قضايا وآراء

حين لا ينفع الندم

| سامر ضاحي

لعل في درس «الربيع العربي» عبرة لمن يرغب في أن يعتبر، فالولايات المتحدة الأميركية ومعها أوروبا وخاصة فرنسا، تخلوا عن حلفائهم تباعاً، وإن كان التخلي الفرنسي عن الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي مفهوماً إلى درجة ما، فقد كان التخلي الأميركي عن الحليف المصري نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك مستغرباً جداً، لقدرة مبارك على نسخ علاقات مع الكيان الصهيوني كانت أميركا تنظر إليها بعين الرضا، وعندما استطاعت ترويض نظام سلفه محمد مرسي الإخواني ما لبثت أن تخلت عنه بسهولة لمصلحة عودة العسكر إلى السلطة مع مجيء الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، فأميركا بدت وكأنها تدعم الجميع دون أن تكون حريصة على استقرار مصر.
وفي مقابل ذلك كان الانخراط الروسي في سورية درساً لقوى التحالف، سواء كانت دول عظمى أم دول صغيرة، فروسيا دافعت عن سورية وتدخلت عسكرياً من أجل الحليف السوري، على عكس ما فعلت الإدارات الأميركية.
ويوماً بعد آخر يعود الدفء إلى حبل العلاقات الأميركية التركية ويزداد هذا الحبل ثخانة بمرور الاتصالات التي باتت شبه يومية بين البلدين وخاصة فيما يتعلق بالملف السوري وتحديداً الأراضي الشمالية من بلادنا التي يحتل أجزاء منها اليوم أكثر من عدو خارجي.
في الشمال تقبع قوات كردية سبق لدمشق أن دعمتها في مواجهة داعش وخاصة المعركة المصيرية في عين العرب، كوباني كما يحلو للكورد تسميتها، وهذه القوات الكردية المنظمة في إطار «قوات سورية الديمقراطية– قسد» سلمت مفاتيح مصيرها للأميركي ومعه الفرنسي والبلجيكي، لكن ما يحصل أن الولايات المتحدة تعود إلى سابق ربيع علاقتها بأنقرة، وبين أنقرة والأكراد محيطات من المشكلات والخلافات.
الأسبوع الماضي وجهت الدولة عبر الرئيس بشار الأسد ما يمكن تشبيهه بنداء تحذيري للأكراد: التفاوض أو القتال، ولكن ما زال الموقف الكردي إلى اليوم غير محسوم هل يرغب في تفاوض فعلي أم يريد التعويل على مواجهة عسكرية؟
اللافت أن التقارب التركي الأميركي تحوّل إلى اتفاق بات يعرف بـ«خريطة طريق في منبج» وأعلن الأتراك صراحة أنها ستطبق في الرقة وعين العرب ولم يكونوا ليعلنوا ذلك لولا التنسيق مع الأميركيين.
في المقابل ليس بيد الأكراد أوراق كثيرة، وهم اليوم يراقبون المشهد بخوف، فحليفهم القوي يتحالف ويتفق مع عدوهم الراغب في تصفيتهم حتى آخر كردي، ولكن هل يبقى الأكراد يعولون على الحليف الأميركي وحتى الأوروبي متمثلاً بفرنسا وبلجيكا؟
اليوم تبدو الفرصة متاحة أكثر من قبل أمام «قسد» لمد اليد إلى دمشق والجلوس على طاولة تفاوض تفضي إلى قانون إدارة محلية متطور، يمنح بعض الامتيازات للأكراد في مناطقهم، ويحافظ على وحدة النسيج السوري، أما التعويل على عمل عسكري ضد دمشق فهو محفوف بجملة مخاطر أولها فارق الإمكانات، وليس آخرها فارق الحلفاء، لو أقنعت تركيا الولايات المتحدة بالتخلي عن الأكراد.
ولا يعني التفاوض بالضرورة تطابق الرؤى ووجهات النظر والاصطفاف إلى جانب الحكومة بالكامل، فلدى القوى الكردية فرصة أن تكون معارضة داخلية فاعلة، وهم أصحاب تجربة وتاريخ في هذا الشأن، ومن ثم باستطاعتهم مزاحمة القوى السورية الأخرى على مقاعد مجلس الشعب وحتى الحكومة بانتخابات برلمانية نزيهة لطالما أبدت دمشق استعدادها لإجرائها تحت رقابة أممية، أما عكس ذلك فإن القوى الكردية تجر الحرب إلى مناطقها، حرباً تستهلك الطرفين لكن القوى الكردية ستكون الخاسرة فيها في النهاية، وعندها، لا حصة سياسية للخاسرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن