مفاجآت الانتخابات النيابية العراقية
| أحمد ضيف اللـه
بعد خمس مرّاتٍ من التأجيل، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق فجر الـ19 من أيار الماضي النتائج النهائية للانتخابات النيابية الرابعة التي جرت في الـ12 منه، وأتت نتائجها مطابقة للتوقعات بأن تكون متقاربة لجهة عدد المقاعد التي حصل عليها كل تحالف، من دون حصول أي تحالف على أغلبية المقاعد النيابية البالغة 329 مقعداً.
النتائج كشفت عن مفاجآت مختلفة لجهة تسلسل وحجم التكتلات الفائزة، مخلفة مشهداً سياسياً شديد التعقيد في تشكيل الحكومة المقبلة من التحالفات المحتملة، حيث تتجه كل المؤشرات نحو تشكيل خريطة سياسية معقّدة، قوامها كتل ذات توجهات متقاطعة ومتصادمة، في ظل ظروف إقليمية حرجة، تمت خلالها العملية الانتخابية، وبخاصة في ظل تداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وسط خشية عراقية من أن يتحول بلدهم إلى ساحة للصراع بين هاتين القوتين.
إن أهم ما كشفت عنه نتائج الانتخابات النيابية، هو تراجع حجوم الشخصيات التقليدية أو ما يُطلق عليه بالحرس القديم، مثل رئيس «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي بحصوله على 25 مقعداً، ورئيس «ائتلاف الوطنية» إياد علاوي الذي حصل على 21 مقعداً، ورئيس «تحالف القرار العراقي» أسامة النجيفي الذي حصل على 14 مقعداً.
بمقابل، صعود كتلٍ جديدة، وتثبيت وجودها كرقم صعب في المشهد السياسي، مثل «تحالف سائرون» الذي حصل على 54 مقعداً المدعوم من التيار الصدري على أنه الأول في البيت الشيعي، ما سيمنحه كلمة في معركة اختيار رئيس الوزراء، وحضوراً فاعلاً ومؤثراً في كل المحطات السياسية المقبلة في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة. و«ائتلاف الفتح» برئاسة هادي العامري الممثل السياسي للحشد الشعبي حاصداً 47 مقعداً، مؤكداً على وجود بيئة حاضنة له، رغم كل محاولات التشويه التي طالته، فيما حل ثالثاً «ائتلاف النصر» برئاسة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بـ40 مقعداً، وذلك فيما خسرت شخصيات قيادية بارزة، كانت مهمة وفاعلة في الحراك السياسي العراقي، مقاعدها النيابية، كرئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى همام حمودي، والرئيس الأسبق للمجلس النيابي محمود المشهداني، إضافة إلى نواب آخرين، كحنان الفتلاوي، وخالد الأسدي، وميسون الدملوجي، وعباس البياتي، وحيدر الملا، وحامد المطلك، وعلي العلاق، وصادق الركابي، وعامر الخزاعي، ومشعان الجبوري، وموفق الربيعي، والكاتب السياسي حسن العلوي.
كما سجلت العملية الانتخابية نسبة مشاركة متدنية، بلغت 44.52 بالمئة، بالمقارنة مع نسب المشاركة في الانتخابات الماضية التي بلغت 79 بالمئة عام 2005، و62.4 بالمئة عام 2016، و60 بالمئة عام 2014، وبعكس الانتخابات السابقة، حيث شارك الشيعة في الانتخابات بكثافة، مقابل امتناع السنّة عن المشاركة بسبب تهديد التنظيمات الإرهابية لهم ولإحساس بعضهم بالتهميش، كانت نسبة الإحجام عن المشاركة في هذه الانتخابات عامة، بغض النظر عن الطائفة، عاكسة عدم قناعة الناخب ورضاه بأداء الطبقة السياسية خلال الأعوام الـ15 الماضية، المتهمة بالفساد وعدم تنفيذ الوعود.
ربما كان البيان الذي نشرته السفارة الأميركية في العراق على فيسبوك في الـ11 من أيار الحالي، بعد يوم واحد من الاقتراع الخاص، الذي شهد نسب مشاركة عالية بلغت 78.74 بالمئة، من أن «بعثة الولايات المتحدة تلقت معلومات عن هجمات إرهابية محتملة ضد مراكز الاقتراع في جميع أنحاء العراق، وتحديداً في أحياء أم القرى والغزالية ببغداد»، وأنها قامت بـ«تقليص تنقل أفرادها إلى هذه المناطق بشكل مؤقت»، من دون إبلاغ الحكومة العراقية بالمعلومات التي لديها عبر القنوات المختصة، ربما كان سبباً في إرباك خروج المواطنين من منازلهم، وإحجامهم عن المشاركة في العملية الانتخابية.
فيما لم تسجل أي خروقات أو حوادث أمنية تُذكر، رغم التهديدات التي كان قد أطلقها تنظيم داعش باستهداف الناخبين والمرشحين، وبالتالي تعد العملية الانتخابية التي جرت في العراق الأكثر أمناً مقارنة بالانتخابات السابقة.
إن ردود أفعال الكتل والأحزاب الكبيرة خصوصاً، وبغض النظر عن تباين اتجاهاتها وتنافرها وتناحرها، اتفقت كلها تقريباً على التشكيك بنتائج ونزاهة الانتخابات، وتراوحت ردود أفعالها، ما بين المطالبة بإعادة احتساب أصوات الناخبين بالعد والفرز اليدوي ومقارنته بالاحتساب الإلكتروني، وما بين المطالبة بإلغاء نتائج العملية الانتخابية وإعادتها.
إلا أن التجارب العراقية للدورات الانتخابية الماضية، تشير إلى عدم حصول تبدلات أو تأثير كبير على الشكل النهائي للنتائج بسبب طعون المرشحين بها، إذ إن الأمر قد حسم مع إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية لهذه الانتخابات، وبأن السياقات الدستورية سوف تأخذ مسارها بالتصديق عليها من قبل المحكمة الاتحادية العليا.
يمكن القول بهذا الشأن: إن القوى السياسية العراقية لا تنتظر في حقيقة الأمر تبدلات مفصلية في نتائج الانتخابية، وأقصى ما يمكن توقعه، هو حذف نتائج اقتراع أغلب المحطات الانتخابية في الخارج، وبعض المحطات الانتخابية داخل العراق، وهي بالمجمل لا تبدل من حجوم الكتل الفائزة بشكل مؤثر.