فيلتمان وليبيا
| تييري ميسان
نظمت فرنسا مؤخراً قمة دولية، حضرها ممثلون عن أربع عشرة دولة وهيئة دولية، حول ليبيا، ناقشت صياغة الدستور، وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية.
في الواقع، القرار الوحيد الذي خرجت به القمة، اقتصر على إنشاء مصرف مركزي ليبي وحيد، ليغطي على نهب حلف الناتو لكنوز نظام معمر القذافي الهائلة، ومركزية عائدات النفط، أما على الأرض، وبعيدًا عن مظاهر الترحيب الحماسية، فقد أعاد البيان الختامي للقمة، تنشيط أعمال العنف.
من المعروف للجميع أن ليبيا تعرضت لهجوم من منظمة حلف شمال الأطلسي في عام 2011، في سياق مخطط «عملية هارماتان» كان يهدف لتدميرها، هي وسورية معاً.
لقد أخطأ معمر القذافي، الذي كان يتفاوض مع الولايات المتحدة منذ عام 2002، حين وافق على تدمير ترسانته النووية، لاعتقاده أن ذلك من شأنه أن يجنبه الأسوأ، على حين أصاب الرئيس بشار الأسد، الذي رفض مطالب وزير الخارجية الأميركية كولن باول في عام 2004، فأعد بلاده للمواجهة.
ليبيا، هي نسخة عن المملكة العربية السعودية في القارة الإفريقية، وغنية بالنفط، وجعل معمر القذافي منها دولة علمانية وعصرية، تعايشت فيها العقلية القبلية القديمة، مع البنى الجديدة للدولة، لكن، كان يكفي لحلف الناتو أن يغتال القائد القذافي ليعيد هذا البلد إلى عهد السنوسيين (1951-1969)، هذه الجماعة الوهابية الغارقة في الظلامية والتبعية للأنغلوسكسونيين.
علاوة على ذلك، فقد أعيد إلى ليبيا على الفور علم السنوسيين، تماما كما سُلّم علمُ الاحتلال الفرنسي لميليشيات «الجيش السوري الحر».
من ناحية أخرى، تم وضع غسان سلامة، المبعوث الخاص الحالي للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، تحت السلطة المباشرة لمدير الشؤون السياسية في المنظمة، جيفري فيلتمان، الذي يمسك في الواقع بكل خيوط اللعبة منذ سنوات عديدة.
كان غسان سلامة، قبل أن يشغل منصب وزير الثقافة اللبناني في حكومة رفيق الحريري، أستاذا جامعيا فرنسيا، تحظى ابنتاه حاليا بمركزين متميزين في فرنسا وبلجيكا.
أما جيفري فيلتمان، الذي كان أحد مساعدي بول بريمر في العراق، فقد فرض قانوناً في ليبيا، يحظر على المحسوبين على العقيد القذافي الوصول لأي منصب في الدولة، على غرار قانون اجتثاث البعث الذي نفذه في العراق، ومع النتائج الكارثية نفسها التي انعكست على البلدين.
كان فيلتمان سفيرا للولايات المتحدة في بيروت، وهو الذي أشرف على عملية اغتيال رفيق الحريري، واتهم زورا الرئيسين إميل لحود وبشار الأسد بارتكابها، ثم أصبح نائبا لهيلاري كلينتون في وزارة الخارجية، وبهذه الصفة، أشرف على هجوم حلف شمال الأطلسي على كل من ليبيا وسورية عام 2011، ثم نُقل في عام 2012 إلى الأمم المتحدة، ليواصل مهمته في تدمير دول الشرق الأوسط الموسع، بينما يتشدق جهارا بأنه يخدم السلام العالمي.
تنقسم ليبيا في الوقت الحالي إلى قسمين، جزء صغير نسبيا يخضع لسيطرة الإسلاميين التابعين لحلف شمال الأطلسي، على حين تقع الأغلبية العظمى من مساحة البلاد تحت سيطرة مجلس محلي، لكنه عاجز.
استغلت الأمم المتحدة حسن نيات الشعب الليبي التواق للسلام، فأنشأت له ما يسمى حكومة وحدة وطنية مزعومة، لكن أحداً لم يُطعها.
وعلى عكس كل ما هو ظاهر، فإن المشكلة التي تعانيها ليبيا في الوقت الحالي ليست في التنافس بين هذه القوى الثلاث، بل في انفجار الصراعات القبلية التي تغذي هذا التنافس.
وتأسيسا على ذلك، لا يمكن التوصل إلى سلام إثر اتفاق بين هذه الشخصيات، مهما كانت مكانتها، بل ينبغي أن يرتكز هذا السلام المنتظر إلى تهدئة العلاقات بين القبائل أولا، وهذا بالضبط ما يعارضه جيفري فيلتمان.