويبلغ الأمر ذروة النشوة بتحقيقه عندما يكون المتأهل من المغمورين حتى على صعيد قارته، فما بالنا عندما تكون البطولة بحجم المونديال وللمرة الأولى في تاريخ هذا البلد.
هذا ما حدث مع منتخب بنما أحد ضيفين جديدين على العرس العالمي، فقد فاز منتخب هذا البلد الصغير الذي يفصل بين الأميركيتين ببطاقة روسيا 2018 مع اللحظات الأخيرة من تصفيات أميركا الشمالية والوسطى، ولم يكتف يومها بالفوز على كوستاريكا وبلوغ المونديال، بل أبعد المنتخب الأميركي عن النهائيات للمرة الأولى منذ 1990.

في الظل

موقع بنما الجغرافي المتميز وهي التي انفصلت عن كونها مقاطعة كولومبية، وأعلنت استقلالها مطلع القرن العشرين، جعلها عرضة لاستقبال لعبة كرة القدم التي لم تلقَ الكثير من الاهتمام حتى وقت متأخر، فتأسس الاتحاد البنمي للعبة عام 1937، وفي العام التالي أصبح أحد أعضاء الفيفا لكن المنتخب البنمي تأخر بالمشاركة في المنافسات الدولية حتى مطلع السبعينيات.
في أيلول 1961 كان الاتحاد البنمي أحد المؤسسين لاتحاد أميركا الشمالية والوسطى، فجاءت مشاركتها الأولى ببطولة اتحاد (الكونكاكاف) بعد عامين، لكنها بقيت ضيف شرف فيها، فلم تحقق أي إنجاز يُذكر حتى انتهت البطولة باسمها القديم، علماً أنها أقيمت في آخر خمس نسخ منها بين 1973 و1989 بمنزلة تصفيات مؤهلة إلى المونديال.

إنج ازات على المقاس

حلت بطولة الكأس الذهبية مكان بطولة الكونكاكاف مطلع التسعينيات، وباتت الولايات المتحدة مكاناً شبه دائم لإقامتها، لكن حال البنميين لم يتغير، فبقوا في الصفوف الخلفية، حتى إنهم لم يتأهلوا سوى مرة واحدة من أول سبع نسخ، وانتظر المنتخب الملقب بـ«المد الأحمر» حتى النسخة الثامنة ليخترق جدار الكبار، فبلغ النهائي بعدما تجاوز في طريقه ضيف البطولة الكولومبي بنصف النهائي، وقبله الضيف الآخر الجنوب إفريقي في ربع النهائي، وواجه الأميركان في النهائي، وفرض عليهم التعادل السلبي مدة 120 دقيقة قبل الخسارة بالترجيح.
تلك البطولة شكلت منعطفاً مهماً في مسيرة لوس كاناليروس (رجال القناة)، فبات حضوره في البطولة لافتاً، فغادر النسختين التاليتين، وفي كلتيهما كان الخصم الفائز أبناء العم سام الذين أصبحوا العقدة الدائمة للبنميين، فأنهوا مسيرتهم في نسخة 2011 من نصف النهائي، رغم أن مباراة الدور الأول بينهما في تلك البطولة انتهت بنمية، وحضرت عقدة اليانكيز في نسخة 2013، وهذه المرة في النهائي بهدف، وفي 2015 خسر البنمي نصف نهائي أمام المكسيك قبل أن يحل ثالثاً على حساب الأميركان بركلات الحظ، وجاءت بطولة 2017 وسط انشغال البنميين بتصفيات المونديال، فخرجوا من ربع النهائي أمام الكوستاريكيين.

صفر اليدين

لم يختلف الأمر كثيراً على صعيد تصفيات مونديالية منذ أن عادت منفصلة عن بطولة الكونكاكاف، فخسر من الجولة الأولى لتصفيات 1994 أمام كوستاريكا، رغم فوزه ذهاباً بهدف، وأنهى المرحلة الثالثة من تصفيات 1998 بفوز يتيم من 6 مباريات، وفي 2002 تكرر الأمر ذاته من دون أي فوز محتلاً المركز الأخير لمجموعة الدور قبل النهائي.
في تصفيات 2006 بلغ مرحلة الدوري النهائي للمرة الأولى، لكنه خرج متذيلاً الترتيب بعد 10 مباريات فشل خلالها بحصد أكثر من نقطتين، وفشل بتجاوز المرحلة الثانية التي دخلها بشكل مباشر 2010 عندما تقدم على السلفادور بهدف قبل أن يخسر 1/3، وحملت تصفيات 2014 النتائج الأفضل في تاريخه فقد حقق 4 انتصارات في مجموعته بالدور الثاني، ثم تجاوز الثالث بحلوله وصيفاً لهندوراس بالمجموعة الثالثة، ليبلغ الدور الحاسم للمرة الأولى، وهناك عاد إلى وضعه الطبيعي بحلوله خامساً بين ستة منتخبات، بفوز يتيم و5 تعادلات و4 هزائم.

بعد طول انتظار

عام 2014 جاء الكولومبي هيرنان داريو غوميز ليخلف خوليو ديلي فالديز النجم الأشهر في تاريخ بنما على رأس الجهاز الفني لرجال القناة، والكولومبي القصير الماكر لم يبرع لاعباً، لكنه أثبت مكانته مدرباً منذ أن كان مساعداً لمواطنه ماتورانا لمنتخب بلاده في مونديالي 1990 و1994، قبل أن يتسلم المهمة مدرباً رئيساً لكولومبيا، فقاده إلى نهائيات مونديال 1998، ثم انتقل للإكوادور ليؤهل منتخبها إلى المونديال للمرة الأولى بتاريخها 2002، ولذلك ساد التفاؤل أجواء البنميين، ولم يأت هذا من فراغ، فقد ظهر المنتخب بحال جيدة بعد فوزه المزدوج على جامايكا في الدور الرابع، ليصعد برفقة كوستاريكا إلى المرحلة الأخيرة، وهناك بدأ بفوز على أرض هندوراس، إلا أن الجولات الست التالية لم تحمل أكثر من أربعة تعادلات منها ثلاثة على أرضه، وخسر من المكسيك وترينيداد، وفي الجولة الثامنة استعاد بعض الأمل بالرد على الأخير بالثلاثة، وجاءت الهزيمة الأقسى على أرض الأميركان لتحبس أنفاس مناصريه الذين أطلقوا العنان في الجولة الأخيرة لأفراحهم التاريخية مع الدقائق الأخيرة لمباراتهم مع كوستاريكا عندما سجل رامون توريس هدف الفوز التاريخي الذي وضع «لوس كانالوس» في المونديال.

التجربة الكولومبية

لم يكن غوميز الأجنبي الأول الذي يشرف على بنما، فأول من دربها كان أورغويانياً، ويعد الكولومبي السادس الذي يتسلم هذا المنصب، بداية من كازانوفا (1950) ونهاية بإغناسيو هيرنانديز (2004)، لكنه أصبح المحبوب الأول، وهو الذي وضع اسم بنما على خريطة النهائيات العالمية بعد عمل مضنٍ استمر ثلاث سنوات.
ومن المؤكد أن عمل المدرب ترافق مع تألق عدد من اللاعبين الذين كانوا فدائيين على أرض الملعب ورغم احتراف بعضهم خارج البلاد، فإنهم ليسوا معروفين على صعيد الدوريات الشهيرة، ومن هؤلاء: بليس بيريز وغابرييل توريس ورومان توريس وإسماعيل دياز وأرماندو كوبر وفيديل اسكوبار وميشيل موريللو، وربما يقود الفريق في روسيا الكابتن المخضرم فيليب بالوي (37 سنة)، وهناك الموهبة الصاعدة ريكاردو أفيلا وهو محترف في نادي جنك البلجيكي.
داريو غوميز ولاعبوه المغمورون مدعوون لخوض امتحانهم الأول بحجم المونديال، وآمالهم لا تتجاوز الخروج بصورة جيدة مع قناعتهم أنهم سيغادرون روسيا من الدور الأول؟

تونس

نسور قرطاج حلّقت بأجنحة محلية
قبل أربعين عاماً بالتمام والكمال أطلق المنتخب التونسي بقيادة المدرب عبد المجيد الشتالي ونجومه الرائعين (دياب وتميم والنايلي وغميض وبقية سرب نسور قرطاج) صيحة مدوية في العرس العالمي بتسجيله الفوز المونديالي الأول للعرب، قبل أن يفرض التعادل على أبطال العالم الألمان (يومها)، وإن خرج يومها من الدور الأول، لكنه غادر برأس مرفوع بعد أداء مميز.
وعاود التونسيون المشاركة المونديالية ثلاث مرات أخرى، لكن العامل الأجنبي كان البارز فيها، حيث شغل منصب المدير الفني فرنسيان وبولندي، وهاهي الأيدي المحلية تعود لتكون صاحبة الإنجاز، ولتثبت أنها لا تقل كفاءة عن (الخواجات)، فقد استطاع الحمر بلوغ المونديال للمرة الخامسة بتاريخهم تحت قيادة نبيل معلول أحد الدوليين السابقين ولم يسبق له شرف المشاركة بكأس العالم لاعباً، وهاهو يحظى بهذا الشرف مدرباً.

بداية تحت الاحتلال

كحال الدول الإفريقية عرفت تونس كرة القدم من خلال المحتل وجنوده وكان هذه المرة فرنسياً، حيث انتشرت اللعبة في تونس بين الحربين العالميتين، فتأسس أكثر من ناد في مدن البلاد التي تعرف بالخضراء، وأصبح الدوري المحلي من أقدم الدوريات في بلدان القارة السمراء، لكن رؤية منتخب يمثل تونس بقي حلماً حتى إعلان الاستقلال عام 1956 رغم محاولات سابقة إلا أنها بقيت ضمن إطار دولة الاحتلال.
مع إعلان الاستقلال تأسس الاتحاد التونسي، وفي العام التالي جاء الظهور الأول أمام الجزائر، وبعد أربع سنوات كان أحد أعضاء الاتحادين الإفريقي والعالمي، لينطلق نسور قرطاج للمشاركة في الاستحقاقات الخارجية التي بدأت بشكل أبكر عندما شاركوا بدورة الألعاب العربية.

وصافة قارية وتأهل مونديالي

أواخر عام 1960 ظهر المنتخب الأحمر للمرة الأولى في تصفيات مونديال تشيلي، وبعد مواجهة ماراثونية مع المغربي تبادلا فيها الفوز، امتد التعادل إلى المباراة الفاصلة في باليرمو الإيطالية، لتضع القرعة حداً لأول مغامرة تونسية، وإفريقياً خاض تصفيات كأس الأمم، وبعد انسحاب نيجيريا من مباراة الإياب إثر تأخره بهدفين أُعلن تأهل التوانسة إلى نهائيات 1962، وهناك حلّوا ثالثاً بين أربعة منتخبات. وخرجوا من الدور الأول بنسخة 1963، قبل استضافة النسخة الخامسة بعد عامين، فحل وصيفاً عقب خسارته النهائي أمام غانا 2/3.
وعاد إلى بطولة 1978 وهناك حل ثالثاً على حساب نيجيريا، ومرة جديدة بالانسحاب احتجاجاً على التحكيم، وجاءت تلك المشاركة بعدما ضمن أبناء قرطاج تأهلهم للمونديال، فبعد خروجه من الدور الثاني لتصفيات 1970 بعد قرعة جديدة مع المغاربة بالذات و3 مواجهات، و1974 بفارق الأهداف أمام ساحل العاج، جاءت تصفيات مونديال الأرجنتين ليحلق النسور عالياً، فتخطوا أولاً المغرب بالترجيح، ثم الجزائر، وثالثاً غينيا ليجمعهم الدور الحاسم مع نيجيريا ومصر، ومع الأخير خاضوا المباراة الأخيرة وكانوا بحاجة فيها للفوز وكان لهم بالأربعة.

صيحة عربية

في أرض الفضة أوقعته القرعة في المجموعة الثانية مع بطل وثالث العالم (ألمانيا وبولندا) والمكسيك ، ومن حسن حظ شتالي ونجومه أن غرة مبارياتهم مع الأخير، وبركلة جزاء أنهى ممثل الكونكاكاف الشوط الأول متقدماً، قبل أن يقلب الكعبي وغميض وذويب النتيجة مسجلين الفوز الأول للعرب، وارتفعت المعنويات فقدم مباراة جميلة أمام بولندا، لكنه خسر بهدف إثر خطأ دفاعي، وفي الختام نازل المانشافت وكان نداً له، فخرجا بتعادل سلبي، وغادر رفاق طارق دياب البطولة بفخر.
غاب الحمر عن البطولة القارية في خمس نسخ متتالية، وجاءت مشاركة 1982 قبلها مخيبة، وحتى عندما استضافت بلادهم بطولة 1994 بعدها لم يحصدوا سوى الخزي، وفي 1996 بجنوب إفريقيا استعادوا بعضاً من التوهج فقد باغتوا الجميع بالتأهل إلى النهائي للمرة الثانية بتاريخهم، وخسروا أمام أصحاب الدار بهدفين متأخرين.

حقبة ذهبية

إنجاز الوصافة كان فاتحة خير فقد عاد المنتخب إلى المونديال بعد 20 عاماً، وبفضل ذاك الجيل وملحقاته استطاع بلوغ النهائيات العالمية ثلاث نسخ متتالية، لكنه في كل مرة كان يكتفي بتعادل وخسارتين، وفي خضم تلك المشاركات المونديالية تقلبت النتائج على صعيد الكأس الأفريقي، فمن وصيف 1996 إلى خروج من ربع نهائي 1998، ثم الحلول رابعاً في 2000، والخروج من الدور الأول 2002 وفي 2004 حقق رفاق الطرابلسي إنجازهم الأهم قارياً بتتويجهم بالكأس، مستفيدين من زخم جماهيري عندما استضافت تونس البطولة، ولم يكن منافس النهائي سوى المغربي الذي خسر بصعوبة 1/2.

تراجع وصعود

بالطبع لم يغب المنتخب التونسي عن النهائيات الإفريقية، إلا أنه لم يصل حتى نصف النهائي بعد اللقب اليتيم¡ أما مونديالياً فقد حقق الحضور الأخير في المونديال الألماني، قبل أن يفشل بتكرار ذلك، فسقط في تصفيات 2010 و2014، وخلال هذه الفترة تناوب على قيادته عدد من المدربين، بداية من لومير المتوج باللقب القاري وانتهاءً بكاسبرجاك الذي أقيل ليحل مكانه المحلي نبيل معلول في نيسان (أبريل) 2017، وسبق لمعلول أن دربه 6 أشهر عام 2013، وجاءت عودته هذه المرة بكل الخير، حيث واصل الفريق النتائج الجيدة في التصفيات، مسجلاً فوزين وتعادلين آخرهما كان كافياً لإعادته إلى النهائيات.

سرب النسور

اعتمدت منتخبات إفريقيا طوال ثلاثة عقود فائتة على محترفيها في القارة الأوروبية، ويتفاوت ذلك بين منتخب وآخر، وتعتبر منتخبات الشمال أقل اعتماداً على العنصر الخارجي، ومنها المنتخب التونسي الذي يضم بعضاً ممن ينشطون خارج البلاد، وعلى رأسهم لاعب سندرلاند وهبي الخزري وعلي معلول مدافع الأهلي المصري وبسام صرارفي (نيس) وديلان برون (جنت) وأسامة الحدادي ونعيم سيليتي (ديجون) وكريم العربي (تشيزينا) وحمدي الحرباوي (أندرلخت)، ومن المحليين أيمن المثلوثي وفرجاني ساسي وفخر الدين بن يوسف وأنيس البدري وصابر خليفة.

إنكلترا

عندما يكون الأشبال نبراساً للأسود

مهما اختلفنا على منشأ كرة القدم فإن حقيقة ثابتة تقول: الإنكليز هم أصحاب الفضل في إرساء قوانين اللعبة التي نعرفها الآن وعشقناها منذ نعومة الأظفار، وعاش أبناء بلاد الضباب في برج عاجي ردحاً من الزمن قبل اكتشافهم أن بلاداً استوردت هذه اللعبة منهم سبقتهم بأشواط، وعندما حاولوا اللحاق بقمة الكرة العالمية فشلوا، فلم يظفروا سوى ببطولة واحدة للمونديال شابها الكثير من الأقاويل، ولم يفلحوا بالتأهل إلى مربع البطولة الكبير سوى مرة ثانية، وحتى على الصعيد القاري كان الفشل أكبر، حيث لم يتوجوا باللقب الكبير وهو ما يثير علامات استفهام.

لقب يتيم ملتبس

عندما نتكلم عن العراقة فلا أحد يسبق الإنكليز، فهم مخترعو كرة القدم، وفي بلادهم أُنشئت النوادي الأولى، ثم انطلقت أول مباراة هناك، وأول بطولة، وكان الأسود الثلاثة طرفاً في المباراة الدولية الأولى، إلا أن ذلك جعل لاعبي ومسؤولي اللعبة يتعالون على الفيفا وبطولته التي انطلقت عام 1930 برفض إنكليزي ليس للمشاركة فحسب بل للفكرة برمتها، وتأخر ظهور منتخبهم حتى 1950، وهناك جاء السقوط المريع لأساطين صنعها الإعلام البريطاني، فعلى الأراضي البرازيلية خسر أمام هواة أميركا في كبرى مفاجآت المونديال، ثم أمام الإسبان فخرجوا من الدور الأول.
وتتالت المشاركات إلا أن الواقع خذل أحلام الإنكليز الذين خرجوا من ربع النهائي 1954 أمام الأورغواي، والدور ذاته في تشيلي 1962 أمام البرازيل، وبينهما كان الخروج من الدور الأول 1958، حتى جاءت المشاركة الخامسة التي نظمتها إنكلترا وتوافقت مجريات البطولة وتخطيط رئيس الفيفا آنذاك (الإنكليزي) ستانلي راوس مع جيل استثنائي للأسود الثلاثة (الأخوان تشارلتون وبوبي مور وهيرست وروجر هنت وبانكس وستايلز) قاده مدرباً آلف رامزي، وانتهت البطولة بتتويج منح راوس ورامزي لقب (سير).
في النسخة التالية سقط الإنكليز على حافة المربع قبل أن يغيبوا عن مونديالي 1974 و1978، وفي عام 1982 جاءت العودة لكنها توقفت الرحلة قبل نصف النهائي كما حدث في البطولة التالية وفي 1990 حل الأسود الثلاثة رابعاً كأفضل إنجاز بعد لقب 1966، ليتكرر الغياب عن 1994، وفشل كل أجيالهم التي تلتهم بالوصول إلى مربع الكبار فسقطوا مرتين بربع النهائي.

أسود بلا أنياب

نصف نهائي مرة ولقب وحيد سجل بعد أن حاول الإنكليز زيادته مونديالياً، ومنذ عودتهم إلى النهائيات قبل عشرين عاماً والمعطيات تقول: إنهم في طريقهم إلى إعادة إحياء ذكرى 1966 أو بلوغ الإنجاز الأقل في إيطاليا 1990 بوجود نخبة نجوم قد يفوقون نجوم 1966 جودة، لكن ربع النهائي بقي حاجزاً حصيناً فشل بيكهام وأوين وشيرر وجيرارد ولامبارد وروني وبقية السلسلة بتجاوزه، وهذا حدث 2002 و2006 وكلاهما بطاقم تدريب أجنبي للمرة الأولى بتاريخ الإنكليز، وهي وصمة عار بحد ذاتها، أما في 1998 و2010 فقد سقطوا قبل الوصول إليه، وجاءت الطامة الكبرى بالخروج من الدور الأول للمونديال الفائت الذي يمكننا مقارنته بعدم بالغياب عن مونديالات 1974 و1978 و1994.

بعيداً عن الأضواء

الفشل عنوان المونديالات الخمسة الأخيرة للإنكليز رغم الهالة التي رافقت الأجيال التي خاضت النهائيات، واليوم بعيداً عن الأسماء والنجومية يقود الإنكليز المدرب غاريث ساوثغيت الذي سبق له تدريب منتخب 21 سنة ثلاث سنوات، قبل نيل ثقة الاتحاد الإنكليزي عام 2016، وبعيداً عن الضوضاء حاول ساوثغيت الذي ظهر في مونديالي 1998 و2002 التأسيس لمرحلة جديدة يكون فيها الإنكليز قادرين على مقارعة الكبار من دون النظر إلى الأسماء.
فمنذ الخروج من الدور الأول لمونديال 2014، ثم السقوط في الدور الثاني ليورو 2016 هبطت أسهم الإنكليز، وجاء تعيين ساوثغيت (57 مباراة دولية) الذي في مهمته، فضمن مبكراً التأهل إلى المونديال من دون هزيمة، وبقي محافظاً على شباكه خمس مباريات كاملة، وتلقى أول هدف بعد 536 دقيقة، وبالنهاية أثبت قوته الدفاعية بتلقيه 3 أهداف فقط كأفضل خط دفاع بالتصفيات الأوروبية، وقد جاءت خمسة من أهدافه في الوقت البديل، ومنها ثلاثة منحته 7 نقاط.

أشبال متأهبون

لأن كثيراً من الكبار الذين ظهروا للمرة الأخيرة في مونديال البرازيل اعتزلوا أو ابتعدوا عن اللعب الدولي، فقد اعتمد المدرب الطامح لاستعادة السيادة الإنكليزية على بعض الوجوه التي لا يمكن اعتبارها من الصف الأول إلا إذا استثنينا هاري كين نجم توتنهام، ويعتمد ساوثغيت عليه بشكل أساسي إلى جانب رحيم سترلينغ وماركوس راشفورد وداني ويلبيك وجيمي فاردي في الخط الأمامي، وفي الوسط سيكون هندرسون لاعباً محورياً، وإلى جانبه آدم لالانا وديلي آلي وكيرون داير وجيسي لينغارد وجاكي ليفمور، وفي الخط الخلفي يبرز ثلاثي اليونايتد سمولينغ وفيل جونز وأشلي يونغ، وبالطبع الاعتماد على خبرة صخرة تشيلسي غاري كاهيل، وهناك أيضاً كيل ووكر وجون ستونز (السيتي) وكلاين وريان برتران.
إذاً الإنكليز سيحضرون المونديال للمرة السادسة توالياً، وهذه المرة من دون أضواء باهرة وبلا ضجيج، وحافزهم الأكبر منتخبا الشباب والناشئين اللذين توجا للمرة الأولى بكأس العالم العام الماضي ما جعلهما قدوةً للكبار في استعادة مجد عزَّ على الإنكليز لنصف قرن ونيف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن