ثقافة وفن

عالم المخدرات والجريمة بين الوقاية والعلاج … إن السلوك الإجرامي نوع من السلوك الشاذ المرضي الذي يحتاج إلى العلاج

| سارة سلامة

إن مشكلة المخدرات تمثل أزمة خطيرة على المستوى الصحي، والاقتصادي، والاجتماعي، والنفسي، والأسري للكثير ممن يسقطون في دوامتها، إذ يحوّل الإدمان ضحاياه إلى أناس غير قادرين على التوافق السليم مع مجريات الحياة اليومية مما يشلهم ويجعلهم عالة على أسرهم ومجتمعهم الذي هو في أمس الحاجة إليهم للإسهام والمشاركة في بنائه وتقدمه.
حيث صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة السورية للكتاب، كتاب بعنوان «عالم المخدرات والجريمة بين الوقاية والعلاج»، للدكتور معمر نواف الهوارنة متضمناً عدة فصول وهي: (مفهوم المخدرات، طبيعة المخدرات، المحكّات التشخيصية لسوء استخدام مواد العقاقير والمخدرات، مفهوم الجريمة وطبيعتها، جرائم هذا العصر، الجرائم السلبية المضادة للمجتمع، الجرائم الجنسية، نظريات تفسير الجريمة، الوقاية والعلاج من المخدرات والجريمة، دراسة إكلينيكية على العوامل المؤثرة في الإدمان).
تأتي أهمية هذا الكتاب من تحديد الآثار التي يتركها كل من الإدمان والجريمة على الفرد وعلى المجتمع بأكمله وسبل معالجتها، ومن أنه يفيد الكثير من الباحثين، والمتخصصين، والآباء، والمعلمين، والقضاة، ورجال الأمن وغيرهم من القائمين والمهتمين بموضوع المخدرات والجريمة.

مفهوم الجريمة وطبيعتها
إن وصف الجريمة بالوباء هو وصف صادق لانتشار الجريمة، فنجد في الواقع أن وباء الجريمة قد انتشر انتشاراً كبيراً في العصر الحديث، وتلونت ملامحه أكثر من أي وقت مضى وتضاعف عدد المجني عليهم حتى أصبحوا يزيدون أضعافاً على ضحايا أي وباء، وهو ما يعرض المجتمع كله، كيانه وسعادته ومصيره للخطر والتدهور.
تعريف الجريمة من المنظور اللغوي «إن الجريمة في معناها اللغوي تشير إلى أنها فعل الأمر الذي لا يستحسن، وأصل كلمة جريمة في اللغة العربية من جرم أي «كسب وقطع»، وقد خصصت هذه الكلمة للكسب المكروه غير المستحسن (ابن فارس، 1979:446)».
وأما تعريف الجريمة من المنظور النفسي فهي: «إشباع لغريزة إنسانية بطريقة شاذة لا يقوم به الشخص العادي في إرضاء الغريزة نفسها، وهذا الشذوذ في الإشباع يصاحبه اضطراب أو أكثر في الصحة النفسية، ويصادف وقت ارتكاب الجريمة انهيار في القيم والغرائز السامية أو الجريمة هي نتاج للصراع بين غريزة الذات أي نزعة التفوق والتفوق الاجتماعي، إن شرط الجريمة هو تكرار السلوك مما يؤكد عامل القصدية، ومعرفة الشخص بسلوكه ونتائجه.
ونجد أن علماء النفس والتحليل النفسي ينظرون إلى السلوك الإجرامي على أنه سلوك معاد للمجتمع، ومن ثم فإن السلوك الإجرامي ما هو إلا نوع من السلوك الشاذ المرضي يحتاج إلى العلاج كما تحتاج الأمراض العقلية إلى العلاج والرعاية، ويرون أن كل فعل إجرامي ما هو إلا دلالة وتعبير عن صراعات نفسية تدفع صاحبها إلى الوقوع في الجريمة.

جرائم هذا العصر
في كل بلاد العالم تقع جرائم كثيرة ومتعددة ومتنوعة، فشخص يقتل، وآخر يغتصب فتاة من فتيات المجتمع، وثالث يسرق أموال الناس، ورابع يحرق مجمعاً تجارياً وهكذا، إن النظرة الاستقصائية لعالمنا تكشف عن أن العالم مع بدايات القرن الحادي والعشرين أصبح ظاهرة فريدة غير مسبوقة مملوءة بتحولات نوعية جعلت الاقتصاد هو قطب الرحى، وأفرز بريق المدن أنماطاً من الجرائم لم تكن مألوفة من قبل، وانتشر في أيامنا هذه الكثير من الجرائم المتنوعة حتى أصبحت ظاهرة يومية صاخبة واضحة للجميع، وتعد الجريمة منذ فجر التاريخ الإنساني من أهم منغصات المجتمع، وستظل ما بقي معولاً من معاول الهدم فيه، إضافة إلى الخسائر المتعددة التي يتكبدها في شتى مجالات الحياة نتيجة الجريمة بمختلف أنواعها، وزادت الجريمة انتشاراً وتنوعت أنماطها وظهرت جرائم جديدة وخطيرة، مثل «جرائم القتل، وجرائم السطو المسلح، وجرائم الاغتصاب والعنف، والجرائم الاقتصادية كالرشوة والسرقة وغسيل الأموال، والجرائم المنظمة الجماعية، وجرائم المخدرات من تهريب وترويج وتصنيع».
ومنها الجرائم الأخلاقية التي تعد أم الجرائم لأنها منبع الجرائم، ولتحقيق النزوات الزائلة والشهوات الحيوانية يمكن أن يمارس هذا المنحرف القتل والسرقة والكذب وشهادة الزور وهي مقدمة للضياع، فضلاً عما يترتب عليها من التفكك والانحلال الأسري الذي يقود إلى التهتك الاجتماعي، وعادة ما يعاني المنغمس في مثل هذه الجرائم الفزع والأمراض النفسية والضيق والعزل، وإنه عادة ما تأتي الجرائم الأخلاقية في المرتبة الرابعة من حيث الكم بعد جرائم السرقات والاعتداء والمسكرات مع العلم أن كثيراً من الجرائم الأخلاقية يتم تسويتها في مهدها، وذلك حرصاً على السمعة والشرف والتزام الأعراف الاجتماعية.

نظريات تفسير الجريمة
حاول الكثير من النظريات تفسير ظاهرة السلوك الإجرامي سواء أكانت مرتكزة على تغليب أي من العوامل البيولوجية أم الاجتماعية أو النفسية، وبذلك تختلف وجهات نظر علماء الإجرام فيما بينهم في تفسير الجريمة، وتتفاوت هذه النظريات بتفاوت الاتجاهات البيولوجية والنفسية والاجتماعية، إلا أن هذه النظريات لم تتشكل دفعة واحدة، وإنما سبقتها محاولات علمية ظلت تقوى وتتكامل حتى أخذت شكلها العملي الحديث.
إن كل نظرية من هذه النظريات تحاول أن تحدد «العامل» في تكوين السلوك الإجرامي، وهذا العامل هو الذي تتجمع حوله سائر العوامل فيقودها إلى السلوك الإجرامي، ومن أهم النظريات التي تناولت تفسير السلوك الإجرامي هي: (النظرية البيولوجية، والنظرية الاجتماعية، والنظرية النفسية).

الوقاية والعلاج من المخدرات والجريمة
الوقاية من الإدمان مسؤولية مجتمعية شاملة تتضمن مكافحة إنتاج مواد التعاطي وتقليل العرض ومقاومة الطلب، والوقاية من الإدمان من أهم مسؤوليات الأسرة والمدرسة والإعلام ومجال العمل، ففي الأسرة يجب الاكتشاف المبكر والتعامل مع المشكلة بحكمة، وفي المدرسة يجب التوعية بأخطار التعاطي والإدمان، مع الاستعانة بالمتخصصين النفسيين والاجتماعيين، والتعاون مع الأسرة من خلال مجالس الآباء والمعلمين.
ويوجد ثلاث حلقات لمنظومة الوقاية في مجال الإدمان وهي: «الأهداف- والإجراءات- والتقييم»، والحلقات الثلاث للمنظومة متكاملة ودينامية ويؤثر كل منها في الآخر بطريقة التغذية المرتدة نجاحاً وفشلاً، والحلقات الثلاث للمنظومة تشتمل على مجالات معرفية «تتعلق بمعرفة الحقائق والمفاهيم الخاصة بالإدمان»، وأخرى مهارية «تشتمل على المهارات اللازمة للتعامل مع مشكلة الإدمان»، وثالثاً وجدانية «تشتمل على كل ما يتعلق بالاتجاهات والمعتقدات المتعلقة بالإدمان».
درهم وقاية خير من قنطار علاج، والوقاية هدفها منع حدوث الإدمان، والجهد الذي يبذل في الوقاية هو عشر الجهد الذي يبذل في العلاج، والاكتشاف المبكر أفضل من الاكتشاف المتأخر، والوقاية والاكتشاف المبكر والعلاج هي مسؤولية الأسرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن