اتفاق الجنوب أمر واقع لا محال
| محمد نادر العمري
مع تناقض المعلومات والتصريحات حول التوصل لاتفاق يخرج المنطقة الجنوبية من سورية من خرائط الاشتباكات العسكرية من عدمه! فإن سيناريو تحرير الغوطة الشرقية من الجماعات المسلحة قد ينسحب على المنطقة الحدودية التي يحتلها المسلحون بالقرب من الحدود مع الأردن والجولان المحتل.
لذلك فإن الوصول لصيغة اتفاق لن يجد طريقه للنور حتى اليوم لأنه يفتقر لمقومات الاعتراف بتغير موازين القوى لصالح محور دمشق وحلفائها والتسليم به من المحور الخصم! فالتحذيرات الأميركية لدمشق من «خرق» اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري هو لا يثير مخاوف محتملة من صدام دولي جديد فقط بل يعكس توتر الأجواء وعدم وجود نقطة انطلاق مابين الفاعلين الدوليين والإقليميين لإيجاد صيغة توافق أو الرغبة في الاستمرار برفع سقف المباحثات تحت ضغط الاشتباك والمناورات، كالاتهام الإسرائيلي المستمر بوجود قوات إيرانية في الجنوب!
عملياً إسرائيل تحاول الإيحاء بأن «مساعيها السياسية» أثمرت نتائج إيجابية من ناحيتها، وعبر إظهار معادلة ما تسميها «إبعاد الإيرانيين» عن الحدود في الجولان السوري المحتل، إلا أن الوقائع على الأرض توحي وتؤكد أن أي اتفاق سيتم التوصل إليه وهو محتم في نهاية الأمر وإن كان ثمرة عمل عسكري سيكون بعد تسليم كل اللاعبين، ومن بينهم أميركا وإسرائيل والأردن، بأن إسقاط الدولة السورية بات خارج القدرة الفعلية، وأن المعاندة لم تعد تجدي نفعاً.
الاتفاق يتطلب كمقوم أول لتبلوره التنسيق بين الروس والأميركيين أولاً، واللاعبين الإقليميين كمرحلة ثانية! تقطع أي مجال مناورة لدى المسلحين الذين عليهم الاختيار ما بين الرحيل باتفاق، أو الترحيل بعد استخدام القوة العسكرية، مع وجود خيار ثالث يتضمن نقل القياديين منهم إلى إسرائيل لإعادة توظيفهم في الشرق السوري أو لمواجهة مسيرات العودة داخل الأراضي المحتلة.
ما يعزز هذا المقوم الزيارات المكوكية لكبار المسؤولين الإسرائيليين لروسيا والولايات المتحدة، فوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، استدعى وزير الأمن أفيغدور ليبرمان إلى موسكو، الذي اصطحب معه رئيس الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال تامير هايمان ورئيس القسم السياسي الأمني في وزارة الأمن زوهر بالتي، فيما توجه إلى واشنطن مستشار الأمن القومي مئير بن شبات للقاء نظيره جون بولتون، وبحسب ما تسرّب للإعلام الإسرائيلي، الزيارتان معنيتان بمناقشة الاتفاقات في سورية والتمركز الإيراني فيها، مع محاولة إسرائيلية مع الأميركيين لتحديث التفاهمات وتطويرها حول «صد إيران» بناءً على التطورات الأخيرة في سورية والانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
المقوم الثاني ما أشار إليه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم منذ أيام: «بعدم تصديق أي تصريح أو اتفاق لا يشمل التنف»، وهذا يتضمن شقين، الأول نشر الجيش السوري والقوات الحكومية يجب أن يشمل جميع الحدود الجنوبية ومعابرها الرسمية بما في ذلك معبرا نصيب والتنف، والموافقة الأميركية على الشق الأول في حال حدوثه سيعني بداية تسليم واقعي لبدء الانسحاب الأميركي من سورية وهذا لا يبدو خياراً مقبولاً لدى الصقور المتشددين في تل أبيب وواشنطن.
حكومة تل أبيب، التي أعلنت عبر تسريبات مقصودة لإعلامها أنها «توافق» على الاتفاق قبل أن تعود وتغير من لهجتها بأنها لا تملك أي شيء مكتوب، عمدت إلى تظهير نفسها كلاعب إقليمي ومؤثر بالمعادلة السورية في محاولة أخيرة لإحداث شرخ بين دول المقاومة في الدرجة الأولى سورية وإيران أو بين محور المقاومة وروسيا.
لذلك أرادت إسرائيل الترويج للاتفاق على أنه «إنجاز سياسي» لها وإن كانت من ناحية إستراتيجية في موقع المنهزم بالحرب أمام سورية وحلفائها أولاً، وفي موقع العاجز أمام عودة السيادة السورية على حدودها الجنوبية والرضوخ لذلك، وضمن هذا الإطار، انصب الجهد الإسرائيلي في مستوياته السياسي والأمنية، وتحديداً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير أمنه، على التأكيد أن القبول بالاتفاق كما تم تسريبه لا يعني تسليم إسرائيل بالوجود العسكري الإيراني في سورية بل لترسيخ مسار مضمون ومناورة جديدة ومحاولة لحفظ هامش القدرة على التحرك في الساحة السورية في مرحلة بدء التبلورات النهائية للحل السياسي، وإن كان هذا الحل سيكون مبنياً على واقع الانتصارات الميدانية التي تحققها الدولة السورية وحلفاؤها.
الواضح حتى اليوم أن الساحة الجنوبية ستكون من أشد الساحات تعقيداً إلى حين تزلزلها بعمل عسكري يفرض أمراً واقعاً تخضع له الدول الدائرة في الفلك الأميركي عبر اتفاق محتم، وإن جاء على شكل «اتفاق تجميلي» أو تسوية، رضوخاً لواقع ميداني عسكري يعبر عن انتصار سورية وحلفائها على أعدائها، ليس نتيجة الانتصار على الأدوات الوظيفية المتمثلة بالميليشيات الانفصالية والراديكالية على الأرض، أي المسلحين الوكلاء، بل أيضاً على الأعداء الأصليين لتعذّر القدرة لديهم على تغيير النتائج المحققة.
بسط سيادة الدولة السورية على الجنوب يعدّ انتصاراً مزدوجاً لسورية وحلفائها، بسط السيادة السورية والتسليم بها من أعدائها أولاً تسريع للحل السياسي انطلاقاً من إرغام الدول المعتدية على سورية بالتكيف مع المتغيرات الحاصلة عكس سفنهم وكما لا يشتهون ثانياً.