قضايا وآراء

عن قمة «لامالبي» وخيارات طرفيها

| عبد المنعم علي عيسى

يبدو أن كل شيء قد بات محسوماً ولسوف يلتقي الرئيسان الأميركي والكوري الديمقراطي يوم الثلاثاء المقبل في فندق «لامالبي» السياحي في كيبيك بسنغافورا في الساعة التاسعة بالتوقيت المحلي، بل إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أراد أن يريح نفسه من «دوشة» حلفائه الأوروبيين فغادرهم مع ساعات الصباح الأولى ليوم السبت الماضي من دون أن يوقع على وثيقة «قمة جي7» التي صدرت في المساء، بعد أن أعلن البيت الأبيض أن الرئيس قد توجه إلى سنغافورا للتحضير لقمته المقبلة مع الزعيم الكوري.
ما تقوله «المشادات» عشية القمة هو أن واشنطن أرادت من خلالها القول إنها الطرف الأقوى، ولذا رأينا رفعاً أميركياً لسقوف المطالب إلى الحدود القصوى، وفي العالم الشفوي قيل إن ترامب كان قد قال للمقربين منه إنه لن يعود من سنغافورا إلا وفي جيبه تعهداً بنزع سلاح بيونغ يانغ النووي، والجدير ذكره هنا أن ترامب كان قد قال لنفس هؤلاء إنه لن يعود من الرياض في أيار من العام الماضي إلا وجيبه ملآن، وهو ما حصل فعلاً فقد عاد وفي جيبه 460 مليار دولار، لكن السؤال هنا هو: هل يملك ترامب ما يمكنه من فرض مطاليبه في حدودها القصوى كما يريد؟ وعلى أي أرضية يقف الآن؟
بات من المؤكد أن ترامب ماض في شعاره الذي اعتبره سمة لعهده والذي اختصره بـ«أميركا أولاً»، والمؤكد أيضاً أن هذه السياسة قد خلفت وراءها العديد من الخصومات والخلافات حتى مع أقرب الحلفاء، ولسوف تكون أجواء قمة السبع الكبار ماثلة في لقاء «لامالبي» بقوة، فالصلف الأميركي لم يترك لحلفائه حتى فرصة التفاوض، ومن الجائز وصف سلوكية ترامب بأنه قال كلمته ومشى، تاركاً حلفاءه في حيرة لتدبر أمورهم، وللمرة الأولى يصدر عن كندا أو بمشاركتها في البيان الذي صدر عن لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي قبل يومين من انعقاد قمة السبعة الكبار التي أطلق عليها الكثيرون «قمة 6 ضد1» دعم أوتاوا لنظام دولي متعدد الأطراف وقوي، وعلى الرغم من أن هذه الدعوة تتلاقى مع دول البريكس، إلا أن ذلك لا يعني تقارباً مع موسكو بالضرورة، فالأوروبيون رفضوا دعوة ترامب لإعادة روسيا لتعود إلى قمة الثماني كما كانت عليه قبل العام 2014، لأنهم يرون أن ذلك من شأنه أن يثير شهية بوتين للقضم الجغرافي كما فعل في شبه جزيرة القرم في ربيع هذا العام الأخير، والمشكلة هي أن التصعيد الأميركي لا يصب في جهة معينة في مقابل التناغم مع أخرى، بل إنه ماض في مواجهة الكل، وفي بكين التي زارها الرئيس الروسي يوم الجمعة الماضي خرج هذا الأخير مع نظيره الصيني شي جينغ بينغ ببيان قالا فيه: إن السياسة الحمائية الأميركية قد زادت، وهو ما يشتم منه أن الزيادة هذه يصعب لها إذا ما استمرت، أن تبقي الصراع في «حدوده التجارية» وهو سيدفع إلى منازلة عالمية ثالثة تبين حصص من هي الأكبر، ومن هم الذين يجب عليهم أن يسمعوا وينفذوا.
من جهة أخرى تبدو خيارات الرئيس الكوري الديمقراطي كيم جونغ أون ضيقة جداً عدا عن أن أوراقه مكشوفة، فالوجع الاقتصادي لم يبق «للسر مكان» كما يقال، ومما سبق فإن السيناريوهات التي يمكن أن يخرج بها الطرفان ثلاثة: الأول هو الحل على الطريقة الكوبية فعندما أخفق غزو الساحل الكوبي عند خليج الخنازير اضطر الرئيس جون كيندي إلى مقايضة سحب الصواريخ النووية السوفييتية من كوبا في مقابل التعهد بعدم التعرض لنظام فيديل كاسترو الذي لا يزال قائماً إلى الآن، لكن مع استمرار الحصار الاقتصادي الذي لم يرفع إلا جزئياً بعد زيارة باراك أوباما لهافانا في العام 2016.
الثاني: قبول ترامب باتفاق جزئي على طريقة اتفاق فيينا الإيراني الذي كان أشد المعادين له وظل كذلك إلى أن ألغاه في شهر أيار الماضي، فما هو صحيح لإيران ليس صحيحاً بالضرورة لكوريا، وهذا الخيار هو الوحيد الذي يتيح الضغط على القيادة الكورية في خلال فترة المفاوضات، وفي الآن ذاته يتيح إعلان ترامب لانتصار مدو سيكون بمنزلة «بساط الربح» الذي سينقله إلى بروكسل لاستلام جائزة نوبل للسلام خريف هذا العام.
الثالث: هو قبول الزعيم الكوري بعد نزع سلاحه النووي بالانفتاح على الشقيق الجنوبي وعلى الغرب، والمؤكد أن واشنطن ترقب نمواً لاتجاه مجتمعي في الداخل الكوري الديمقراطي يتوق إلى نموذج الحضارة الأميركية، ولذا فإن مهمة تحويل هذا الاتجاه إلى تيار تصادمي مع الحاكم ومتناغم مع الخارج ستكون ملقاة على أكتاف الأميركيين، وربما كان خيار الانفتاح على كوريا الجنوبية أخطر بكثير من التهديدات الخارجية التي تتعرض لها بيونغ يانغ كلها على كثرتها، فهو سيكون كافياً لكي يلحظ المواطن الكوري الديمقراطي حجم الفارق الهائل بين حياته وحياة أشقائه في الجنوب، إلا إذا كان جونغ أون مؤمناً بوجوب انهيار «جدار برلين» بين الكوريتين للعودة إلى الوضع ما قبل العام 1950 الذي شهد قيام الحرب الكورية التي استمرت ثلاث سنوات انتهت بانقسام البلاد إلى قسمين أحدهما شمالي والآخر جنوبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن