قضايا وآراء

فبركات بولتون- فلايتس

| تحسين الحلبي

نشر راي ماك غافرن، الذي خدم في المخابرات الأميركية المركزية «سي آي إي» 27 عاماً بمهمة محلل وكان في فترة من خدمته رئيساً لفرع متابعة السياسة الخارجية السوفيتية وكان يعد التقرير اليومي الاستخباراتي الموجز للرئيس الأميركي في تلك الفترة، نشر تحليلاً في مجلة «أنتي وور» ومجلة «كونسورتيوم نيوز» في الأول من حزيران الجاري يكشف فيه عن أخطر شخصية يستخدمها مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون وهو فريد فلايتس الذي يعمل معه الآن في مجلس الأمن القومي، فهذه الشخصية ستنشغل الآن بإعداد «فبركة» تآمرية لتبرير عدوان عسكري أميركي على إيران وحلفائها في المنطقة، يعتقد ماك غافرن أن نتائجها ستكون سيئة على الولايات المتحدة.
ويكشف ماك غافرن أن بولتون حين كان مساعد وزير الخارجية الأميركي لنزع أسلحة الدمار الشامل عام 2002 طلب من فلايتس أن يكون من صناع السياسة وليس محللاً للمعلومات الاستخباراتية، وكلفه إعداد كل ما من شأنه تبرير شن الحرب على العراق وقام بهذه المهمة عن طريق تقديم تقرير اطلع عليه محلل الاستخبارات التابعة لوزارة الخارجية الأميركية كريستيان ويستيرمان الذي تعامل مع التقرير بشكل مهني جداً وأوصى بعدم اعتماده، فقام فلايتس في 12 شباط 2002 بإرسال «إيميل» داخلي لبولتون جاء فيه: «أوضحت لويستيرمان أن هذا التقرير يحمل قراراً سياسياً حول كيفية تفسير المعلومات المرفقة فيه وأن مجموعة وكالات المخابرات الأميركية يجب عليها أن تعتمده حسب طلبنا».
وأبلغ فلايتس بولتون بأن ويستيرمان ما زال يرفض الاتفاق معنا بشدة، فاستدعى بولتون ويستيرمان إلى مكتبه ثم طلب من المسؤولين عن مكتب وزارة الخارجية للأبحاث والمخابرات «آي إن آر» فصل ويستيرمان وفوجئ أنهم رفضوا فصله بل دافعوا عن رأيه المهني.
في عام 2006 عمل فلايتس مستشاراً لرئيس لجنة المخابرات التابعة لمجلس النواب الأميركي بيت هويكسترا فأعد تقريراً يخدم مصلحة البيت الأبيض ضد إيران تحت عنوان: «الاعتراف بالخطر الاستراتيجي لإيران والتحدي الاستخباراتي للولايات المتحدة».
كان الهدف من هذا التقرير هو القيام بخطوة استباقية لتوزيع تقرير رسمي عن التقرير الاستخباراتي القومي «إن آي سي» حول برنامج سلاح نووي إيراني، وجرى ذلك بطريقة يظهر فيها التقرير بتفويض من لجنة المخابرات التابعة لمجلس النواب، وفي النهاية فشلت هذه الطريقة وفبركة معلوماتها، وسخر من هذا التقرير عدد من وكالات المخابرات الأميركية واضطر الرئيس بوش الابن وديك تشيني إلى الإعلان أن «إيران توقفت عن برنامج سلاحها النووي في عام 2003 وأنهما يثقان بهذه المعلومات» وانتهى مخطط بوش- تشيني لتوجيه ضربة عسكرية مباشرة على إيران عام 2008.
أشار بوش في مذكراته إلى هذه التطورات وخصوصاً حين اطلع على التقرير الاستخباراتي القومي لـ«إن آي سي» الذي لا يوصي بشن الحرب على إيران على خلاف حملة بوش عام 2007 التي كان يعلن فيها أن «إيران ستتسبب بحرب عالمية ثالثة» ويقول بوش في مذكراته: «لا أدري لماذا جرت كتابة التقرير الاستخباراتي القومي بهذه الطريقة، ومهما كان سبب ذلك حمل هذا «التقرير» صدمة وليس نتيجة جيدة، فبعد هذا التقرير كيف سيكون في مقدوري توضيح استخدام الجيش لتدمير المنشآت النووية لدولة قالت عنها مجموعة الوكالات الاستخباراتية إنها لا تملك برنامجاً لصناعة السلاح النووي»، ويقول ماك غافرن إن «فريق المحافظين الجدد وأكثر المتشددين بينهم بولتون، لم يتمكنوا من شن الحرب على إيران ولم يتمكنوا أيضاً من شن الحرب الأميركية المباشرة على سورية».
ومع ذلك لا يمكن استبعاد لجوء الفريق الحاكم الآن في مكتب مجلس الأمن القومي الأميركي بولتون- فلايتس، ووزير الخارجية ماك بومبيو إلى «فبركات» واتهامات لاستهداف سورية وإيران بطرق محسوبة هذه المرة بسبب علاقات التحالف الروسية الصينية مع كل من إيران وسورية.
ففي عهد بوش الابن كان العراق يفتقر إلى أي حليف دولي أو إقليمي وهذا ما جعله هدفاً في عام 2003 بعد ترويج فبركة امتلاكه لسلاح نووي وغير نووي.
لقد اتبع الرئيس بوش هذه السياسة نفسها، حين كان يروج لمزاعم امتلاك إيران للسلاح النووي ولاستخدام سورية للسلاح الكيميائي ولم يتوقف الرئيس الجديد دونالد ترامب عن هذه المزاعم نفسها، بل يبدو الآن أنه يقوم بتصعيد خطابه المفبرك في المنطقة، ولاشك أن وجود الثنائي بولتون فلايتس من المحتمل أن يحمل معه المزيد من هذه المزاعم، لكن التحالف الإقليمي الدولي لإطار محور المقاومة ما زال يشكل سداً منيعاً في وجه أي عدوان عسكري أميركي مباشر خصوصاً أن ترامب لم يعد يجد مؤيدين له في أوروبا وغيرها على غرار ما وجده بوش ووزير الدفاع الأميركي الأسبق ديك تشيني في عام 2003 و2005 فالوضع الإقليمي والعالمي لم يعد يعمل في مصلحة ترامب والمحافظين الجدد في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن